أستحق الرئيس الفرنسي الشكر من طرف جلالة الملك، في افتتاح البرلمان، وهو شكر تقدم به ملك البلاد ورئيس دولتها وأمير المومنين فيها ، باسمه الشخصي وباسم الشعب المغربي قاطبة. ونحن هنا نعيد الشكر والترحيب برئيس دولة فرنسا الذي اختار ، في نهاية التوتر بين البدين، موقفا ناضجا ، عاقلا وينتصر للحق المغربي. ويفتح الشراكة التاريخية، إلى أبعد مدى ممكن وبناء على قاعدة» الاستقلالية داخل الترابط المتبادل«.. وبعد ذلك وقبله، نرى أن الزيارة الحالية للرئيس الفرنسي زيارة ليست عادية، يمكن زن نؤرخ لها باعتبارها زيارة ما بعد العاصفة، هدَّأت الاوضاع لكي تعود الى ما قبلها. بل هي زيارة ما بعد العاصفة تريد أن ترسم منعطفا في المناخ العام للعلاقات الخاصة كما للعلاقات بين البلدين، في أفق أوسع أكبر من ماضي التوتر القريب. الزيارة التي تأتي في نهاية شهر هو شهر الصحراء دوليا اكتوبر الذي تصدر فيها القرارات الأممية في الملف .. تطرح رهانا دقيقا: مفاده أن القراءة ، بابعادها الاقتصادية والتربوية والديبلوماسية والاجتماعية ذات أحقية لا غبار عليها، كما هي قراءة تمكن من ان قياس التطورات الحاصلة بين البلدين، لكن حجر الزاوية … زاوية النظر الذي لا بد منه ، وهو ان قضية الصحراء، التي تعتبر قاعدة التحليل بالنسبة للمغرب هي الاولى في قياس ما يأتي وما يترتب عن موقف فرنسا الجديد. بالعودة إلى العناوين الكبرى للأزمة الثنائية وسياقها ، نحتفظ بالتواريخ التالية : فرنسا كانت أول دولة في مجلس الأمن تساند الحكم الذاتي كما تم اقتراحه في 2007 . ومنذ تلك الفترة والى حدود 2020، كانت البلد الأكثر تقدما في دعم المغرب. بيْد أنه حصلت تطورات كثيرة أهمها الموقف الامريكي المعلن بدعم السيادة المغربية، خطاب جلالة الملك في غشت 2021 بدعوة أصدقائنا الى الوضوح والخروج من »الغموض التكتيكي المريح«، تطور موقف إسبانيا باعتبارها الشريك التاريخي لفرنسا في احتلال المغرب … الخ). فاصبح أمام فرنسا امتحان لا بد من ان تنجح فيه مع المغرب. وكان عليها ان تطور موقفها الذي ظل جامدا، وتتقدم بالخطوة الحاسمة. وقعت الازمة بتعدد أبعادها( الفيزا، الأمن، قرار البرلمان الاوروبي .. الانحياز للجيران ..) حول هذا البؤرة بالذات. ولم يكن ممكنا لفرنسا ان تقفز على العديد من العناصر التي نجدها اليوم محكومة بالبداهة في أدبياتها الداخلية السياسية والجيوسياسية : اولا :حصول توافق دولي واسع حول الحكم الذاتي، كشف الملك عن أبعاده في خطابه امام البرلمان وحسم القول بأنه صار هو الحتمية الوحيدة الموجودة دوليا ولا محيد عنها ثانيا :التطور الكبير الحاصل في اقاليمنا الجنوبية، مع وضعها الجيوسياسي الجديد في قلب تقاطعات المشاريع الكبرى اتجاه افريقيا، جنوبا واتجاه المحيط الاطلسي غربا. مما فرض على باريس ضرورة تحيين موقفها على ضوء التطورات الحاصلة بمعنى الارتقاء الى مستوى هاذ التحول . فكانت الخطوة الاولى هو الاقرار بالسيادة المغربية الاقتصادية على الصحراء مع زيارة وزير الخارجية السابق ستيفان سيجورني ( الذي كان وراء ازمة البرلمان الاوروبيلما كان رئيس الفريق البرلماني لحزب ماكرون)،و تلا ذلك ما يمكن ان نعتبره تسجيل العلاقات المغربية في سجل الرؤية الاستراتيجية الفرنسية التي حصلت قناعاتها عند ساكن الاليزيه وصناع القرار في الدولة. وهو اختيار ما من شك ان المغرب ساعد على انضاجه.. ثالثا: يمكن القول أن الدرس الفرنسي كان اكبر دليل على نجاعة شعار الممكلة » الانتقال من التدبير إلى التغيير « والاكتفاء به. وبالنسبة لبلاد وضعت الوحدة الترابية هي وحدة قياس المواقف والسياسات، كان تحسين العلاقات السياسية هنا ديْدنُ الفارس وليس التاجر،( المغرب ليس دولة حانوت ) مهما كانت الايجابيات في مجال الاقتصاد والاستثمار والنجاعة التي يطلبها الشعبان والشركاء في اوروبا، ايضا. ولهذا وفي الخلاصة ، يمكن ان نقول بأن البلدين قطعا شوطا جديدا في الترابط بينهما في اطار استقلالية القرار… ونديته. وباستحضار التحري ر كجزء من هذا الترابط الثنائي ليست الذاكرة الموشومة بالاستعمار هي وحدها التي تجمعنا: بتعطيل ا تحرير الصحراء في 1957 عند التحالف ضد جيش التحرير مع اسبانيا فرانكو، بل لنا ايضا لنا مشترك الذاكرة الحرة: منها العلاقة التحررية بين محمد الخامس والجنرال ديغول. هذه الذاكرة تجد بعضا من حياتها وتنشيطها من جديد في الموقف الفرنسي الذي يسعي الي تعزيز موقف المغرب في حرب تحرير اقاليمه ووحدته . كما كانت مشاركة المغرب بقرابة 73 الف محارب في حرب التحرير الفرنسية من 39 الى 45 ( منها قصة الكتيبات الثلاث التي حررت مارسيليا). بطبيعة الحال لا يمكن ان نقتصد في الوصف، ففي لحظة سياسية من هذا القبيل: رجال السياسة يصبحون رجال دولة، عندما يتوفرون علي وضع اعتباري فيهم يشكل التاريخ جزء منه، ذلك أن التاريخ كما علمنا المؤرخ عبد الله العروي يسكت صوت السياسوي العابر . نحن نعرف بأن الحوار السياسي الآن بين البلدين صار ينبيء بعنصرين أساسيين: اقرار فرنسي واضح بريادة المغرب الاقليمية. والقارية ، والتي كانت الى حد ما تعارضها ضمنا او صراحة.. وعليه تبني فرنسا من جديد اسراتيجياتها ذات البعد اقليمي وبينقاري مع المتوسط ومع الاطلسي ومع القارة الافريقية… بكل شامل. حوار سياسي يدفع المغرب الى رع مستواه ، ليصل الى مستوى حوار باريس مع شركائها الاوروبيين! باقرار الندية، من طرفها ، في التعامل مع أول شريك لها في شمال افريقيا والمرتب اولا في العديد من القطاعات.. وينتظر المغرب بالفعل ان تلعب باريس التي التزمت بدعم الاعتراف بسيادة المغرب وطنيا ودوليا ، دورا مهما في انضاج موقف أوروبي مشترك.. عند شركائها الاوروبيين.. والحسم مع الاختراقات التي تتم باسم القانون حينا وباسم البرلمان الاوروبي حينا اخر.. فرنسا يجب أن تكتسب المزيد من التواضع في الانصات الى المغرب: تحويل اعجابها بالمغرب ونموذجه في الاصلاح الى مواقف واضحة ملموسة،كما عبر عن ذلك »ايتيان جيرو« رئيس نادي المستثمرين الفرنسيين في افريقيا » اصبح على الفرنسيين من الان فصاعدا الذهاب عند المغاربة لاستلهام استراتيجيتهم الافريقية ».. وهي لا تخفي رغبتها، في بناء واقع جديد بطموح جديد ومصالح جديدة. فرنسا اختارت كذلك ان تبني علاقة واضحة المعالم: لا فرنسا لها شريك آخر مثل المغرب ولا المغرب ايضا! ولعل العديد من العنصر تلعب من أجل هذا الطموح المشترك ، ومن ذلك : تقاطع السيادات : ففرنسا تقر بلا مواربة اليوم بانها مع تقوية نسيجها الداخلي ومواقعها. الخارجية ، من اجل تمنيع سياداتها الاقتصادية والغذائية والطاقية، وهوما سبق لملك. المغرب الاعلان عنه في ما بعد الكوفيد مباشرة، وبلغة واضحة تعيد مفهوم السيادة الى قلب الجيوستراتيجيات ويعيد الأوطان الى قلب العلائق الدولية.. وفي قلب هاته التقاطعات هناك التقاطعات الافريقية التي يحمل فيها المغرب مشروعا واضح المعالم واجندة تمتد من الهجرة الى المبادرات الاقتصادية ، مرورا بالأمن الداخلي والخارجي والتسليح والمناخ. لكل هاته الطموحات أدوات اقتصادية وثقافية : مرافقة المغرب في تنمية الاقاليم الجنوبية eldorado كما اصبحت تسمى بالنسبة للدول الاوروبية. وهو ما ينتظر المغرب ان يتم وفق ما وضعه من برامج سيادية في البلاد وباحترام الشراكات الدولية التي عززت عقيدته السيادية في تنويع الشراكات.. وتحقيق المكاسب المشتركة بتوفير العديد من الرافعات، حول الطاقة ( الانتقال الطاقي وما تم توقيعه بشكل مشترك ) الماء، التربية والتكوين ، والامن الداخلي. وغير ذلك مما سيتم توقيعه على مرحلتين: أمام رئيسي الدولتين وبين الشركاء الاقتصاديين والحكوميين!