تعرفت على شعر سعدي يوسف دفعة واحدة، كما يقول محمود درويش وهو يتحدث عن ( أنشودة المطر ) للشاعر السياب. تعرفت عليه من خلال عمله الكبير: «نهايات الشمال الإفريقي» بتوجيه من أستاذي الشاعر الرائد أحمد المجاطي العام 1974 برحاب كلية الآداب في فاس. ثم من خلال عمله الشعري اللافت: « الأخضر بن يوسف ومشاغله»، فعثرت على ضالة المثال الشعري دفعة واحدة، أنا الذي لم تكن دائرة اهتمامه وقراءته للشعر التفعيلي تتخطى السياب والبياتي، ونازك الملائكة، ونزار قباني، وشعراء المقاومة الفلسطينية: ( توفيق زياد محمود درويش فدوى طوقان وسميح القاسم). اخترقني النهر ولم أعد بعد القراءة، مَنْ كُنْتُهُ قبل القراءة. كانت الفتنة والجرح يصعدان بي إلى نقاط التقاطع الغامضة التي يتحقق فيها الشعر، ثم يتكتم على سره ليبقى مطلبا، ولتبقى غاية الشعر الخاصة هي الشعر؛ مستلفا تعبير درويش وقد فتنته أنشودة المطر. فكم رددت نصوصا من مجموعة سعدي: (بعيدا عن السماء الأولى ) بفتنة وممسوسية، مثل: (كلمات شبه خاصة إلى عبد المجيد الراضي: كم أحسد الليلة من أوقف للبستان شبابه، منجله، رايته الأولى كم أحسد الليلة من دس كتابا في راحتي إنسان أواه.. كم أحسدك الليلة. ومثل: «جزيرة الصقر»، و«قصيدة وفاء إلى نقرة السلمان». كما دهشت للتجريب في نص: «تقاسيم على العود المنفرد «، حيث تراكب النصين، وتراكب الدالين الكبيرين، ومن ثمَّ ثراء الدلالة، وفيض المعنى. ( لقد أسهم شعراء كثيرون قبل سعدي ومعه وبعده، في إنجاز عملية التحول التدريجي والتراكمي التي أدت إلى ما وصل إليه المشروع الشعري العربي الحديث، وإلى انفتاح القصيدة العربية على إمكانيات تطور لا حدود لها، ولكن، لعلنا ما زلنا قادرين على المجاهرة بأن لسعدي يوسف ذي الموهبة الجارفة، والقلق المعرفي، الدور الإبداعي البارز في تحقيق الطفرة والنقلة النوعية ). إن انشداد سعدي يوسف إلى التراثات الإنسانية، وفي المقدمة منها، التراث العربي، مكنه من فتوحات شعرية فنية لافتة، ومقترحات جمالية استثنائية، ما جعله يشق مجرى شعريا هادئا ودافقا صبَّ في نهر الشعر العربي العظيم. وما جعله صاحب برنامج جمالي متفرد، وطريقة مخصوصة في الكتابة الشعرية لها أتباع ومريدون، ومشايعون.