قضى قرار وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة على أحلام عدد كبير من الشباب المغاربة ممن تجاوزت أعمارهم الثلاثين، مساهما في مضاعفة الاحتقان في صفوفهم وهم الذين كانوا يعدون العدة لتجاوز مباريات التربية والتكوين للهروب من شبح البطالة الذي يتربص بهم من كل الزوايا، فإذا بهم يصعقون بقرار اشترط بلوغ الثلاثين كحد أقصى لاجتياز مباريات التعليم، ووضع إجراءات للانتقاء القبلي لاجتياز المباريات الكتابية، كما اشترط أيضا عدم انتساب المترشح للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وغيرها من الشروط المجحفة . مباريات التعليم كانت تعتبر الجسر الوحيد لفئات عريضة وهشة من أبناء المغاربة لتحقيق طموحاتهم المشروعة لكن قرار بنموسى انتصب كجدار سميك أمام آمالاهم وصخرة أخرى هوت على أحلامهم فحطمتها لتتقاذفها رياح اليأس والإحباط والمستقبل الغامض، وهو الأمر الذي دفع عددا كبيرا من الطلبة والمجازين إلى تنظيم مسيرات احتجاجية بعدة مدن بالمملكة، كما أنه أشعل مواقع التواصل الاجتماعي التي شجب معظم روادها الشروط المجحفة التي تضمنها القرار خصوصا شرط السن الذي اعتبروه تمييزيا، مطالبين برفع شرطي السن والانتقاء رافضين الشروط الجديدة التي فرضتها الوزارة للمشاركة في مباريات توظيف الأطر النظامية للأكاديميات، الموزعين على أطر التدريس وأطر الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي. الشروط الجديدة التي أعلنت عنها الوزارة المعنية تتناقض مع ما جاء به النظام الأساسي لأطر الأكاديميات التي تنص المادة الرابعة منه على ألا يقل سن المترشح عن 18 سنة ولا يزيد عن 40 سنة، ويرفع الحد الأقصى لسن التوظيف إلى 45 سنة بالنسبة إلى الأطر التي سيتم ترتيبها على الأقل في درجة ذات ترتيب استدلالي مماثل للترتيب المخصص لدرجة متصرف من الدرجة الثالثة، كما أنها تعد خرقا للدستور، الذي ينص في الفصل 31 منه على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل، « على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: – الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي. – ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق.» مما يؤكد أن شرط السن لم تتم الإشارة إليه في الدستور للولوج إلى الوظيفة العمومية. وفي هذا السياق تساءلت حنان رحاب، البرلمانية السابقة وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي في تدوينة لها على الفيسبوك: «هل مذكرة الوزير ممكن أن تلغي قانونا أو مرسوما؟» مردفة أن المقربين من هذا الملف يعرفون الصراع الذي كان ينشب بين باطرونا التعليم الخصوصي والأكاديميات ومراكز التكوين بسبب أن عددا لا يستهان به من أساتذة التعليم الخاص يفضلون بعد نجاحهم في مباريات التعليم العمومي مغادرة التعليم الخاص، مستنتجة في نفس التدوينة أن «لوبي التعليم الخاص نجح في فرض شروطه على ما يبدو». وكان بلاغ لوزارة التربية،الجمعة، قد كشف عن الشروط الجديدة لاجتياز مهن التدريس، حيث أكد أن تحديد السن الأقصى لاجتياز المباريات في 30 سنة، يهدف إلى جذب المترشحات والمترشحين الشباب نحو مهن التدريس، وبغية ضمان التزامهم الدائم في خدمة المدرسة العمومية علاوة على الاستثمار الأنجع في التكوين وفي مساراتهم المهنية. مضيفا أن المباريات المبرمجة هذه السنة لتوظيف أطر الأكاديميات تندرج في صلب سياسة الارتقاء بالمنظومة التعليمية التي أكد عليها القانون الإطار 17-51، والتي جعلها النموذج التنموي الجديد في صدارة أولوياته ومثلما اعتمدها أيضا، بشكل صريح، البرنامج الحكومي. هذه المستجدات التي تتماشى مع الإصلاح الهادف إلى بلوغ النهضة التربوية المنشودة، حسب ما جاء في نص البلاغ، «تتمثل في وضع إجراءات للانتقاء القبلي لاجتياز المباريات الكتابية بناء على معايير موضوعية وصارمة بغية ترسيخ الانتقاء ودعم جاذبية مهن التدريس لفائدة المترشحات والمترشحين الأكفاء». مردفا أن «هذه المعايير تأخذ بعين الاعتبار الميزة المحصل عليها في الباكالوريا والميزة المحصل عليها في الإجازة وسنة الحصول على هذه الأخيرة». الوزارة اشترطت كذلك كوثيقة إلزامية لاجتياز مباريات التربية والتكوين رسالة بيان الحوافز»lettre de motivation»، وذلك من أجل تقييم الرغبة والاستعداد والجدية التي يبديها المترشحون والمترشحات بخصوص مهن التربية، وإعفاء حاملي إجازة التربية من مرحلة الانتقاء القبلي والذين سيكون بمقدورهم اجتياز الاختبارات الكتابية بشكل مباشر. ويروم هذا الإجراء تشجيع مسارات التكوين الطويلة في خمس سنوات من أجل دعم مهنة وظائف التربية والتعليم. وحسب بلاغ الوزارة فإن هذا التوجه سيساهم في الاستجابة إلى تطلعات وانتظارات المواطنين في ما يتعلق بالمدرسة العمومية وبمستقبل بناتهم وأبنائهم، كما أن الإجراءات الجديدة المذكورة تشكل محطة أولى في مسلسل الارتقاء بالتوظيف ودعم جاذبية مهن التربية.