لازلنا أمام وقع الصدمة الجميلة والمفرحة، نعم لقد فزنا على الإسبان والبرتغال تباعا.. هزمناهم بالعزيمة والإرادة والثقة وروح الفريق وأشياء أخرى يصعب جدا حصرها أو يتسع المقام للحديث عنها. لقد تسلحنا بالحب والتاريخ والوطن، بالنية وبركات الأجداد وسلالة الأشراف، وكأننا في موسم بمفهوم المواسم الصوفية المغربية، تلك التي يقصد فيها بعضنا الفقهاء لنفك عنا التابعة، وهذا بالضبط ما حصل، لقد طردنا عنا لعنة الهزيمة و"تابعة" الإقصاء ومتلازمة عدم تجاوز الدور الأول من المونديال هذا إن توفقنا في التأهل من الأساس. لكن اليوم أختلف كل شيء، أسقطنا كل الأحكام المجحفة والمسبقة وكل الفرضيات وحلت فقط الكيمياء، نعم لقد جعلنا العالم يقف أجمع منبهرا بقتاليتنا وصمودنا أمام الكبار من الإسبان والبرتغال اللذين يعتبران من أحسن وأفضل المنتخبات العالمية على مر التاريخ والحاضر الكروي. لم يكن لهذا النجاح والاستمرار أن يكون، لولا تواجد عناصر المنتخب الوطني المرابطة بالدفاع، إنهم بحق كتيبة الجدار العازل، يدافعون بأرواحهم وكأنهم يحلقون بدون أجساد، يقاومون أي محاولة للاختراق بحنكة وبسالة وبتقنيات تكتيكية عالية متصدين لكل الكرات كمن يطرد عنا شر اللعنات، نعم لقد كانوا كالفقهاء عزموا وتوكلوا وآمنوا وأخلصوا وأحسنوا إن الله لا يضيع أجر المحسنين. من منا لم يلاحظ من بداية المونديال دفاع العميد سايس، ذلك الجبل الواقف ذلك المدافع الذي يرتفع عما حوله من الأرض، كلما حاولوا الاقتراب من الشباك اصطدموا برجل شامخ شموخ الجبال، كتلة ضخمة من الصمود والإصرار، ومن يستطيع زحزحة الجبال، نعم لقد كان سايس قمة من قمم الأطلس العالية لا يستطيع الوصول إليها أي كان، وعد فوفى وقاوم حتى تمكنت منه الإصابة نسأل الله له السلامة والشفاء. أما عن امرابط، هذا الرجل القادم من زمن المرابطين، فعلا إنه مرابطي العشق والهوى والميدان، رابط في مكانه مقاوما صامدا جسورا، ابن جبال الريف التي تأبى الانحدار، فعلا إن الرجل رابط في مكانه ولم يغادره ولم يترك أي فرصة للتهديف إلا وصادرها بل سحقها، فمن رأى امرابط في مباراة المغرب ضد البرتغال تأكد مما يدع مجالا للشك أن للرجل قدرات خارقة في الدفاع، وأنت تراه تكتشف أنك في حضرة متزحلق على الجليد وليس فقط مدافع كرة قدم، يتزحلق في العشب الأخضر وكأنه يرتدي حذاء التزلج بدل الكوداص، يتزحلق بخفة في ساحة مفتوحة وكأن له شفرات فولاذية بحواف جد محددة تمكنه من الحركة بخفة وكأنه يحتك مع الجليد بدل العشب، متحكما في حركته كما يشاء يميل بجسمه بتدفق انحنائي لا متناهي وبرشاقة عالية الأداء. أما عن الياميق، ذلك الفارس المغوار، جواد كالجواد يرتفع ويسمو وينخفض، جواد كثير العطاء، أعطى للدفاع لمسة خاصة، فعلا كان مجموعة جياد وليس فقط جواد يميق واحدا، كان جوادا بين رفاقه سريع الجري في الميدان، تكرم وجاد بما ملك رأسه وقدماه مجوِّدا الدفاع فأتقنه وجوّد صنعه، جوَّد كل شيء ولم يتراجع قط. حق لنا أن نفاخر بفريقنا الأمم والعالم، لنا منتخب بكتيبة دفاع.. نعم لنا جدارا عازلا بأسود تحرس عرين الشباك.. لنا رجال تسللوا للقلوب عبر الشغاف.