خلال سنة 2023، بلغت الكلفة الاجمالية لتسييير الإدارة المغربية زهاء 240 مليار درهم، ضمنها طبعا 152 مليار درهم عبارة عن كلفة الأجور، و خلال سنة 2024 سترتفع كلفة تسيير الإدارة المغربية إلى 253 مليار درهم ضمنها 162 مليار درهم ستذهب لدفع أجور الموظفين ن غير أن بقية المبلغ ستبتلعها مصاريف كثيرة جدا ومتنوعة نجدها في قانون المالية مختبئة في خانات الميزانيات العمومية تحت مسمى (المعدات والنفقات المختلفة لنفقات التسيير برسم السنة المالية 2024)، وتضم قائمة لاتعد ولا تحصى من حاجيات الإدارة، كمصاريف بناء المقرات الإدارية وصيانة البنايات وتجهيز المكاتب وشراء أو كراء حظيرة السيارات ونفقات الاجتماعات والمؤتمرات والسفريات والاستقبالات والدراسات والنظافة والورد والهواتف والحواسيب المحمولة .. إلخ. كل هذا كلف الخزينة العام الماضي ما لايقل عن 86.7 مليار درهم، وسيكلف الخزينة هذا العام 91 مليار درهم ن وهو مبلغ ضخم جدا، سواء بالنظر إلى محدودية الموارد المالية للدولة والتي لا تتناسب إطلاقا مع مظاهر البذخ والإسراف التي أصبحت تعيشها العديد من الإدارات العمومية، أو بالنظر إلى الحاجيات الماسة والضروريات الملحة التي يفتقر إليها جزء كبير من المغاربة، لاسيما في العالم القروي والجهات الفقيرة. وفي تفاصيل هذه الخانات تختبئ الشياطين، حيث تصرف هذه النفقات المفتوحة في ما هو ضروري فعلا، ولا مفر منه، ولكن أيضا، وغالبا، في ما هو كمالي ومظهري وهامشي، يمكن الاستغناء عنه والاقتصاد فيه... ولعل ما يبعث على القلق في هذا الصدد، هو أن جزءا كبيرا من الجيل الحالي من المدراء والمسيرين ورؤساء المصالح داخل الإدارة المغربية، أصبح ميالا إلى التباهي بمظاهر البذخ والرفاهية والفخامة أكثر من ميله إلى النجاعة والمردودية، وهو ما جعل نفقات السلع والخدمات الخاصة بالإدارة التي تضمها خانة ) ( Biens et Services تقفز خلال السنوات الأخير بوتيرة مخيفة، حيث لم تكن سنة 2011 تتجاوز 42.9 مليار درهم، قبل أن تشهد منذ ذلك الحين ارتفاعا مطردا لتصل 2022 إلى 70 مليار درهم ولترتفع سنة 2023 إلى 87 مليار دره قبل أن تقفز – وفق توقعات قانون المالية 2024- إلى أزيد من 91 مليار درهم، أي بنمو يزيد عن 48 مليار درهم في فترة لا تتعدى 10 سنوات !! وعلى الرغم من أن جميع الرسائل التأطيرية لقوانين المالية ما فتئت تشدد، خلال السنوات الأخيرة، على أن الحكومة مقيدة بتوجهات رئيسية أبرزها التحكم في نفقات الموظفين، وعقلنة نفقات المعدات والنفقات المختلفة، وترشيد عمليات اقتناء وكراء السيارات، والعمل على تشجيع استعمال الطاقات المتجددة وتكنولوجيات النجاعة الطاقية، وكذا ترشيد استعمال الموارد المائية وخفض الاستهلاك المفرط لها واعتماد السقي بالتنقيط للمساحات الخضراء، وذلك في إطار تنزيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030، في شقها المتعلق باعتماد الأداء المثالي للدولة.. إلا أن ذلك لم يمنع من ارتفاع هذه النفقات في وقت يطلب فيه من المغاربة المزيد من التقشف والصبر في مواجهة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة بسبب الغلاء الفاحش... و في غياب إصلاح هيكلي شامل تتحمل فيه الحكومة مسؤوليتها الجسيمة، تبقى الإدارة المغربية جد مكلفة وتتماهى مع أسلوب عيش إدارات عمومية لدول تفوق مداخيلها عشرات بل مئات الأضعاف مداخيل الخزينة المغربية. حيث أصبح كل مسؤول إداري جديد يعين على رأس إدارة عمومية ما، يطلب مكتبا باذخا وسيارة ألمانية فارهة (مع العلم أننا ننتج سيارات محلية الصنع أرخ بكثير من المرسديس والأودي والفولغسفان .. وتصلح بشكل واسع لأداء المهام الإدارية) وتجهيزات إلكترونية باهظة ، بغض النظر عن مستوى إنتاجية الإدارة التي يسيرها..