الاتحاد الأوروبي يعرض 100 مليون يورو لإدارة الحدود ودعم مكافحة الهجرة أعلنت السلطات التونسية، أول أمس الاثنين، عن ارتفاع جثث المهاجرين بقسم الأموات في المستشفى الجامعي بصفاقس، شرق البلاد، إلى 104، مع تصاعد وتيرة الهجرة إلى أوروبا عبر البحر. وأصبح ميناء صفاقس المنصة الرئيسية لانطلاق المهاجرين غير النظاميين لعبور البحر الأبيض المتوسط سعيا للوصول إلى أوروبا، لا سيما السواحل الإيطالية. وقررت "خلية أزمة" تم إنشاؤها وتكليفها بمتابعة عملية دفن جثث المهاجرين غير النظاميين من غير التونسيين الموجودين بمستشفى صفاقس، "الإسراع بإرسال تحاليل ال104 جُثث بقسم الأموات إلى المخبر المركزي بالعاصمة، للحصول على النتائج وتحضير المقابر لدفنها"، وذلك بعد ارتفاع عددها إلى مستويات غير مسبوقة. وتستمر عمليات انتشال جُثث ضحايا رحلات الهجرة غير النظامية، خاصة قبالة سواحل صفاقس، في ظل تصاعد وتيرة ومحاولات الهجرة نحو السواحل الإيطالية، خلال الأسابيع الأخيرة. وقالت وكالة تونس أفريقيا للأنباء (رسمية)، الاثنين الماضي، إن خمسة مهاجرين لقوا حتفهم وفُقد سبعة أشخاص بينما تم إنقاذ 23 بعد انقلاب قارب قبالة صفاقسالتونسية. وأوصت الخلية، ب"اقتصار الإجراءات الإدارية على اقتناء حاوية تبريد يتم وضع جثامين المهاجرين غير النظاميين من غير التونسيين بها، فضلا عن إعادة تفعيل خلية الأزمة والتكثيف من اجتماعاتها الدورية"، بحسب تصريح المدير الجهوي للصحة بصفاقس، حاتم الشريف، في تصريح للوكالة التونسية. وذكر المسؤول التونسي أنه تم منذ بداية السنة إلى حد الآن دفن حوالي 700 جثة لمهاجرين غير نظاميين من غير التونسيين، في مقابر تابعة لبلدية صفاقس الكبرى. وأعلنت وزارة الداخلية التونسية، أواخر الشهر الماضي، عن انتشال 901 جثة لمهاجرين غارقين قبالة سواحلها، منذ بداية العام الجاري. وتظهر بيانات جديدة من وزارة الداخلية الإيطالية أن عدد الواصلين إلى إيطاليا من السواحل التونسية بلغ 23 ألف مهاجر منذ بداية يوليوز الماضي، ما يعادل أرقام الأشهر الخمسة الأولى لعام 2023. ومنذ بداية عام 2023 حتى 7 يوليوز الماضي، وصل ما لا يقل عن 58,488 شخصًا على السواحل الإيطالية من الشواطئ التونسية، بمعدل 268 عملية إنزال يوميًا، مسجلاً زيادة تجاوزت ال377 بالمائة مقارنة بعدد 12,237 وافدًا في نفس الفترة من العام الماضي، حيث كان هناك 32,101 عملية إنزال إجمالية من الطريق التونسي طوال عام 2022. يضاف إلى هذه الأعداد ما لا يقل عن 35,143 مهاجرا تمّ اعتراضهم من قبل السلطات التونسية خلال الأشهر الست الأولى من العام الجاري، وفقًا لأحدث البيانات المتاحة التي نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. بالنسبة لشهر يوليوز الماضي، وبحسب المنظمة غير الحكومية، فإنّ الحرس الوطني التونسي لم يقدم بيانات. علاوة على ذلك فإنه، بشكل عام، أحصى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 903 حالات وفاة على طول الطريق التونسي منذ بداية العام، لما مجموعه 94,534 شخصًا على الأقل من بين المهاجرين الذين هبطوا أو اعترضوا أو ماتوا. وقالت الأممالمتحدة إن أكثر من 1800 شخص لقوا حتفهم منذ بداية العام الحالي في المنطقة الوسطى من البحر الأبيض المتوسط الذي يعد أخطر طريق للهجرة في العالم. مساعدة الاتحاد الأوروبي إلى ذلك، عقد قادة أوروبيون في تونس، خلال منتصف يوليوز الماضي، مباحثات حول ملف الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط، وفق ما أعلنت المفوضية الأوروبية. وتعهد الوفد الأوروبي، الذي ضم رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس الوزراء الهولندي ورئيسة الوزراء الإيطالية، بملايين الدولارات لمساعدة تونس في تشديد ورقابة حدودها بشكل فعال. وكان قادة من الاتحاد الأوروبي، قد زاروا تونس، في يونيو الماضي، وأعلن الاتحاد الأوروبي عن استعداده لتقديم مساعدة ماليةلتونس، دعماً لاقتصادها المتعثر. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، خلال زيارتها إلى تونس إن الاتحاد مستعد لتقديم ما يصل إلى 900 مليون يورو لدعم الاقتصاد التونسي، بالإضافة إلى 150 مليون يورو إضافية ستقدم بشكل فوري لدعم الميزانية بمجرد "التوصل إلى الاتفاق المطلوب". وأضافت أن الاتحاد الأوروبي مستعد أيضا لتزويد تونس ب 100 مليون يورو لإدارة الحدود ودعم عمليات البحث والإنقاذ وإجراءات مكافحة التهريب والتركيز مرة أخرى على معالجة قضية الهجرة. ولا يزال الطريق الليبي مستقرًا نسبيًا، حيث احتل المرتبة الثانية مع 30,495 وافدًا اعتبارًا من 7 آب، بزيادة قدرها حوالي 3000 شخص مقارنة ببداية يوليوز و25 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وغادر أكثر من نصف المهاجرين الذين هبطوا من برقة، المنطقة الشرقية لليبيا التي يسيطر عليها اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وقدرت المنظمة العالمية للهجرة أنّه في النصف الأول من عام 2023، تمّ اعتراض ما لا يقل عن 9,395 مهاجرًا في البحر وإعادتهم إلى ليبيا، من بينهم 6,417 رجلاً و483 امرأة و230 قاصرًا و2,265 شخصًا لا تتوفر بيانات جنسهم. بالإضافة إلى ذلك، فإنه لقي 823 شخصًا مصرعهم ولا يزال 922 في عداد المفقودين في محاولات الهجرة غير النظامية إلى السواحل الأوروبية عبر طريق وسط البحر الأبيض المتوسط (الذي يشمل كلاً من ليبيا وتونس). في المقابل، أظهرت أرقام وزارة الداخلية الإيطالية انخفاضًا في المسار التركي منذ مأساة كوترو، حيث وصل العدد إلى 4,315 سائحًا اعتبارًا من 7 غشت الجاري مقارنة ب 6,828 في نفس الفترة من عام 2022. ولا يزال الطريق الذي جلب ما لا يقل عن 387 مهاجرًا غير نظامي من الجزائر إلى إيطاليا هامشيًا، مقارنة ب 581 شخصًا وصلوا إلى سردينيا في نفس الفترة من عام 2022، مقارنة ب 138 وافدًا في عام 2022. وقد أثارت قضية الهجرة السرّية أو غير النظامية بين تونس والاتحاد الأوروبي جدلا ونقاشات كثيرة، وكذلك بشأن طبيعة العلاقات الدولية ومكانة الإنسان في صلب هذه العلاقات، وأبرزت ضرورة تأسيس استراتيجيات دولية بشان الهجرة، تضمن مصالح الدول وتحمي حقوق الإنسان وحرّياته الأساسية وتحفظ كرامته وإنسانيته. تستوجب هذه المعادلة الصعبة، التي تتشابك فيها الرؤى والمواقف والسياسات، التجرّد من الاعتبارات الأيديولوجية والعنصرية والبراغماتية الآنيّة نحو بناء شراكاتٍ دوليةٍ عادلةٍ ومنصفة، ونحو تكريس حرّية التنقل التي يضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 دجنبر 1948. الشراكة الأوروبية التونسية تعدّ اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس المبرمة سنة 1995 منطلقا للتأسيس لعلاقات شاملة ومتعدّدة الأبعاد بين الطرفين، ومتجاوزة بذلك النظرة الضيّقة التي ارتكزت عليها اتفاقية التعاون الاقتصادي الموقعة سنة 1976، والتي تناولت البعد الاقتصادي، وتغاضت عن غيرها من مجالات التعاون والشراكة المتعدّدة، وأقامت علاقاتٍ غير متكافئة بين الطرفين، تبيّن قصورها وهشاشتها في معالجة القضايا الدولية المطروحة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، لذلك طرحت الشراكة الأورومتوسطية في برشلونة بين الاتحاد الأوروبي وبلدان المغرب العربي منذ 1995 بديلا للاتفاقيات السابقة، وهي شراكة تهدف، مبدئيا، إلى أن تكون شاملة ومتوازنة تتناول المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقاقية والسياسية، وترمي إلى بناء منطقة التبادل الحرّ، وتتأسّس على حرية تنقل البضائع والخدمات، وإزالة الحواجز الديوانية. ولكن ينتفي فيها الإقرار بحرية تنقل الأشخاص التي تعدّ من أهم دعائم بناء السوق الأوروبية المشتركة، حيث ارتكزت هذه السوق على الإقرار بضمان أربع حريات، تنقل البضائع والأشخاص والخدمات ورؤوس الأموال، بالإضافة إلى حرّية المنافسة بين الفاعلين الاقتصاديين من مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي. وتهدف هذه الشراكة الأوروبية التونسية إلى معالجة قضية الهجرة غير الشرعية بين البلاد التونسية والاتحاد الأوروبي، عبر تبنّي مقاربة جديدة متعدّدة الأبعاد تقوم على تصوّرات سياسية واجتماعية وثقافية مستجدّة. المواجهة التونسية للهجرة على ضوء هذه المتغيرات، تحاول تونس منفردة، وفي غياب شركاء من الاتحادين المغاربي والأفريقي، اغتنام الفرص وكبح لجام التسلط الأوروبي، حيث أضحى من الحتمي إرساء سياسة أوروبية جديدة للهجرة تؤدّي تدريجيا إلى "أنسنتها"، عبر اعتبار الإنسان محورا لها، وعبر ضمان حقه في حرية التنقل بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى إقامة شراكاتٍ دوليةٍ منصفة ومتوازنة بين بلدان الضفتين تضمن حقّ شعوب بلدان الضفة الجنوبية في التنمية وتوفير الحدّ الأدنى من العيش الكريم والحقوق الأساسية، وتقدّم حلا عادلا لمعضلة هجرة الأدمغة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. نخلص، إذن، إلى أنه لا مفرّ من تقييم ومراجعة الترسانة القانونية الشاملة والردعية التي أقرّها الاتحاد الأوروبي للحدّ من الهجرة غير الشرعية، وأفردها بهياكل ومؤسّسات مندمجة وتمويلات ضخمة، في حين ثبت يقينا أن هذه الخيارات والسياسات لم تؤت أكلها، ولم تحقّق أهدافها، بل ساهمت في تأجيج نيران الهجرة وقوارب الموت، وأماطت اللثام عن انتهازية مُفرطة، وعن 'الوجه البشع' لأوروبا التي لطالما تشدّقت بحماية حقوق الإنسان وبردع منتهكيها. دلالات الزيارت الأوروبية لقد تسارعت وتيرة المفاوضات والزيارات لمسؤولين كبار في الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي إلى تونس، فمن زيارة منفردة لرئيسة الوزراء الإيطالية إلى زيارات متعدّدة الأطراف، بداية من يوم 11 يونيو الماضي، شملت رئيس الحكومة الهولندية ورئيسة المفوضية الأوروبية صحبة المسؤولة الإيطالية المذكورة، بالإضافة الى مكالمة هاتفية تاليا بين الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيس المجلس الأوروبي. وجديد هذه اللقاءات زيارة سعيّد إلى باريس تلبية لدعوة من الرئيس الفرنسي ماكرون، للمشاركة في "قمّة باريس من أجل عقد مالي جديد". ولهذه اللقاءات المتقاربة والمتواترة زمنيا عدة دلالات: أولا، الإقرار بالموقع المتميز للبلاد التونسية، وبمكانتها شريكا استراتيجيا وبوابة للقارّة الأفريقية، بحيث إن بناء سياسات أوروبية جديدة تجاه القارّة الأفريقية يمر حتما عبر تونس وعبر استمالة المسؤولين القائمين على سياستها الخارجية، والمساهمة في إيجاد مناخ من الأمن والاستقرار داخلها، ومتناغم مع الشريك الأوروبي. ثانيا، الإعلان الضمني عن القبول والرضا اللذيْن يحظى بهما الرئيس التونسي قيس سعيّد لدى الاتحاد الأوروبي، ومباركة السياسات التي ينتهجها داخليا وخارجيا، رغم ما تثيره من تحفّظات وانتقادات معلنة من بعض الشركاء والمؤسسات الأوروبية، تحوم بمعظمها حول التضييقات التي تشهدها الحرّيات والانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من دعوات معارضي قيس سعيّد داخليا للاستنجاد بالخارج، قصد التنديد بالانحراف بالمسار الديمقراطي، وبجنوح النظام السياسي التونسي نحو الديكتاتورية والتسلّط والانفراد بالرأي، إذ فشلت هذه الدعوات في ثني الاتحاد الأوروبي عن التعاون مع تونس، ومدّ يد المساعدة لها. ثالثا، الإقرار الضمني من الشركاء الأوروبيين بأن حل مشكل الهجرة غير النظامية، وفقا للمقاربات التقليدية القائمة على الردع والزجر والسياسات البوليسية التضييقية، أضحى في غير محله، ويستدعي مراجعات جوهرية لإرساء شراكةٍ منصفةٍ وعادلة بين الطرفين، ومن أجل الانفتاح على مقارباتٍ أكثر إنسانيةً وحفظا لحقوق الشعوب المفقرة والمهجّرة قسرا من أوطانها. رابعا، الوعي لدى السلطات التونسية بضرورة فرض وجهة نظرها والدفاع عن مصالحها المشروعة وتبنّي مقاربة براغماتية ومتوازنة في علاقتها بالشريك الأوروبي، والسعي إلى التفاوض بندّية معه، والنأي بنفسها عن التعامل مع الطرف الأوروبي بوصفها مجرّد حارس لحدودها وخزانا للهجرة غير الشرعية التي يجرى وأدها، إما على التراب التونسي أو على الحدود للمجتازين خلسة. وقد عبر الرئيس قيس سعيّد بجرأة غير معهودة من المسؤولين التونسيين عن أن تونس لن تلعب دور الحارس للحدود الأوروبية، ولن تكون حارسة إلا لحدودها، وأنها لا تقبل مطلقا بتوطين المهاجرين غير الشرعيين على ترابها. كما أكّد موقفه بضرورة اعتماد مقاربة جديدة بخصوص ظاهرة الهجرة غير النظامية، تقوم على القضاء على الأسباب، لا على محاولة معالجة النتائج، ودعا إلى تكاتف الجهود لوضع حدّ لهذه الظاهرة غير الطبيعية وغير الإنسانية. وتواترت هذه التصريحات، منذ زيارته صفاقس (جنوب) في 10 يونيو الماضي، وهي المدينة التي أضحت بؤرة للهجرة غير النظامية.