شكلت إعادة تشغيل محطة تحلية المياه في دير البلح في وسط قطاع غزة الشهر الماضي خطوة صغيرة لكن مهمة باتجاه عودة الخدمات العامة في القطاع المدمر جراء الحرب المتواصلة منذ حوالى 15 شهرا. وأكد محمد ثابت المسؤول الإعلامي في شركة توزيع الكهرباء في غزة لوكالة فرانس برس، نجاح منظمة اليونيسف وسلطة الطاقة الفلسطينية في إصلاح خطوط الكهرباء من إسرائيل التي تغذي محطة تحلية مياه البحر في دير البلح. وفي حين كان لإعادة تشغيل المحطة تأثير ملموس محدود حتى الآن، يشير دبلوماسيون مطلعون على المشروع إلى أنها قد تقدم خريطة طريق موقتة لإدارة غزة بعد الحرب. وقال مسؤول في سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية لوكالة فرانس برس «إن القدرة الإنتاجية للمحطة تبقى محدودة أمام الحاجة الهائلة لأكثر من مليون نازح في مناطق وسط وجنوب القطاع». وتفيد اليونيسف بأن المحطة تنتج راهنا حوالى 16 ألف متر مكعب من المياه يوميا. وتقدم هذه المحطة الواقعة على ساحل البحر غرب دير البلح، مياه الشرب لأكثر من نحو 600 ألف نازح فلسطيني في وسط القطاع وجنوبه. ويكافح سكان قطاع غزة الذي لحق به دمار هائل، منذ الأيام الأولى للحرب بين إسرائيل وحماس التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر 2023، لتأمين الضروريات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والمياه. واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الأسبوع الماضي إسرائيل بارتكاب «أعمال إبادة جماعية» في غزة من خلال تقييد الوصول إلى المياه، وهو ما نفته السلطات الإسرائيلية. وتفيد منظمة «واش كلاستر» التي تضم منظمات إنسانية تنشط في قطاع المياه، بأن توزيع المياه أصبح معقدا وخطرا للغاية في قطاع غزة. فقد تضررت غالبية شبكات خطوط المياه في القطاع بسبب القصف الجوي والمدفعي والبحري، ما ترك سكان القطاع الذي نزح عدد كبير منهم، من دون أي وسيلة لتوفير هذا المورد الحيوي وتخزينه. وقال ثابت إن المشروع «سوف يحد من نسبة التلوث ويقلل من الأمراض المتفشية بين النازحين مثل التهاب السحايا وشلل الأطفال». وتعد هذه المحطة واحدة من ثلاث محطات لمعالجة مياه البحر في القطاع كانت تلبي قبل الحرب حوالى 15% من حاجات السكان البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة. في الأشهر التالية لنشوب الحرب التي اندلعت بعد هجوم غير مسبوق لحركة حماس على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عملت المحطة بطاقتها الدنيا، معتمدة على الألواح الشمسية والمولدات الكهربائية وسط ندرة مستمرة في الوقود في غزة. ولم تتمكن من استئناف عملياتها بالكامل إلا بعد إعادة ربطها بأحد خطوط الكهرباء التي توفرها إسرائيل التي تتقاضى كلفة التيار من السلطة الفلسطينية. أكدت اليونيسف التي توفر الدعم الفني لمحطة دير البلح، في أواخر حزيران/يونيو أنها توصلت إلى اتفاق مع إسرائيل لمد المحطة بالكهرباء مجددا. وفي وقت لاحق، أعلنت هيئة تنسيق أنشطة الحكومة في الأراضي الفلسطينية (كوغات)، التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، أن محطة تحلية المياه ربطت مجددا بشبكة الكهرباء الإسرائيلية. لكن الخط المخصص لتزويد المحطة كان تضرر بشدة بسبب القصف. وأكد ثابت أن الطواقم الفنية لشركة كهرباء غزة «بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي عبر منظمات دولية أممية، عملت لخمسة أشهر لإصلاح الخط القادم من حاجز كيسوفيم» العسكري الإسرائيلي شرق بلدة القرارة في خان يونس. لكنه شدد على أن «هذه حلول إسعافية طارئة، نحتاج لحلول دائمة لتوفير الكهرباء لنحو مليوني نازح لتعود عجلة الحياة في القطاع، نريد وقف الحرب». وقالت مصادر دبلوماسية عدة لوكالة فرانس برس إن هذا المشروع أظهر أن السلطة الفلسطينية أثبتت أنها في وضع يسمح لها بالتدخل في إدارة القطاع مستقبلا، إذ عملت طواقمها على إصلاح خط الكهرباء على الأرض، بالتنسيق مع كل الجهات الفاعلة. وتسعى السلطة التي يرئسها الرئيس محمود عباس لتأدية دور مركزي في غزة بعد الحرب، سعيا إلى تعزيز نفوذها في المنطقة بعدما ضعفت بشكل كبير عندما تولت حماس السلطة في القطاع في صيف العام 2007. وقال مصدر أمني إسرائيلي لوكالة فرانس برس إن الشركاء الإسرائيليين المعنيين تصرفوا بناء على «تعليمات من المستويات السياسية»، وإن المشروع كان جزءا من جهد لمنع تفشي الأمراض والذي قد يعرض حياة الرهائن المحتجزين في غزة للخطر. وخلال الهجوم على إسرائيل، اختطف مسلحو حماس 251 رهينة، لا يزال 96 منهم محتجزين في غزة، بما في ذلك 34 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم قضوا في الأسر. وقال المصدر إن إسرائيل «سهلت ربط خط الكهرباء بمحطة تحلية المياه على وجه التحديد»، مضيفا أنه تم وضع آلية لتتبع الاستخدام «لمنع سرقة الكهرباء». وأتى تعاون السلطات الإسرائيلية بشأن إعادة تشغيل محطية تحلية المياه بعيد موافقتها على التعاون مع حملة تطعيم ضد شلل الأطفال قادتها الأممالمتحدة من خلال إيقاف موقت لحملة القصف في غزة في المناطق التي كانت تشهد عمليات تلقيح.