غياب النسق، تحيز الانتقاء، شح المصادر..أبرز سماتها ناقشت الجلسة الثالثة من فعاليات الدورة 18 لمؤسسة البابطين الثقافية المقامة بالكويت ما بين 19 و21 مارس الجاري، «حركة الشعرواتجاهاته في المغرب الإسلامي في عصرالدول والإمارات» من خلال معجم البابطين، وهي الجلسة التي شارك فيها كل من الأكاديميين المصري محمد عبد الرزاق المكي والباحثة التونسية نورالهدى باديس. الباحثة نور الهدى باديس ركزت في تقديمها للبحث الذي تضمنه المعجم، والذي قام به الأكاديمي والناقد الموريتاني عبد الله محمد سالم السيد، على جملة من القضايا تضمنها البحث السالف الذكر في قراءة نقدية توسلت بالأسئلة أكثر من بحثها عن أجوبة، ومنها الحيرة العلمية التي وجد فيها الباحث نفسه، نظرا لصعوبة البحث في خصوصية وعناصر تميز شاعر عن آخر خلال هذه الفترة، متسائلة عن الأبنية الخفية التي تحكمت في المسارات الإبداعية الشعرية بما هي مسارات ثقافية بالأساس وأنساق متعددة متحكمة في مختلف الخطابات. وآخذت الباحثة التونسية النقاد الذين يقفون على عرض البيوغرافيات الشخصية للشعراء الذين شملهم البحث لأن المطلوب اليوم في الدراسات النقدية هو سبر النصوص عبر استخدام آليات الخطاب وإعادة النظر في هذه التجارب على ضوء ما يستجد من متغيرات، أساسها تغير الأمكنة والأزمنة والمتلقين وظروف التلفظ عموما، ما يدفعنا إلى إعادة النظر في هذه المدونة أخذا بعين الاعتبار التحولات، وهو ما وقف عليه الباحث محمد سالم في بحثه، بتساؤله : هل النماذج التي يقدمها معجم البابطين يمكن أن تغني عن متابعة الدواوين الشعرية، وهل تكفي المدونة الواردة في هذا الجزء من المعجم لإعطاء صورة صحيحة عن حركة الشعر واتجاهاته في المغرب الإسلامي خلال الفترة التي يغطيها البحث؟ هذا التساؤل الذي طرحه الباحث، تقول الباحثة التونسية في تقديمها لخلاصاته، يدفعنا إلى تساؤل آخر هو: كيف يمكن الحكم على حركية الشعر في مرحلة معينة، انطلاقا من مدونة منتقاة، يتم فيها انتقاء أسماء على حساب أخرى وهي أسئلة تضعنا أمام مفهوم المؤسسة وإشراطاتها داخل أي بحث، وهي الإشراطات المرتبطة أيضا بمفهوم السلطة الذي يرسخ اسما ويغيب آخر، ويجعل المكرسين فقط في الواجهة دون البحث عن مكامن الخصوصية في تجاربهم الشعرية، وهل شكلوا فعلا إضافة إلى المنجز الشعري ببلاد المغرب. ولفتت الباحثة إلى أن البحث عليه أن يتجاوز ثقافة الاعتراف إلى البحث عن الخصوصة الشعرية في التجارب التي حظيت بالتلقي أكثر من غيرها. وهو ما يحتاج إلى إعادة النظر في كل الأنساق المتحكمة في كل خطاب على ضوء ما يستجد من نظريات تختلف باختلاف الأزمنة والمتلقين. البحث كما أشارت د.نور الهدى وقف عند سمة المحافظة التي وسمت أغلب إنتاجات هذه الفترة، كما ارتبطت أيضا بالجانب الأخلاقي في ما يخص الشعراء الذين لم يخرجوا في الأغلب عن دائرة الفقهاء والعلماء، ما جعل تأثرهم بالشعر الجاهلي أقل مقابل تأثرهم بالشعر العباسي، بالإضافة إلى أن أغلب ما روي في هذه الفترة داخل معجم البابطين هي النصوص النادرة والأنظام العلمية، وهو ما اعتبرته دون المأمول، صياغة وإنشائية وفنية، لأن مختلف الموضوعات المطروقة شعريا كانت في مدح الرسول والقيم الأصيلة فقط، ودون وجود نسق لعله ما يميز الإبداع الشعري في المحصلة. من جهته، لفت الدكتورمحمد عبد الرزاق مكي إلى أن نقاد الأدب لدى تناولهم للشعر العربي إبان سقوط غرناطة انقسموا إلى اتجاهين: أول: انشغل برصد حالة الشعر واتجاهاته في عصر بني الأحمر. ثان: تتبع الشعر والشعراء بعد سقوط غرناطة. غير أن كلي الاتجاهين بنى طروحاته النقدية على نماذج مكررة مثل ابن الخطيب، أبي البقاء الرندي، أبي حيان الأندلسي ما يجعل هذه الدراسات تفتقر إلى رؤية شاملة لحالة الشعر واتجاهاته بسبب شح المصادر في تلك الفترة، وهو ما حاول معجم البابطين تداركه من خلال توفير مادة ثرية بلغت 1560 نصا شعريا في الفترة ما بين 656ه و1215ه، حيث وقف البحث عند ازدهار حركة التأليف والتراجم بداية من القرن14 إلى17 ، والاهتمام بها من خلال الدواوين الشعرية والنشرات والمستدركات الأندلسية، وهو ما رفد المكتبة العربية بمخزون شعري ضخم توزع ما بين دواوين محققة وأخرى مخطوطة. أما بالنسبة لاتجاهات الشعر العربي في هذه الفترة داخل بلدان المغرب الإسلامي، فقد تجاذبها ماهو سياسي متمثلا في الصراعات الداخلية والخارجية التي كان وقودها الشعراء أنفسهم، بالإضافة إلى ما هو اجتماعي متصل بحياة الترف ثم العامل الديني الذي ظل معه الشعراء يراوحون ما بين مقاومة المجون وتمثلاته، والدعوة إلى نصرة الدين والدفاع عن الأندلس.