عرفت القضية الوطنية الأولي للمغاربة تطورات مهمة في العقدين الاخيرين ، ما هو أهم تطور عرفته القضية في نظركم منذ مجيء العهد الجديد؟ يمكن الحديث عن تطورات كثيرة ومهمة في مسار النزاع الإقليمي حول الصحراء، بيد أن حدثين يستحقان الوقوف عندهما: إنهاء الأممالمتحدة لقصة الاستفتاء، بعد نشر اللائحة الأخيرة في يناير 2000. توقفت خطة الاستفتاء الأممية في الصحراء لخلافات عميقة حول اللوائح المحصورة لتحديد هوية الناخبين. واقتنعت الأممالمتحدة باستحالة الاستفتاء انطلاقا من هذه اللوائح المتناقضة. ودعا قرار مجلس الأمن رقم 1309(25/07/2000) إلى تبني حل تفاوضي، أي نهاية قصة الاستفتاء. فشلت اللقاءات المتعددة حول الحل السياسي، وانهار مقترحا بيكر، وعرض الأمين العام في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن (فبراير 2000) أربعة خيارات: -1-تنظيم استفتاء في المنطقة دون اشتراط اتفاق الطرفين. 2-إعطاء حكم ذاتي لسكان الصحراء ضمن سيادة المغرب. 3-تقسيم الصحراء بين المغرب والبوليساريو. 4-سحب الأممالمتحدة للمينورسو من الصحراء. في هذا السياق قدم المغرب إلى الأمين العام مذكرة رسمية مؤرخة في أبريل 2004، مفادها أن فكرة استفتاء تقرير المصير باتت متجاوزة، وقدم في أبريل 2007 مبادرة للحكم الذاتي في الصحراء مساهمة منه لحل نزاع إقليمي في إطار السيادة المغربية. كان في الأمر اختيار استراتيجي جعلت هذه المبادرة تحظى بدعم أكثر من 100 دولة عضو في الأممالمتحدة، وفتحت أكثر من 30 دولة قنصليات في العيون والداخلة، ومددت دول كثيرة ومن مختلف القارات خدماتها القنصلية إلى الصحراء. هذه مكاسب كثيرة خلقت تحولا في الموقف الدولي تجاه هذا النزاع. العمل السياسي والدبلوماسي للمغرب في القارة الإفريقية من خلال الزيارات الملكية لعدد كبير من الدول الإفريقية، وربط جسور معها عبر اتفاقات تجارية ومالية وأمنية، وتعزيز الروابط مع دول غرب ووسط وشرق إفريقيا، وأنجز اختراق مغربي في دول جنوب القارة، كما هو الحال في بورندي وملاوي وزامبيا واسواتيني وتنزانيا. هذا التراكم الذي استمر أكثر من 15 سنة أدى إلى انعقاد قمة العمل الإفريقية في مراكش على هامش قمة المناخ في مراكش سنة 2016، وانفتحت الأبواب حينها لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في يناير 2017، وجاءت قمة انواكشوط في 2018 ( قرار 693) لسحب ملف الصحراء نهائيا من مؤسسات المنتظم القاري، والتأكيد على حصرية الأممالمتحدة للبحث في النزاع إقليمي حول الصحراء. هذا الانتصار المغربي في القارة الإفريقية، حرم الخصوم من توظيف الاتحاد الإفريقي في المس بالوحدة الترابية والوطنية للمغرب. تميزت مداولات مجلس الأمن بخصوص الصحراء، في العشرين سنة الاخيرة ، بتجاوز «حل» الاستفتاء الذي جعل منه الخصوم حصان معركتهم، كيف تقرؤون ميلاد فكرة الاستفتاء منذ الستينيات والى حين موتها أمميا، وأي آفاق لهكذا فكرة في تقديركم؟ كشفت وثائق الأممالمتحدة مؤخرا أن المغرب ساهم في صياغة القرارين المتعلقين بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي أو المستعمرة، بعد انتخابه عضو في لجنة الستة دول ممثلا للقارة الإفريقية والعالم العربي (قرار 1467- 1959). وأظهرت الوثائق الأممية المنشورة مؤخرا مقترحات المغرب حول الموضوع، من خلال مراسلات وزير الخارجية حينها (إدريس المحمدي) أو القائم بالأعمال في بعثة المغرب في الأممالمتحدة (العلمي)، أو من خلال مشاركة الوفد المغربي برئاسة بن اعبود في مداولات اللجنة، أن المبادئ 11 الواردة في القرار 1541، المؤطر للقرار 1514، جلها من اقتراح المغرب، خاصة المبدإ الرابع والحادي عشر. وكان المغرب يستحضر حينها الأراضي المغربية التي ما زالت تحت السيطرة الاستعمارية الاسبانية والقضية الجزائرية والقضية الفلسطينية وقضايا عدد من دول القارة الإفريقية. واستكملت الأممالمتحدة معالجة موضوع المستعمرات بلجنة سميت حينها لجنة 17، كان أول اجتماع لها في الخارج في مدينة طنجة في العام 1962. ومع بداية العمل المؤسساتي لهذه اللجنة وضع المغرب أول طلب له لمناقشة أراضيه المستعمرة في العام 1963 (ينظر مقالنا في موقع القناة الثانية 2M وجهة نظر: « ما العلاقة بين المغرب وقرار الجمعية العامة. 20/04/ 2022). وانطلاقا من المبدإ الرابع، واستحالة الاستفتاء/الاستقلال، قدم المغرب مقترحه في الحكم الذاتي، الذي يشكل حلا قانونيا وواقعيا وجديا لحل النزاع الإقليمي مع الاحتفاظ بالسيادة المغربية على الصحراء. وظل المغرب قويا في موقفه لأنه لم يخرج في مبادرته عن ميثاق الأممالمتحدة. وشرح الملك الحسن الثاني للجنة الأممالمتحدة التي زارت المنطقة خلال شهري ماي/يونيو 1975، معنى مفهوم تقرير المصير الذي طالب المغرب به. قامت الدعاية المناهضة للمغرب على أساس الدعوة الى الحفاظ على الحدود الموروثة عن الاستعمار ، هل يمكن أن نفسر الترحيب الذي كانت تلقاه الدولة الجارة من لدن الدول الحديثة العهد ، بالتشابه بينها وبينهم من حيث انها ولدت كلها بعد الاستعمار؟ إن الأمر يتعلق بجوهر الأزمات التي تعرضت لها القارة من حيث الاحتفاظ بالحدود الموروثة عن الاستعمار، ورسمت حدود الدول بالقلم والمسطرة دون احترام للإثنيات. وتحفظ المغرب حين تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية ( ماي 1963) حول البند الذي يحرم المس بالحدود الاستعمارية، ولم ينظم رسميا إلى المنظمة إلا في شتنبر 1963، بيد أن عملية فصل السودان الجنوبي عن الشمالي ( 2009-2011) خرقت هذا المبدإ، وأشرف على هذه العملية طابو امبيكي الجنوب الإفريقي رئيس مجلس السلم والأمن حينها ونائبه رمضان لعمامرة الجزائري. وإلى أي حد تغيرت هاته النظرة وصار صوت المغرب مسموعا؟ بعض المقترحات الواردة في قمم الاتحاد الإفريقي تحاول تجاوز عوائق الحدود كتنمية التجمعات الإقليمية، والحديث عن جوازات المرور ومنطقة التبادل الحر القارية، كما أن سياسة المغرب التي ربطت بين التنمية والأمن (إعلان طنجة فبراير 2023) أثرت كثيرا على مواقف عدد من الدول التي ناصبت العداء قبلا، ونذكر حالات أنغولا ونيجريا وإثيوبيا. و دور المغرب في بناء إفريقيا الأطلسية وفتح الواجهة الأطلسية لدول الساحل بوأته مكانة الريادة في تجاوز إشكالات ومعيقات الحدود الاستعمارية، وكشفت نوايا الأنظمة التي تشكل امتدادا للفكر الاستعماري في المنطقة. ألا يفسر أهذا الأمر أزمة الشرعية والمشروعية في الدول التي تناهض المغرب، ومنها الجيران وسعيهم الى بنائها على حساب المغرب، باعتباره دولة ذات تاريخ ومشروعية ضاربين في التاريخ ؟ التاريخ المتماسك للدولة والمجتمع في المغرب بثير حساسية للأنظمة التي لا تستطيع تفسير تاريخها، ولذلك يشكل المغرب بمؤسساته وحضارته وروافد هويته حرجا لهذه الأنظمة التي تلجأ إلى سرقة وانتحال صفات مغربية صرفه. والدول التي تشاكس المغرب في وحدته الترابية جلها ولد في التسعينات من القرن الماضي… لوحظ أن الديبلوماسية المغربية أصبحت أكثر هجومية ومبادرة، هل تعتقدون بأن هذا التغيير الحديث العهد هو الذي يكمن وراء المكاسب التي تحققت للمغرب في قضيته المركزية ومن ورائها حضوره القاري والدولي؟ الدبلوماسية مرتبطة بتطور مؤسسات أي دولة وتاريخها، وبقدر كبر القاعدة التاريخية للدولة، بقدر انعكاس ذلك في التاريخ الدبلوماسي للدولة وتاريخها في العلاقات الدولية، من حيث البناء الاستراتيجي المرتبط بالعمل الدبلوماسي إن على مستوى المرجعيات المبدئية أو على مستوى الأداء . تكيفت الدبلوماسية المغربية مع المنعرجات الدولية الحادة والواقعية والبراغماتية في اتخاذ المواقف والصلابة في الدفاع عن قضايا المغرب وفي مقدمتها هويته ووحدة الترابية والوطنية. الواقعية والبراغماتية وميثاق الأممالمتحدة ودعارة النظام الذي يزرع الفرقة والاضطرابات في المنطقة المغاربية والساحل والصحراء، كل هذا حتم على المغرب هندسة دبلوماسية جديدة داخل مؤسسات الأممالمتحدة وفي المنتظمات القارية بفضح سلوك هذا النظام حيث هتف الشعب في حراكه بمطالب الاستقلال، إنها مأساة شعب عاش 132 سنة من الاستعمار الخبيث، و 30 سنة من الحكم الصارم للحزب الوحيد، وعشرية حرب أهلية في التسعينات خلفت مئات الآلاف من القتلى والمختفين، واحتلال عسكر الاستعراضات للواجهة السياسية، نظام يقدم فقط الجواب الأمني للشعب، إنها تراجيديا شعب بلا دولة مؤسسات…. بعد أن اقنع المغرب دول المجلس الامن بضرورة تجاوز الاستفتاء، يلاحظ سعي خصوم المغرب الى وقف المسلسل السياسي السلمي، وذلك بالتلويح بالحرب وبالتصعيد للتوهم بأن اسلام مهدد، الى أي جد يمكن ان ينجح هذا التكتيك الصادر عن الخصوم..؟ التلويح بالحروب الافتراضية هو إعلان لإفلاس الحاضن والمحضون، والولادات المتواصلة للانشقاق والسب والشتم والقتل وتجنيد الأطفال واغتصاب النساء وتحويل مخيمات تندوف إلى مشاتل للجريمة العابرة للحدود وللإرهاب، كل هذا دليل على إفلاس مشروع انفصالي. ماذا تنتظر إذن من مفلس؟؟؟ لا شيء سوى العويل والبكاء في الصحراء كما يقول الشاعر مظفر النواب… كيف يمكن للمغرب أن يحول الواقع الديبلوماسي الذي يدعم حقه( اعتراف 100 دولة في الامم المتحدة بالحكم الذاتي او بمغربية الصحراء ) إلى واقع قانوني دولي في نظركم..؟ مع تزايد الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي، وعودة إلى مقترح الأمين العام في فبراير 2000، يمكن لمجلس الأمن أن يتبنى، عبر قرار وفي إطار الفصل السابع، مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. بيد أن الصراعات الدولية حولت كل النزاعات إلى حسابات خاصة. وجب العمل أيضا داخل الاتحاد الإفريقي لطرد البوليزاريو منه، لأن وجوده يمثل مشكلة قانونية وسياسية وقانونية، إذ يعرف الأفارقة جميعهم أن للنظام الجزائري صوتين في مؤسسات الاتحاد وهذه أكبر سرقة….
الموساوي العجلاوي باحث بمركز إفريقيا والشرق الأوسط للدراسات