جل المتابعين لملف الصحراء يتذكرون كيف اضطر المغرب إلى وقف التعامل مع المبعوث الأممي السابق كريستوفر روس، وهو ما دفعه إلى تقديم استقالته من مهمته في مارس من سنة 2017 وإعلان فشله في القيام بها، وقد كان خروجه عن الإطار السياسي الذي وضعته الأممالمتحدة لطي النزاع، وفقاً للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن منذ سنة 2007 إلى تاريخ انتهاء مهمته وطيها باستقالته الاضطرارية، من الأسباب التي أدت إلى تحفظ المغرب ضده، هذا الانحراف سبقه انحراف سياسي آخر لبان كيمون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة الذي خلفه الأمين العام الحالي انطونيو غوتيريس، الذي ظل منذ تعيينه، يشتغل في الإطار السياسي الذي حددته الأممالمتحدة، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة التي تشكل الشرعية الدولية في ما يتعلق بطي هذا النزاع... مناسبة هذا التقديم هو زيارة المبعوث الحالي ستافان دي ميستورا إلى جنوب إفريقيا ولقائه مع مسؤولي هذا البلد المعروف بعدائه الشديد للمغرب و مناوأته الصريحة للوحدة الترابية، وانحيازه الكلي لتنظيم مليشيات البوليساريو، الذي يعترف به «ككيان»، فما الداعي اليوم إلى مثل هذه الزيارة؟! ولبلد يعتبر الناطق، إلى جانب الجزائر، باسم هذا التنظيم المليشياتي الإرهابي؟! كما يعيد طرح السؤال: هل انحرف المبعوث الأممي دي ميستورا عن الشرعية الدولية وخرج عن الخط السياسي، الذي وضعته قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بملف الصحراء آخرها قرار 2703؟ بلقائه مع المسؤولين الجنوب إفريقيين يُطرح السؤال عن خلفيات هذه الزيارة، خاصة منها السياسية، لعدة اعتبارات: جنوب إفريقيا ليست عضوا في مجموعة «أصدقاء الصحراء»، ولم تكن يوماً ضمن أي مجموعة دولتية أممية يكون ملف الصحراء موضوعاً لها. جنوب إفريقيا لم تكن يوماً ضمن أي حلقة من حلقات المسار السياسي للنزاع. جنوب إفريقيا موقفها منحاز لمليشيات البوليساريو، بالتالي لن يشكل موقفها أو رأيها عنصرا إيجابيا لحلحلة الملف، بل كانت وستظل جزءاً من الأزمة. جنوب إفريقيا عند عضويتها لمجلس الأمن باعتبارها من الدول غير الدائمة العضوية لم تصوت لصالح قرارات مجلس الأمن، بالتالي هي رسمياً غير داعمة للمسار السياسي الأممي، وفقاً لقرارات مجلس الأمن سابقاً وحالياً، بما فيها ما يتعلق بدعم المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا نفسه. بالتزامن مع زيارة دي ميستورا لجنوب إفريقيا عقدت خارجية هذا البلد لقاءات مع ممثل تنظيم مليشيات البوليساريو في جنوب إفريقيا، مما يضع علامة استفهام حول طبيعة اللقاءات التي عقدها دي ميستورا ودواعيها، وهل تعلق الأمر بوساطة غير معلنة قامت بها جنوب إفريقيا تجاه دي ميستورا !! الزيارة نفسها لم تأت بمبادرة من المبعوث بل من جنوب إفريقيا التي وجَّهت له الدعوة لزيارتها، بالتالي فهي خارج أي سياق سياسي أممي مرتبط بخارطة الطريق التي وضعتها قرارات مجلس الأمن. لكل هذه الأسباب ولغيرها يحق للمغرب رسميا وإعلامياً طرح الأسئلة عن دواعي هذه الزيارة، حقيقة خلفياتها السياسية المرتبطة بملف الصحراء ليس فقط في شقه المتعلق بدواعيها، بل أيضاً علاقة بالمسار السياسي كما حددته قرارات مجلس الأمن، هذه القرارات قيدت تحركات المبعوث الأممي وأطرت عمله السياسي في: أطراف النزاع محددة في طرفيه الأساسيين: المغرب- الجزائر، موريتانيا ونهاية بتنظيم البوليساريو، ولم تكن يومأ من بينهم جنوب إفريقيا، كما لم يسبق أن شملها أي مبعوث بأية زيارة في سياق زياراته للمنطقة. قرارات مجلس الأمن حددت صيغة التحرك الأممي في المنطقة وحددت الأطراف التي سيشملها أي تحرك بما فيها بعض الدول التي لها دور تاريخي في الملف كإسبانيا. قرارات مجلس الأمن حددت طبيعة العملية السياسية في الموائد المستديرة، استكمال مباحثات جنيف، الأطراف الأربعة بطرفيها الأساسيين المغرب والجزائر. مجلس الأمن حدد معايير الحل السياسي في « الحل السياسي المتوافق بشأنه»، الذي يستند إلى مرجعية مبادرة الحكم الذاتي. لكل ذلك فهذه الزيارة لبلد مثل جنوب إفريقيا بقيادته الحالية المعادية للمغرب التي تعلن عن انحيازها الكامل لأطروحة مليشيات البوليساريو، والرافضة للمسار السياسي بدليل موقفها من القرارات الصادرة عن المجلس عند عضويتها له، يجعل منها زيارة خارج الأجندة الأممية غير ذات أثر سياسي ولا يمكن التعامل معها كجزء من المسار السياسي الأممي، كما لا يمكن أن تأخذ صفة الرسمية، وعليه لا يمكن القبول بأن يعوض ستافان دي ميستورا فشله في فرض التعاطي الإيجابي للجزائر مع تحركاته لحلحلة الملف بإقحام طرف آخر لا يقل عداء للمسار الأممي من النظام الجزائري، وهو إقحام إذا ما تشبث به ستافان دي ميستورا لن يكون إلا إعلانا عن خروجه الرسمي عن مُخرجات قرارات مجلس الأمن، وسينتهي كما انتهى كريستوفر روس، وهي التجربة التي لا يسعى المغرب لتكرارها معه.