«ما تقدمه فلسطين للعالم» تجربة «مؤثرة» ورحلة في حياة فلسطين من القرن التاسع عشر حتى اليوم. هو عنوان المعرض الاستثنائي الذي يتم بباريس بمناسبة الذكرى ال 75 للنكبة، والذي يستضيفه معهد العالم العربي بين 31 مايو و19 نوفمبر. وتعرض بالمعهد مجموعة المتحف الوطني الفلسطيني المستقبلي للفن الحديث والمعاصر التي تحوي نحو 400 قطعة فنية، بمبادرة من سفير فلسطين الأسبق لدى اليونسكو إلياس صنبر، وتنسيق الفنان ارنست بينون ارنست. ويرافق المعارض الثلاثة المخصصة لهذه الغاية برنامج ثقافي متنوع يمتد حتى شهر شتنبر المقبل. وتعرض هذه التظاهرة، التي تحمل اسم «ما تقدمه فلسطين للعالم «، عدة مجموعات فنية تتألف من هبات لفنانين معاصرين، بمن فيهم فنانون مغاربة. «في طموح هادف إلى عرض العالم كما يرى من فلسطين وعرض فلسطين للعالم، يعرض هذا المحور أعمال ثلاثة أوجه من المتاحف: أعمال حديثة ومعاصرة من مجموعتي متحف فلسطين الوطني ومتحف معهد العالم العربي، ومجموعة افتراضية لمشروع متحف السحاب بقيادة مجموعة من الفنانين مع المقيمين في غزة. «وهي مبادرة ومتحف في طور التكوين. «تتجاوز اللوحات والصور والمنحوتات وفنون الجرافيك مسألة الشهادة التاريخية، لتؤكّد الرغبة في العيش والأمل. وتأتي عبارات محمود درويش وقصائده التي تم تصويرها وتسجيلها، لتؤكد ذلك في مكان مخصص لذلك، حيث تعرض مخطوطات لهذه القصائد بقلم كل من رشيد قريشي وحسن مسعودي». وفكرة متحف وطني فلسطيني هي سلوك حضاري ومقاومة لمحاولة طمس تاريخ هذا الشعب، ولأن تكوين متحف في الوضع الاستعماري الذي تعيشه فلسطين «وبناء متحف في وضع استعماري ليشكل مغامرة» يقول المنظمون، الذين يستنطقون الطرق الممكنة «لبناء متحف «بفلسطين ومن أجل فلسطين.» وهو تحد حقيقي بوضع متاحف لشعب تحت الاحتلال من خلال خلق متحف في المنفى على شاكلة التجربة التاريخية لجنوب إفريقيا « تقول المشرفة المشاركة ماريون سليتين في تصريح خصت به الاتحاد الاشتراكي. وتضيف أن المتحف مشكل من أعمال ممنوحة من طرف فنانين عرب ودوليين، وذلك لخلق متحف وطني فلسطيني بالقدس الشرقية في المستقبل، وفي انتظار هذا التأسيس، فإن الأعمال الفنية لهذا المتحف توجد بمعهد العلم العربي في إطار اتفاق بين الطرفين.» المعرض يضم مساهمة مغربية، ويقول رئيس معهد العالم العربي، جاك لانغ، إن «الفنانين المغاربة حاضرون بقوة في هذا المعرض»، مشيرا إلى أنهم «كانوا أسخياء جدا في تقديم أعمال فنية ذات جودة عالية». وأكد جاك لانغ في هذا السياق أن الروح العامة للمعرض هي تسليط الضوء على جمال وذكاء وإبداع الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن «المغرب، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، هو واحد من القلائل الذين ذكروا العالم بعظمة هذا الشعب الذي يستحق الاحترام والحماية». وأضاف أن المغاربة، وعلى رأسهم جلالة الملك، هم من «يدعمون الشعب الفلسطيني بأفضل طريقة» و»أكثر وفاء». وأشار أيضا إلى أن معهد العالم العربي يتميز بكونه المؤسسة الوحيدة في العالم التي تنظم هذا النوع من الأحداث، داعيا الدول العربية إلى إتباع هذا النموذج وتعزيز مبادرات مماثلة. ومن أهم الأعمال التي يضمها هذا المعرض، أيضا، فضاء لمحمود درويش، سيد الشعر الفلسطيني والعربي، الذي لا تزال أعماله تلهم الفنانين وعشاق الموسيقى في العالم العربي. ولهذا المعرض تم اختيار قصيدة «مديح الظل العالي»، وهي قصيدة مأساوية طويلة كتبها الشاعر بعد صدمة مذبحة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشتيلا في بيروت في شتنبر 1982، وألقاها الشاعر أمام البرلمان الفلسطيني في المنفى، وهي شهادة مرئية ومسموعة بصوت الشاعر، هذا الصوت الذي كان يلهب الآلاف من الحاضرين المولعين بشعره في العالم العربي، وتميز بطريقة إلقائه التي تجمع بين نفس أشعاره وجمال نشيده. المتحف يتضمن أيضا ما تضمنته حقائب جان جينيه حول فلسطين وارتباطه بهذه القضية، والمخطوطات النادرة التي تضمنتها حقائبه، والتي كانت مجهولة في السابق، وهي وثائق عكست لقاء الكاتب الفرنسي مع الشعب الفلسطيني، والذي أصبح همه الأكبر وجوهر كتابه الذي يشكل وصيته، حيث كان جان جينيه أول الشهود الأجانب على المجزرة التي ارتكبت في حق الفلسطينيين في صبرا وشتيلا ببيروت من 16 إلى 18 شتنبر 1983. وثائق جان جينيه تنشر لأول مرة وتجوّل بها في كل مكان في حقيبتين. وتتعلق هذه المستندات بالقضية التي دعمها جينيه، ويشهد الكثير منها على التزامه تجاه الفلسطينيين منذ السبعينيات. ففي عام 1982، كان أول غربي يذهب إلى مخيم شاتيلا في بيروت بعد المجزرة. وعند زيارة المعرض يناديك شعره حول الأرض، الأم وفلسطين الحاضرة في هذا الفضاء من خلال صوته وأرشيف قراءة هذا الشاعر المتميز في تاريخ فلسطين، الذي سلط الضوء على فلسطين في جماليتها الثقافية والفنية والشعرية. ومنذ سنة 2016، يحتضن معهد العالم العربي مجموعة المستقبل من المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر في فلسطين، من خلال تبرعات الفنانين المتطوعين، وجمعت بمبادرة من إلياس صنبر، الكاتب والسفير السابق لفلسطين لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة، وتم تنسيقها من قبل الفنان إرنست بينيون إرنست. ويتم بهذه المناسبة عرض أعمال من متحف معهد العالم العربي والعديد من المصادر الأخرى (متحف سحاب، حقائب جان جينيه التي تجمع بين المخطوطات والوثائق الفريدة التي تركها لمحاميه قبل أسبوعين من وفاته، وغيرها)… ويتضمن المعرض كذلك فعاليات ثقافية متنوعة من حفلات موسيقية وندوات وورشات عمل وسينما ولقاءات أدبية كلها مرتبطة بفلسطين.