نظّم فرع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء قبل أيام ندوة اختار لها عنوان «من أجل تعديل شامل لمدونة الأسرة يستجيب لسؤال المساواة»، والتي قام بتسيير أطوارها الأستاذ مولاي سعيد العلوي المحامي وعضو المنظمة، وعرفت مساهمة كل من الأساتذة فاطنة سرحان وعبد الكبير طبيح ونزهة جسوس والسعدية السعدي بمداخلات تناولت كل واحدة منها محورا خاصا له صلة بالتيمة الرئيسية لهذا اللقاء. وجاء تنظيم هاته الندوة، وفقا لكاتب فرع المنظمة مراد حمداني، بالنظر لراهنية النقاش العميق المرتبط بالمدونة في ظل التحولات الكبرى التي يعرفها مغرب اليوم والمستقبل، مشيرا إلى أن البعد الحقوقي يفرض نفسه وبقوة لصون حقوق كل مكونات الأسرة وعلى رأسها الأطفال، الذين يكونون ضحايا لخلافات الأزواج في كثير من الحالات. وفي مداخلة لها، أكدت فاطنة سرحان على أن طرح الموضوع للنقاش من طرف المنظمة المغربية لحقوق الإنسان يعتبر بديهيا لكونها تعمل دائما على تحقيق المساواة، مشددة على أن المنظمة تطالب بملائمة مدونة 2004 مع دستور 2011 والقوانين مع نصوصها، مؤكدة على أن العديد من النواقص تعتريها وإن استجابت في بعض تفاصيلها للمطالب الحقوقية فمنعت التعدد و»حرّمت» الطلاق الشفوي الذي كان يُعمل به كثيرا من قبل، لكن أحكامها بالمقابل لم تضمن المساواة بين الرجل والمرأة ولم تأخذ بعين الاعتبار الشمولية، وهو ما اعتبرته المتحدثة، نتاج لنوع من الارتجال الذي ميّز تلك الفترة حيث كانت خاضعة لضغوطات مجتمعية كبيرة. من جهتها أبرزت نزهة جسوس أن المسألة حول المدونة لم يكن بها ارتجالية انطلاقا من كونها كانت ضمن اللجنة المسؤولة على التعديل حينها، وأقرت بأن نقط أساسية كانت في المشروع لكن لم يتم التوافق على بعضها بالإجماع وبالتالي تم اقتراح المشروع للاحتكام الملكي كما ينص عليه الدستور. واسترسلت المتدخلة موضحة كيف أن بعض الاقتراحات كانت إيجابية وأخرى أعطيت فيها السلطة التقديرية للقاضي ليجتهد حسب القضية المطروحة عليه، مشيرة إلى أنه بخصوص اللغة التي كانت تتم بها صياغة بعض القوانين والتي تحط من كرامة المرأة فقد وقع تغيير في بعضها. وأكدت جسوس أن تلك التعديلات آنذاك، كان لها تأثير على العقليات داخل المجتمع المغربي وخلقت نقاشا مجتمعيا كبيرا إذ قسمت المجتمع إلى مجموعتين، إلى أن تدخل جلالة الملك وألزم الدولة بمراجعة الدستور وما ورد في الاتفاقيات الدولية، مشددة على أن المطلب الحالي يتمثل في التعديل الشامل والجذري وأخذ بعين الاعتبار ما جاء في الاتفاقيات الدولية، مصرّة على أن التعديل من شأنه إنصاف الأسرة لا المرأة فقط. بدورها، استعرضت السعدية السعدي أهمّ المحطات التي مرت منها المدونة انطلاقا من فترة الاستقلال، مشيرة إلى أن مسألة التعدد وباقي المشاكل الاخرى المرتبطة بالمدونة ظلت موضوع نقاش منذ ذلك الحين، وحينها كان هناك بعض المتنورين من الفقهاء ومنهم علال الفاسي، الذي كان يرى، وفقا لمداخلتها، ضرورة الاجتهاد، لكنهم كانوا وكما الحال في هاته السنوات أيضا يتصادمون بفقهاء يعتبرون أن الاجتهادات ليست متاحة في كل الحالات. و تطرقت السعدي إلى اللجنة التي تمت الدعوة إلى خلقها تبعا للتوجيه الملكي في أواخر الثمانينات ونتيجة لذلك خرج تعديل 2002/2003، مشددة على أن هاته المدونة جاءت بتعديلات لكن مع الأسف تبين على أن تحبل كذلك بالاختلالات بسبب تغيرات التي عرفها في المغرب، وبالتالي فالنقاش الحقيقي بحسبها يجب أن ينصب حول طبيعة المشروع المجتمعي الذي نريده لهذا البلد؟ المحامي طبيح صرح أن المنظمة لعبت أدوارا كثيرة في هذا الموضوع واعتبر أن مسألة الإرث مادية محضة والذي يعرقل تعديل المدونة حسب قوله ليس الدين بل العامل الاقتصادي، واسترسل محللا بأنه شخصيا لا يطالب بتعديل المدونة، بل تطبيقها، فالمدونة خرجت من رحم الصراع ما بين فكرين مجتمعيين يمثلان المجتمع المغربي، وعندما تم تكوين لجنة لتعديل المدونة، ترأسها ادريس الضحاك ولم يستطع بفكره القانوني المتميز، على حد قوله، أن يجعل الفكر السياسي القائم أنذاك ممكنا واضطر العاهل الحسن الثاني أن يغيره: فلولا التدخل الملكي لم تكن لتكون المدونة، إذ تم نقل النقاش للبرلمان الذي صادق عليها.و أكبر دليل أن مضمون خطاب الملك تم كتابته في المدونة واعتبر من أسباب النزول وبالتالي، صرح طبيح ،بأنه «لم تطبق المدونة لكي نتمكن من التحدث عن مراجعتها» وأضاف بأن هناك أشياء تم تعديلها وأخرى يجب تفعيلها و إلزامها.