في الرياضة كما في الرياضيات، يكون البرهان بثلاثة دليل إثبات على أن اختيار المغرب وإسبانيا والبرتغال لاستضافة مونديال 2030 هو اختيار للجدارة والأهلية لاحتضان هاته المنافسة الدولية ذات البعد العالمي. ويكون من حق المغاربة أن يفرحوا، بما أن العالم أهل بلادهم لما هم أهل له، بناء على معايير محددة ومدروسة وتخضع لطلب عروض دولية. وليس من حق المغاربة أن يفرحوا، ويقفوا عند الفرح، بل عليهم أن يجدوا الطريق نحو تأهيل البلاد أكثر لكي يكونوا في مستوى ما أهلوا له دوليا… البلاغ الصادر عن المجلس الوزاري الأخير، الذي ترأسه ملك البلاد، ترجم، بصدق، ما يجب أن يتم على مستوى تدبير هذا التأهيل، وقد قلنا في حينه أن «لقمر المونديال .. جانب ووجه مظلم»، وضع البلاغ عليه الإصبع بلا حرج ولا تورية ولا انتشاء ذاتي: بكل الوضوح والمسؤولية، سطر ما يجب أن يخضع للتأهيل في أفق احتضان المونديال. المونديال ليس هو المن والسلوى ينزلان من سماء نبوية تحلق الملائكة فيها في صفاء التسبيح بالحمد. المونديال مكابدة ومشقة دولة وشعب.. للمغرب الطموح العالي في الفوز به، خاصة وقد راكم تجربة غير يسيرة في تنظيم التظاهرات الكبرى، ذات البعد الدولي. تظاهرات تظل مع ذلك محكومة بتنظيمها الزمني والمكاني، ومحكومة بسقفها المتحكم فيه، من حيث عدد الحاضرين ومدة التظاهرة والمتطلبات الأمنية الضرورية لذلك. والمغرب، من خلال المساعدة في تنظيم مونديال قطر وأولمبياد باريس، يمكنه أن يطمئن إلى التجربة وما رافقها من تمارين، في حسن تأمين المونديال أمنيا، بالرغم من ارتفاع استهداف بلادنا من طرف كل المتطرفين وكل المندسين وكل الحاقدين… هناك قطاع غير قليل من «النخب» أو من يصدقها يطرح سؤالا استنكاريا عن احتضان البلاد للمونديال، ومما لا تنتبه إليه الشعبويات السريعة، التي تكيف خطابها مع كل لحظة قوة : هو أنها تطرح أسئلة اليوم …على مغرب 2030. ماذا سنستفيد نحن الفقراء والمظلومون ؟ ومن ذلك، ماذا سيجني المغرب …من هذا؟ كمال لو أن رونالدو هو المسيح أو أن حكيمي هو المهدي المنتظر. في خطاب مثل هذا يعطي المتحدث الحق لنفسه في الكلام، لكي يخفي عنا حقيقة أفكاره في الواقع: فهو منشغل بقضايا أخرى مزعجة من قبيل حضور العالم بكل ثقافاته وسلوكياته وقناعاته، مما قد يشوش على بعض معتنقي الحمائية الأخلاقية والحمائية الهوياتية المنغلقة بعض الشيء، لكن الذي يتحدث لا يريد أن يفصح عن مخاوفه فيزج بالشعب في ما يجعل هذا الشعب محض تجربة ذهنية لتعزيز البلاغة والخطاب الشعبويين. وهذا التمرين تم في قضايا أخرى غير المونديال..باسم الحرب، باسم المقاومة، باسم الحرية: هكذا تسابق الشعبيون من كل حدب وصوب إلى عناق تراجيدي حماسي حول نيران الحرب في الشرق الأوسط. يشعرون بأنهم مجبرون على الحديث باسم الشعب الفلسطيني ويطلبون من كل الشعوب أن تمتثل لهم… لا له، حتى وهو يقتل ويهجر ويذبح ويدفن في اللامكان، والحديث باسم الشعب السوري، ويفسرون له «كاتالوج» أحلامه ويطلبون من الشعب المغربي ألا يعارضهم في ذلك … وإلا كان مع واشنطن وأنقرة ومع تل أبيب لأنه يريد أن يرى بعض بريق من الحرية في أعين من تركتهم الآلة القومجية الرهيبة أحياء .. باسم الوطن الفلسطيني يتسلطون، وباسم الوطن السوري يتسلطنون! وعندما تحين قضايا المغرب … يشككون الشعب المغربي في ما يسير نحوه أو يريده.. حتى إذا شعر بدبيب الفرح في جسده، يطالبونه بأن ينظر إلى الزاوية المظلمة من تاريخه.. ويشككون في كل ما قد يستطيع الوصول إليه.. ومن سوء حظنا أن شعبيتنا فاشلة، لا تستطيع أن تكون من قبيل الشعبويات القادرة على الإقناع والتأثير الواسع وإخراج الناس بالملايين إلى الشارع انتصارا لها.. الشعبوية الفاشلة عندنا تجعل أصحابها ينسون كل شي عن الوطن والوطنية وما قالوه عن الحق في أن تقاتل الشعوب الأخرى باسم الوطن … وحقها في لحظات فرح مشاعية! لكنهم ينسون ذلك عندما يتعلق الأمر بالوطن المغرب: سرعان ما يصبح هو الوجه البشع للنظام، وهو دليل «التعياشيت» والمخزن والعتاقة والماضوية والتفكير الشوفيني… يستدرون الشفقة الخطيرة (رحم لله سبينوزا).. حتى يشعر الوطن بعقدة الضمير ويتوقف عن المسير في طريق التأهيل الذاتي للمونديال. يتبع