توطئة الإشكالية والأطروحة: عبر سيرة وجود وتواجد وتأثير وتأثر وفي ظل التلاقح التقافي والفني والجمالي راكم المسرح العربي عدة أطروحات وترافعات بحثا عن التأصيل والجذور، وفي هذا الإطار راكم مصادر ومراجع ومرافعات متعددة ومختلفة لأجيال من الباحثين والدارسين المستندين إلى عدة مناهج بحثية رصدية وتقييمة ووصفية المستندة بدورها على العدة الأنتربولوجية والتاريخية وغيرها، هذه الأطروحات التي مارست حفريات مختلفة، لذا نجذ من الباحثين والراصدين خصوصا العرب من عاد إلى الأشكال ما قبل المسرحية ومنهم من بحث عن الشكل العربي الملائم في الموروث ومنهم من وافق بين الأشكال لكون المسرح جنس فني إنساني مشترك، تقول عنه الأسطورة أن دينيوسوس كشف به سرا له علاقة بطقوس كبرى، وفي هذا التتبع والرصد التاريخي نصل إلى أطروحة الإلياذة والأوديسة والشاعر الملحمي هوميروس وإلى اليونان والإغريق وباقي الملاحم الشعرية والإنسانية وإلى فن الشعر لأرسطو، وإلى العلاقة الجدلية بين الفلسفة والمسرح أو بين الفكر والإبداع، هي تداخلات بين الفني والتاريخي خاصيتها أنها تنظر إلى المصدر التاريخي وتؤرخ للمرحلة وتمارس التأريخ والتاريخانية.. عبر هذه السيرورة سنصل حتما إلى أسئلة ورهانات المسرح العربي الحديث والمعاصر، الذي مازال يطرح إشكالياته التي تواكب التحولات والتطورات، وتولد بدورها أسئلة وهنا تكمن حياة المسرح العربي وحيويته؛ إذ يمارس البحث والرصد والتنقيب كما يمارس الإبداع بمواكبة التنظير المسرحي الذي يصل إلى خمسينيته وزيادة وهو الآن يجادل نحو نظريات جديدة ومتجددة مست الإبداع المسرحي ككل تطلعا لرؤية أخرى للنص والإخراج والتشخيص والسينوغرافيا، وهي أطروحات معاصرة تعاش في الإبداع المسرحي الجديد في شقه التجريبي المختلف الذي توارى فيها النص من موقعه المركزي إلى موقع شدري موزع بين مكونات جمالية تعبيرية متعددة وبرزت فيه الصورة في جانبها السينوغرافي إلى درجة أنه يمكن أن نسمي هذه المرحلة، مرحلة المسرح السينوغرافي، أو المسرح المستند على السينوغرافيا، التي تعني الفضاء السينيكي ككل والتي توظف لغات أخرى غير لغة الحرف، من جسد الممثل وتلويناته وتشكيلاته والإنارة وتمفصلاتها وتقطيع في الأداء والتنقل عبر جغرافية الخشبة بل الفضاء المسرحي ككل، بعيدا عن الحوار المسرحي التقليدي أو بناء قصة بحبكتها بداية وحدثا ونهاية، وصولا إلى تلق آخر وفرجات تركب صهوة المختلف. لايكاد عرض مسرحي حديث عبر رقعة الجغرافية الإبداعية العالمية وضمنها الرقعة المسرحية العربية، يخرج عن هذه الرهانات من تم حضرت إشكاليات أخرى بين مبدعي الفرجة المسرحية والعربية بالخصوص، على إثرها برز صراع الأجيال المبدعة سلبا وإيجابا وأحيانا توافقا بين الاتجاهين وهو رهان صعب، وفي ظل هذا الواقع لا يكاد مهرجان عربي يخرج عن أفق الانتظار، بل آفاقه التي تكسر المنتظر التقليدي العادي إلى المتطور والمواكب والمراهن بشغب وشغف معرفي وعلمي. محاورة أطروحة مهرجان المسرح العربي، للهيئة العربية للمسرح من داخل التصور والرؤية: ولأن مهرجان المسرح العربي المنظم من طرف الهيئة العربية تجمُع ومؤتمر فوق العادة يجتمع فيه خبراء وأطر ومبدعوا الفرجة المسرحية العربية وتجتمع معهم الإشكالية والأطروحة التي تواصل بحتها ورصدها وتنقيبها، بشكل دوري في كل قطر عربي على حدة له أسئلته الخاصة والمتحاورة مع باقي الأطروحات لباقي الأقطار العربية، بحضور ممثلي تلك التجارب العربية، وفي كل مهرجان/ مؤتمر تفتح خلاله الأسئلة من جديد لتواصل تحاورها. ننوه بالتجربة ومنجزها وتداولها الذي تلتقي فيه أسئلة المبدعون والنقاد والدارسون العرب، ليس للإجابة القطعية بل لتناسل أسئلة أخرى ومواصلة البحث والتنقيب في مسارات تطرح نفسها في كل مرحلة بفضل إثارة السؤال نظريا وإبداعيا. من مدخل هذا البعد العلمي والمعرفي نعتبر الهيئة العربية للمسرح عُراب هذه المرحلة من خلال توفير زمن وجغرافية طرح الإشكالية المركزية المنخرطة في دينامية المسرح العربي عبر كل أطروحاته، إذ تفاعلت الهئية العربية مع إشكالية النص المسرحي فأقامت مسابقات في مجاله للصغار والكبار، كما تفاعلت مع مطلب التكوين، تأليفا وخلقا لجمالية العرض وتنشيطا لورشات وصولا إلى التوثيق للذاكرة المسرحية العربية، وغيها من المبادرات. نقف هنا عند محطة الدورة 13 من مهرجان المسرح العربي، الذي نعتبره مؤتمرا فوق العادة للأطر والخبراء والتي ستقام بالدار البيضاء من 10 إلى 16 يناير 2023، هذا المهرجان الذي ينخرط بقوة في سؤال دينامية المسرح العربي واقعا وممارسة وإشكالية إبداعية وفنية وجمالية وإيديولوجية عبر شعار دال وتداولي «نحو مسرح عربي جديد ومتجدد»، ووعيا برهاناته فقد خلق تقليدا بفتح باب الترشيحات سبقية للمهرجان خصصت له لجن اختيار العروض وفق شروط فنية وتقنية واكبت التصور والتطلع نحو مسرح عربي جديد ومتجدد، وبموازاة ذلك يواكب التأليف المسرحي التوثيقي والإبداعي رهان كل دورة على حدة، توقيع كتب لها طروحات حينية من روح السؤال الإشكالي للمسرح العربي، وتنظم بالمناسبة ورشات تكوينية تساير الأطروحة التجديدية للعرض المسرحي الراهن في مجال التجديد والتجدد في المسرح العربي، وضمنها المؤتمر الفكري للتعرف عن كثب عن الحساسيات الإبداعية في كل قطر، وصولا إلى الزمن المهرجاني وتلقيه الذي يقام له برمجة عروض بلجنة تقييم للعرض الذي تتوفر فيه شروط الرؤية والتصور، ومواكبة مع ذلك تقام مختبرات رصدية وتكوينية من روح سؤال تطور وتطلع رؤى المسرح العربي، وفي زمن المهرجان تقدم لنا الفرقة المسرحية المشاركة نفسها وإبداعها في المؤتمر الصحفي، وتنتقل إلى العرض المسرحي وتفتح لنا باب مختبرها الإبدعي مع الجلسة النقدية التطبيقية. تعميقا للرصد والبحث تقام ندوات محكمة بمحاور كبرى، وتتوج الإشكالية والأطروحة الرصدية بكلمة اليوم العربي للمسرح والتي يقدمها فاعل مسرحي عربي في كل مناسبة بتاريخ قار للمسرح العربي 10 يناير، وننتظر التقييم والتقويم ورسالة اليوم العربي للمسرح والتي يسقدمها بمناسبة المسرح العربي بالدار البيضاء، المغرب المبدع الكبير جواد الأسدي، والتي ستفتح لنا آفاق أسئلة أخرى من داخل إشكالية وأطروحة المسرح العربي وانفتاحاته الإبداعية الفنية والجمالية.