السي عمر، مواطن مغربي أمازيغي من سكان جماعة ثلاث نيعقوب، تعرفت عليه سنة1985 في هذه الجماعة المنكوبة التي ضربها زلزال 8 شتنبر 2023 بعنف حيث استشهد أزيد من ألف مواطن ومواطنة من ساكنة الجماعة ودمرت جل البيوت وجرح وشرد الناجون من الموت. كانت مناسبة التعرف على السي عمر، الذي أجهل اليوم مصيره، تلك الزيارة التي قمت بها قبل 36 سنة خلت إلى الجماعة بمعية زوجتي وداد وشقيقتها نادية وزوج شقيقة زوجتي الإسباني Miguel وذلك لقضاء عطلة فصل الربيع. فعند وصولنا إلى المنطقة التي كانت تعج بالحقول الجميلة لشجر التفاح والبرقوق وبتدفق المياه من كل جانب، توقفنا عند متجر صغير فسألت صاحبه عن مكان الفندق لقضاء العطلة في هذه الجماعة الجميلة، ضحك صاحب المتجر بعد أن عرفنا على اسمه وطلب منا مصاحبته، قطعنا مسافة قصيرة على الأرجل فوصلنا إلى أحد البيوت وطلب منا السي عمر أن نتفضل بالدخول، دخلنا البيت الذي كان محاطا بحديقة جميلة تمر من وسطها سقاية لماء يخرج من بيت توجد به رحى لعصر الزيتون. قال لنا السي عمر مبتسما ابتسامة عفوية وبريئة عند دخولنا إلى البيت: « في ثلاث نيعقوب لا يوجد فندق ، وهذا بيتي المتواضع، أتمنى أن تقضوا داخله ما شئتم من الأيام، فمرحبا بكم»… بعد أن شكرته طلبت منه ثمن استئجار البيت، فرد علي السي عمر مبتسما كعادته: «لا تقلق يا أستاذ، فالبيت بيتكم وأنتم ضيوف عندي وعند أسرتي»… هكذا استضافتنا أسرة السي عمر، وهي من الأسر الأمازيغية لجماعة ثلاث نيعقوب، فمكثنا في بيتها الريفي المتواضع والجميل مدة أسبوع، تمتعنا فيها بحسن الاستقبال وبكرم الضيافة وبالمعاملة الطيبة وكذلك بمساعدتنا على اكتشاف ما تتوفر عليه هذه المنطقة الجبلية القابعة بجبال الأطلس الكبير من جمال خلاب وسحر الطبيعة، حيث زرنا في أحد الأيام جامع «تينمل» العظيم الذي بناه الموحدون واتخذه ابن تومرت قاعدة لسلطته الدينية منذ أزيد من تسعة قرون، والذي تحول مع الأسف الشديد إثر الزلزال إلى حطام وخراب. تذكرت اليوم هذه الزيارة التي قمت بها لجماعة ثلاث نيعقوب منذ 36 سنة، فطفت على سطح الذكريات صورة السي عمر، ذلك المواطن المغربي البسيط الذي استضافنا في بيته وأطعمنا بطعامه ووفر لنا كل شروط الراحة بكرم وأريحية، وقد تبين لي، في ما بعد، بأن الكرم وحب الضيوف والزوار من شيم ومناقب وأخلاق سكان جماعة ثلاث نيعقوب الجميلة التي دمرها الزلزال ولم يترك لنا سوى ذكرى جميلة لأشخاص طيبين وبسطاء وصادقين قل نظيرهم. رحم الله السي عمر إن كان ميتا أو حيا، ورحم الله شهداء الزلزال الذي ضرب، بعنف، جماعة ثلاث نيعقوب الجبلية الجميلة، والذي لم ينج من بطشه لا الإنسان ولا الحيوان ولا البيوت التي تهاوت على رؤوس أطفالها وشيوخها ونسائها ورجالها، كما تهاوت عدد من المواقع التاريخية وعلى رأسها جامع «تينمل» العظيم الذي يجسد قطعة ثمينة من تاريخ بلادنا المجيد.