تنعقد أو لا تنعقد؟ في الجزائر أو بمقرها بالجامعة؟ أوتتأجل إلى السنة المقبلة؟ إنها أسئلة القمة العربية التي يمر انعقادها بمخاض عسير منذ أكثر من سنة ونصف. وأبرز نقاط هذا المخاض هو الدولة التي ستستضيفها. فالجزائر وطيلة هذه المدة جعلت منها في الظاهر قمة عربية وفي الحقيقة رهانا داخليا بل رأت فيها، وبكل انتهازية، فرصة لإضفاء شرعية على نظام ولد بدون شرعية ويعاني من نبذ شعبه له. للقمة موعد قار سبق الاتفاق عليه وهو عادي مرتين في السنة في شهري مارس وشتنبر وبصفة غير عادية كلما دعت الحاجة إلى ذلك (المادة 11 من الميثاق). وخرقت الجزائر هذا الاتفاق وجرت عربة التأجيل إلى أكثر من موعد جديد يشبه السراب. ولأن نواياها هي أن تكون القمة مناسبة قد تساهم في إخماد نيران شارع يرفض نظام العسكر وعبر عن ذلك في كل الاستحقاقات التي جرت منذ دجنبر 2019 ، فإن الموعد الجديد الذي اقترحته وإمعانا في الانتهازية هو نونبر المقبل، أي أن يتزامن مع ذكرى اندلاع الثورة الجزائرية وجعل الانعقاد انتصارا على الرفض الشعبي لديكتاتورية المرادية. تنعقد أو لا تنعقد؟ لم تفلح جولات وزير خارجية الجزائر رمطان العمامرة بالعواصم العربية في إقناع قادتها بالمشاركة وبأن تكون تمثيليتها على أعلى مستوى. لكن تقدير أغلب هذه العواصم أن الطريق إلى القمة يمر أولا بأن تكون سماء العلاقات بالعالم العربي على الأقل بدون سحب كثيفة مما هو عليه اليوم انسجاما مع المادة الثانية من الميثاق التي تنص على أن الغرض من الجامعة هو «توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية…». ومن أكبر السحب في الجزء الغربي بالمنطقة علاقات الجزائر مع المغرب، فبقدر ما مدت الرباط يدها لجارتها الشرقية في أن تعيد هذه الأخيرة العلاقات الدبلوماسية التي قطعتها والإجراءات التي اتخذتها في سياق سعيها لامتصاص مشاكلها الداخلية، بقدر ما يصر تبون وشنقريحة ومؤسساتهما على التعبير عن العداء لبلادنا وجعلها مشجبا لأوضاعها الاجتماعية والاقتصادية المتردية من ندرة «شكارة» الحليب و«قنينة» الزيت إلى حرائق الغابات وتسليح جماعات معارضة… لم تستجب الجزائر إلى اليد الممدودة من طرف المغرب من أجل تنقية أجواء العلاقات وموعد القمة العربية على الأبواب، ولم تلتقط عن عمد الإشارات التي وردت كتأكيد لحسن نية الرباط في خطاب العرش في 30 يوليوز الماضي، حيث خصص جلالة الملك ثماني فقرات للعلاقات بين البلدين مجددا نداء المصالحة «إننا نتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد لإقامة علاقات طبيعية بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية والمصير المشترك…». بل إن النظام الجزائري كثف من حملة العداء على المغرب من خلال بث إشاعات وأخبار مغرضة عن مؤسساته الدستورية وافتعل المزيد من روايات مؤامرات وهمية تستهدفه. تنعقد أو لا تتأجل؟ اليوم يستقطب التأجيل عددا من العواصم العربية بالإضافة الى أن ثلث دول العالم العربي يعيش أوضاعا داخلية بعضها مسلح والبعض الآخر صراعات بين أجنحة حزبية… وهو ما يطرح السؤال: ما الجدوى من عقد قمة عربية تتلهف الدولة المضيفة إلى أن تستغلها لأغراضها الخاصة؟ وما قيمة نتائج قمة ترفض الجزائر بأن يكون السبيل إلى انعقادها تكريس علاقات الأخوة مع جيرانها؟؟ وبتأجيلها تكون الجزائر حصدت مرة أخرى إفلاسا دبلوماسيا وكسادا لبضاعة الوساطة التي ادعى تبون ولعمامرة أنها ستعيد بلدهم إلى الساحات العربية والإفريقية والعالمية..