لم يكن الحلم بهذا الحجم، ونحن نستعد لجمع الحقائب والتوجه إلى مونديال قطر، لقد تطلب الأمر من المغاربة، وخاصة من الناخب الوطني وليد الركراكي، رحلات مكوكية لفتح أكثر من حوار وأكثر من قلب حتى يقلب المعادلة. لقد كان استفتاء شعبيا بين القلوب، من مع حكيم زياش ومزراوي وحمد الله، ومن ضده؛ فكان الاختيار واضحا، لقد اصطفت القلوب إلى جانب أبنائها. جاء وليد، فانتصر لصوت القلب والعقل، انحاز إلى نبض المجتمع، ليس خوفا منه، بل إيمانا بوجاهة طرحه، فتبنى نتيجة الاستفتاء، توكل على الله و»دار النية»، وشمر على ساعد الجد. كل ذلك، ونحن نعرف أن القرعة وضعتنا ضمن أقوى المنتخبات العالمية، وكان الحلم الأكبر أن نظهر بصورة مشرفة، ولا نعود إلى الديار، ونحن نجر أذيال الخيبة والانكسار. في الميدان، كان لأسود الأطلس رأي آخر، تطابق تماما مع رأي وليد الركراكي، الذي نجح في ما فشل فيه آخرون، حيث عزف على أكثر من وتر، فردد وراءه الأسود أنشودة الأبطال في تناغم تام، بل أشرك وليد في هذه السمفونية، الجماهير المغربية، في المغرب وفي قطر معا، فاخترق العزف وجدان كل الأفارقة وكل العرب، ليصبح الأسود محاطين بدفء وحناجر أكثر من مليار مغربي وعربي وإفريقي ومسلم في كل القارات، الذين رفعوا العلم المغربي ومعه العلم الفلسطيني، مرددين «سير سير سير»، طبعا إلى العلى سعيا، كما يقول النشيد الوطني المغربي. لم نكتف بالدخول إلى التاريخ من بابه الواسع، بل أعدنا صياغته، وفق طموحنا، وهو ما أرغم العالم، الذي يتجاهل أمة العرب على وجه الخصوص، على الحديث عنا بكل اللغات، بما في ذلك لغة الإشارة. لقد انتصر أسود الأطلس بقتالية قل نظيرها، على أقوى المنتخبات الدولية المصنفة في المراتب الأولى عالميا، فلم تكن هذه الانتصارات وليدة الصدفة، بل كانت وليدة الروح الوطنية العالية ووليدة رؤية وليد. حدث هذا الإنجاز، الذي يرقى إلى مستوى الإعجاز، في عالم كما تشير إلى ذلك معظم الدراسات، أصبحت فيه كرة القدم ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بعدما أصبحت ميزانية الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» تفوق ميزانيات عشرات الدول، حيث أصبحت كرة القدم أكبر من رياضة، وتحولت إلى استثمار، وصناعة كبرى، تجذب الدول والمستثمرين والتجار والشركات الكبرى حول العالم، وهو ما نقل الفيفا من مجرد مؤسسة رياضية إلى شركة متعددة الجنسيات وإمبراطورية مالية ومؤسساتية عظمى تنمو في العالم بفعل استثماراتها الفلكية. حدث هذا أيضا، والعالم الأوروبي يعتبر من أكبر المساهمين في ميزانية الفيفا، ومع ذلك استطاع المنتخب المغربي أن يحرج ويخرج من المونديال أسماء وازنة، تتبناها شركات عملاقة، تستثمر الملايير في كرة القدم، ومرتبطة بشكل وطيد بالفيفا. بلوغ منتخب إفريقي وعربي المربع الذهبي، دحض كل توقعات شركات ألعاب الرهان، ووحد الأفارقة والعرب والمسلمين، كما جعل رؤساء أكبر دول العالم يهنئون المغرب، وقد لاحظنا كيف حمل الرئيس الأمريكي جو بايدن القميص الوطني المغربي، وكيف تقاطرت برقيات التهنئة من زعماء العالم على عاهل البلاد محمد السادس، وغيرها من الإنجازات، التي حققها أسود الأطلس بأقدامهم عبر كرة القدم. انتصارات الأسود، جعلت المغرب يتحرك إلى الأمام أيضا في العالم الافتراضي، حيث نشط محرك غوغل بحثا عن المغرب وأهله، وهو ما جعل مجهودات أسود الأطلس ومدربهم وليد الرگراگي، تمتد إلى خارج ملعب كرة القدم، إلى ملاعب الشعوب والأمم، يكفي أن نستثمر هذه الهدايا الثمينة كدولة وكشعب، سياسيا واقتصاديا وسياحيا…. لذلك ولغيره، نقول لأسود الأطلس، شكرا لكم، لقد لعبتم وأبدعتم، وقبل هذا وذاك، حققتم مالم يحققه الأوائل.