«الهوية لا تتجزا أبدا ولا توزع إنصافا أو ثلاثا أو مناطق منفصلة» *أمين معلوف
وأنت تتأمل الزربية المغربية بأشكالها المختلفة وألوانها المتنوعة، يتجلى لك مدى التداخل والتعالق بين العناصر والمكونات التي تنظم تلك الوحدة الرائعة المنسجمة والمتناغمة في نسيج الهوية المغربية عبر جمالية الزربية المغربية، ومن ثم فإن إقرار « يناير « يوم عيد وعطلة، ينضاف إلى المناسبات الوطنية التي نعتز ونفتخر بها ويكون العام بالتقويم الهجري 2974 المطابق 14 يناير 2024 يوم مشهودا في التاريخ المغربي الحديث. وقد أخذت السنة الأمازيغية وضعيتها الرسمية المعتبرة، والتقويم الأمازيغي موغل في التاريخ،ويحتفل به بعد أن نص دستور سنة 2011 على الطابع الرسمي للغة الأمازيغية ، والهدف من كل ذلك تكريس ثراء وتعدد الهوية المغربية التي تغتني بروافد مخصبة متعددة .ويعزى الاحتفال في الأصل ابتهاجا بالأرض والطبيعة بشكل عام، وهو إرهاصات طاقات إيجابية تتفاءل بالسعد والخير والرخاء والإقبال على الحياة . ويدل على ارتباط الأمازيغ بالأرض وكل تجليات العطاء والخصوبة لأن الاحتفال بالسنة الأمازيغية احتفال بالسنة الفلاحية الجديدة المرتبطة بالدورة الفلاحية ، وهي ظاهرة احتفالية شعبية تعم مختلف مناطق المغرب بصيغ متباينة أحيانا ومتطابقة مشتركة في جوهرها. وفي يوم الاحتفال « ايض يناير « أو « حاكوزة « بالمنطوق الدارج، يتوج بنصب أطباق الكسكس بسبعة خضر متنوعة أو أكلة « الرفيسة « وغيرها من المأكولات التي تدل على الأرض وماتنتجه ويتغذى به الإنسان ، فإن العمل على إقرار الاحتفال الاحتفاء بالسنة الأمازيغية ليس مجرد طقوس مناسباتية عابرة بل محطة للتقصي والانتباه إلى روافد الثقافة المغربية، وما تتضمنه من كنوز تراثية مادية ولا مادية، تؤكد عمق أغوار هذه الهوية وتحيي تقليدا راسخا متجذرا في العمق المغربي سواء داخل المناطق الناطقة بالأمازيغية أو المناطق غير الناطقة بها . وتمتح الأشكال الثقافية والفنية من الرصيد الأمازيغي الشيء الكثير، سواء على مستوى اللباس والحلي والمطبخ والرقصات المعروفة في الأعراس والمواسم . لا ريب أن التجلي الأسمى يتمثل في استعمال وتوظيف اللغة الأمازيغية ، ولما تزال اللغة الأمازيغية محفوظة من الاندثار بحكم تداول لهجاتها وما يقع بينها من تبادل بين المجموعات اللغوية ، وليس هناك في الحقيقة أمازيغية واحدة بل أمازيغيات تحتاج إلى وحدة معيارية تؤلف بين جميع اللهجات ولاسيما على صعيد التعليم والإعلام ، لأن مزج اللغة الأمازيغية في المنظومة التعليمية ، يطرح إشكالا حقيقيا يتمثل في: هل يتم العمل على تدريس اللهجة المحلية لكل منطقة جغرافية أم لغة أمازيغية موحدة؟. فالتمكن من إيجاد اللغة المشتركة يدل بالضرورة على توفر معجم مشترك وقواعد نحوية وصرفية مشتركة ، تكون موضع اجتهاد وبحث علمي دقيق بالاعتماد على أسانيد وقواعد اللهجات الأكثر انتشارا مما يقوي استعمال المشترك في المدارس والمعاهد . الأمازيغية ليست مجرد طقس أو احتفال فلكلوري يقام ويتلاشى مع دعاوي إقامته أو موضوع أهازيج تردد أو رقصة ترقص أو حكاية تروى وتنسى، ولكنها هوية مغربية راسخة ومتجذرة في المكون المغربي وحتى إيقاع اللهجة المغربية المحكية مستمد من اللغة الأمازيغية. فالعناية باللغة الأمازيغية ومستقبلها مرهون بالاجتهادات البحثية وتراكمها حيث تجسد أفقا تاريخيا وحضاريا يعزز بنية المجتمع المغربي على مختلف المستويات ويمكن من تحقيق حضور فعال للغة الأمازيغية وترسيم حضورها في المشهد العام . ف» ايض يناير « ليس مجرد احتفال ويغلق بعده الستار بل فرصة ثمينة لإثارة الأسئلة العميقة لتأكيد قيمة المكون الأمازيغي في تشكل الهوية المغربية وتطلعاتها والتلاحم بين سائر أطرافها وأضلعها .فالاحتفال بشكل عام ورسمي هو في غايته استحقاق حقوقي وثقافي واجتماعي، وهو من جهة أخرى بمثابة رد اعتبار لمكون أساسي من مكونات الهوية المغربية مع العمل على إثراء وتقوية الشخصية المغربية الناهضة على الوحدة والتعدد والانفتاح داخل أمة مغربية قوية عريقة ، مما يجعلها تتحصن ثقافيا وحضاريا ولغويا كأمة يضرب عمقها في التاريخ . وبما أن مخزون الثقافة الأمازيغية يبقى في معظمه ثقافة مرتبطة بما هو محكي وشفاهي، فموت شخص معمر يضيع مكتبة حافلة بكنوز المعطيات، فمع الأسف الشديد المدون المعتمد ضئيل وأقل من القليل، ونحن في أمس الحاجة للوقوف بحثا على شتى روافد الثقافة الأمازيغية من أغان وأهازيج وحكايات ومرويات وأمثال وغيرها من وسائط التعبير الفنية والأدبية ، وهو ما يمكن أن يصون الذاكرة المشتركة. فالشعوب تستقي مقوماتها مما هو راهني ومستقبلي كما أنها في نفس لآن تستقي دعائمها من مياهها الجوفية، أي من تلك الركائز الكامنة في غور تلك الذاكرة المشتركة والتي قد يطالها الركود والخمول أحيانا، ولكنها تحتاج لرجة وعي يقظ وإعادة إنتاجها وفق ما نتطلع إليه من أهداف ومقاصد ..