نظمت «مؤسسة روح أجدير الأطلس»، بخنيفرة، ندوتها العلمية الفكرية حول: «جماليات الموسيقى الأمازيغية في الاطلس المتوسط: الأسس التاريخية والأبعاد»، بمشاركة باحثين متخصصين في التراث المادي وغير المادي، والتراث الموسيقي والفني الأمازيغي، ذ. عبد المالك حمزاوي (باحث في الثقافة واللغة الأمازيغية)، د. مولاي هاشم الجرموني (باحث في الثقافة الأمازيغية في الأطلس المتوسط جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس)، ود. محمد ياسين (رئيس مؤسسة روح أجدير الأطلس خنيفرة)، بينما الباحث في التراث الموسيقي، د. أحمد عيدون، اعتذر عن الحضور في آخر لحظة لظروف مهنية وشخصية. وذلك بعد الندوة الأولى للمؤسسة في موضوع: «تجليات المقاومة بالأطلس المتوسط وأبعادها التاريخية والوطنية»، والمسطرة ضمن البرنامج المنظم تحت شعار: «الثقافة المحلية رافعة للتنمية الترابية»، حيث عرفت الندوة الثانية حضورا نوعيا من المهتمين بالشأن الثقافي الفني، ومن مختلف الشرائح الاجتماعية وفعاليات المجتمع المدني، إلى جانب عدد من الفنانين المحليين، وبينما انطلقت الندوة بكلمة افتتاحية لنائب رئيس المجلس البلدي، ذ. محمد العروصي، على خلفية احتضان فعالياتها بقاعة المحاضرات لجماعة خنيفرة، تميزت بتسييرها من طرف الباحث في التاريخ المحلي، والفاعل الجمعوي، ذ. حوسى جبور. ويشار إلى أن المؤسسة فات لها أن أوضحت، في بلاغ لها، أن الندوة تأتي في إطار «إعطاء الانطلاقة الفعلية لإعداد أنطولوجيا الموسيقى الأمازيغية بالأطلس المتوسط التي تندرج ضمن التراث غير المادي للمنطقة»، وكذا سعيا من المؤسسة ل «التعريف بالفن الموسيقي والغنائي الأمازيغي للأطلس المتوسط، والارتقاء به إلى مستوى الإشعاع والتداول الواسع وطنيا ودوليا، وحفظه، وتوسيع نطاق تداوله، بناء على مرجعياته ودينامياته الفنية والتعبيرية والإيقاعية»، وكذا «إنجاز السجل الموسيقي الأمازيغي وتثمين مقوماته الإيقاعية واللحنية والمضمونية، وإعادة الاعتبار للفاعلين الفنيين والنهوض بأوضاعهم المعنوية والمادية بما يسمح بمزيد من العطاء والإبداع». ومن جهته، انطلق صاحب كتابي «كنوز الأطلس المتوسط» و»محمد رويشة الإنسان والذاكرة»، ذ. عبد المالك حمزاوي، في مداخلته من التعريف بالأنطولوجيا المراد إنجازها، والبعد الواجب استحضاره في إخراج هذا العمل التوثيقي إلى حيز الوجود، باعتبارها «مشروعا كبيرا في تجميع الأغاني الخالدة لرواد الأغنية الأمازيغية الأطلسية، والحفاظ عليها من الضياع والاندثار»، وفي ذات الوقت هي «عمل تكريمي للرواد ممن يعتبرون كنوزا بشرية، وانتاجاتهم تعتبر جزء لا يتجزأ من التراث الموسيقي الوطني»، وعلى أساس أن تحقق الأنطولوجيا هدفها في جعل هذه الانتاجات جزء من أرشيف المكتب المغربي لحقوق المؤلف والمكتبة الوطنية للمملكة. ولم يفت ذ. عبدالمالك حمزاوي التعبير عن موقفه من الاكتفاء ب «وضع الأنطولوجيا على الرفوف في انتظار من يأتي أو لا يأتي»، بل يجب أن «تعطى لها بعدها الشعبي الذي يضمن لها النجاح والانتشار على نطاق أوسع حتى يستفيد منها عموم المغاربة، من عرب وأمازيغ، داخل وخارج الوطن»، وأن «تكون لها الفائدة المرجوة، علميا وفنيا وتراثيا، مع منحها قيمتها الأكاديمية المهمة»، سيما في ظروف تعرف فيها بلادنا «تسارعا في الأحداث والمبادرات المرتبطة بتنزيل مضامين القانون التنظيمي رقم 26- 16 المتعلق بالأمازيغية، خاصة منه الشق المتعلق بتشجيع الدولة للإبداعات والانتاجات الأمازيغية وتثمينها للموروث الحضاري والثقافي الأمازيغي». وفي السياق ذاته، حرص ذ. حمزاوي على استعراض 30 نقطة اعتبرها بمثابة «خارطة طريق للأنطولوجيا (أنطولوجيا أجدير)، على اعتبار أن العمل/ المشروع يعد الأول من نوعه بالأطلس المتوسط، ويفرض أساسا الإحاطة بموضوعه ومن كل جوانبه»، مع الالتزام بنهج ما يهم من «الخطوات الضرورية التي تراعى فيها كل التفاصيل اللازمة، على المستوى التقني وبرنامج العمل والفريق العامل»، انطلاقا من أسئلة ضرورية لا تقل عن التأكد أولا من عدم وجود أنطولوجيا في ذات الموضوع، والجواب عن سؤال لماذا القيام بالعمل بالأطلس المتوسط؟، مقابل تحديد المجال الترابي المستهدف في البحث والتنقيب. أما ذ. مولاي هاشم الجرموني فانطلق في ورقته من محاولة تفكيك مفهوم الانطولوجيا كإصدار فني للموسيقي والأغاني الأمازيغية بالأطلس المتوسط ، معتبرا إياها «مشروعا علميا مثيرا للاهتمام على جميع المستويات والجوانب»، ومن شأنه «الحفاظ على انتاجات وإبداعات غنية ومتنوعة للغاية، لكونها هشة في مواجهة الزمن»، و»غالبا ما تنتقل من جيل إلى جيل، مما قد يعرضها لخطر التلاشي والاندثار، لأن حياتها تعتمد على حياة الشعراء والفنانين الذين قاموا بتأليفها أو أدائها، ويمكن انصهار بقائها بعد وفاتهم»، ومن هنا تأتي أهمية مشروع الأنطولوجيا بالنسبة للمهتمين من الأمازيغ ولغير الناطقين بالأمازيغية. وبعد حديث ذ. الجرموني عما يكتنزه الفن الأمازيغي من مختارات إبداعية خالدة وروائع أصيلة من الشعر الغنائي الأمازيغي، شدد على دعوته إلى «إخراج مشروع الأنطولوجيا بشكل جيد وناجح ومدروس، بعيدا عن الأسلوب الفولكلوري والجانب الشكلي الاختزالي والسطحي»، سيما أن «العمل يأتي في الوقت المناسب ليملأ فراغا واضحا، ويتطلب تحديد واضح للمجال ومستوياته المختلفة والتعبيرية، والدقة في المنهجية المعتمدة، مع سلك التقنية في جمع النصوص والأعمال باختيار العناصر المكونة للمختارات، والعمل على الربط بين أصناف الأغنية الأمازيغية، والتعريف بالفنانين وسيرهم الفنية». وارتباطا بذات مداخلته، ركز ذ. الجرموني على عدة نقاط ترتبط بالإطار النظري، وبما يميز التراث الشعري الأمازيغي من أجناس لا تقل عن تماوايت، ايزلي، افرادي، تامديازت، مبرزا خصائص كل جنس منها والعلاقات التي تربطها، قبل انتقاله للحديث عن «سبل ومعايير انتقاء الأغاني التي سيتم إدراجها في الأنطولوجيا»، و»طرق التركيز على الكلام الموزون والجمالية والايقاعات الموسيقية»، قبل تتويج المتدخل مداخلته بإبرازه لأهمية التعاون بين الباحثين الأكاديميين في إعداد الإطار النظري والعملي للأنطولوجيا، وبينهم وبين الفنانات والفنانين في إعادة انتاج وتسجيل وتثمين المختارات الموسيقية والغنائية الأمازيغية. أما د. محمد ياسين، فاستهل مداخلته بتذكير الحضور ب «أن فكرة مشروع الأنطولوجيا تعود إلى ما قبل ثلاث سنوات، غير أنها تعثرت بسبب تفشي جائحة كورونا»، مشيرا لسياق الموضوع وأسباب تنزيله وإعطاء انطلاقته الفعلية، سيما في الوقت الذي أصبح الطريق مفتوحا من خلال «مضامين دستور البلاد الذي حسم موضوع الأمازيغية كلغة رسمية وثقافة وطنية، ورافد أساسي في إغناء الشخصية الوطنية المغربية»، ليربط ذلك بالموسيقى باعتبارها «جزء لا يتجزأ من منظومة الثقافة الأمازيغية»، من خلال إشارته لإقليم كخنيفرة «يعد موقعا أصيلا ومنتجا للأغنية الأمازيغية الأطلسية، وملتقى جامعا لموسيقات مغربية مختلفة ومتفاعلا مع كل موسيقات العالم». ومن هنا أكد د. ياسين، بصفته رئيسا ل «مؤسسة روح أجدير الأطلس»، أن مؤسسته «تمتلك تصورا متكاملا لإنجاز الأنطولوجيا، وعلى استعداد والتزام تامين بإخراجها لحيز الوجود»، دون أن يفوته التوقف ل «التشديد على ضرورة تحقيق ما يمكن من العدالة اللغوية والثقافية على غرار المطالب الداعية للعدالة المجالية»، ومستحضرا لما أسماه ب «بُعد المواطنة التي تقتضي من الجميع الاعتراف بالتنوع اللغوي والثقافي»، إضافة لأهمية «بُعد التوثيق المعارض للاعتباطية والتخبط»، وفي ذات الوقت لم يفت د. ياسين التذكير بالجانب المتعلق بفرق العمل الني ستعمل على إنجاز الأنطولوجيا بقوله إنها ستكون في مستوى المشروع. وتم تتويج أشغال الندوة بفتح الباب أمام الحضور الذي تفاعل مع أوراق اللقاء بمجموعة من التصورات والمقترحات، وكذا الانتقادات التي من بينها «غياب الحرف الأمازيغي من ملصقات ويافطات الندوة»، مع الإشارة إلى أن مناسبة تخليد الشعب المغربي للذكرى 70 لثورة الملك والشعب قد سجلت حفل توقيع اتفاقية شراكة بين «مؤسسة روح أجدير الأطلس» والمجلس الإقليمي لخنيفرة، تتعلق بأنطولوجيا الموسيقى الأمازيغية بالأطلس المتوسط كمشروع يسعى إلى تثمين التراث الثقافي الأمازيغي والحفاظ على الرصيد الغنائي للأطلس المتوسط، من خلال إعادة إنتاج وتسجيل مختارات من الموسيقى والأغاني الخالدة في التراث الأمازيغي والمحافظة عليها من الضياع.