نتصور أن الموت مع كورونا، يقدم نفسه كل مرة باسم جديد، وقد اختار هذه المرة اسم "دلتا" لكي يخاطب العالم ويتركه يلهث وراءه في كل جهاته. "دلتا"، كان في الأصل يسمى الفيروس الهندي، وبما أن ديناميات رمزية عديدة استهجنت ربط الفيروس في سلالته المتحورة بقارة الهند والهنود، فقد تم اللجوء إلى الرياضيات لتسميته من جديد (ومع تفصيل بسيط وفي كل مرة، ينبه إلى أن "دلتا"، هندي الأصل… ). قبله كان اللقاح هندي الأصل. "دلتا"، في شكل كتابته مثلث، قد يكون مستقيما أو مقلوبا، حسب الاستعمالات، و"دلتا" رمز قادم من كل اللغات، وفي اللغة الإغريقية التي تعولمت معها البشرية في العلم، تمثل الحرف الرابع... كما لو أن الذي سمى السلالة الجديدة، يحيل على المتحور الرابع لكوفيد التاسع عشر. في العلوم، يستعمل الرمز / الحرف "دلتا"، للترميز إلى الفرق بين قياسين، لأن أصله البعيد، يحيل إلى الفرق. نحن أمام وضع دولي مفارق، والمقارنة التي يجسدها الدلتا اليوم، هي بين وضع سيء وآخر قد يكون أسوأ. الإحصائيات تقول بأنه من قرابة مئة دولة، وفي بعض المناطق بلغت درجة انتشاره سرعة فائقة صارت معها البرتغال وإسبانيا والمملكة المتحدة، وهي دول لنا بها علاقات متنوعة، مدا وجزرا، بؤرا قاسية. درجة سرعة الانتشار، وصفها وزير الصحة الفرنسي أوليفيي فيران، أمس الجمعة، بأن متحور "دلتا" لفيروس كورونا سيكون "قريبا هو السائد" في فرنسا. وأوضح الوزير أن "هناك كل أسبوع نحو 50 بالمائة من حالات العدوى أكثر من سابقه". هل نسير نحو وضع ينذر بالخطر؟ وهذا ما نفهمه من بعض المسؤولين الدوليين في الصحة، فقد قال الدكتور ماتشيديسو مويتي، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإفريقيا "مرت إفريقيا بأكثر الأسابيع كارثية في تاريخ الأوبئة في القارة. لكن الأسوأ لم يأت بعد فيما تستمر الموجة الثالثة في الانتشار". في العالم، الوضع ليس بعيدا عن التطور السائد، حيث توجد قرابة 15 دولة في حالة ارتفاع مقلق للوباء، بسلالته الجديدة. في القارة العجوز أصبح "دلتا" يسمى "السلالة المتحورة التي تبعث على الخوف...". السلالات الأخرى، أصبحت أمامه تثير الانشغال ... فقط! الإشارة هنا إلى ما قدمته لنا المنظمة العالمية للصحة: ألفا، البريطاني وبيطا الجنوب إفريقي وغاما البرازيلي وقد تظهر سلالات أخرى، ولا شك، هي نفسها قد تنال قصب السبق وتزيح السيد "دلتا" عن منصة التتويج. ننتظر ايبسيلون epsilon الأمريكي، ولامبضا lambda البيروفي.. في دراسات المقارنة للسلالات اللغوية، ل"دلتا"، يذهب البعض إلى أن الرمز الهيروغليفي، الذي استوحيت منه "دلتا" الإغريقية يمثل … الباب! وقد يكون "دلتا" يسعى إلى أن يكون باب الجحيم، يستعيد أصله في اللغة ليسير بالعالم إلى أصله في الفزع الأول للفيروس، يريد أن يثأر من اللقاحات التي هزمت سلالته.. والدول التي استطاعت أن تغطي نسبة مهمة من التلقيح بين شعوبها أقل ضررا إلى حد الساعة. روسيا مثال قاس: روسي من أصل سبعة فقط تلقى التلقيح، لأسباب ثقافية وأسباب ذات الصلة بالثقافة، وهي تعرف نسبة وفيات صعبة من الدلتا، تحطم روسيا الرقم القياسي لذاتها في كل يوم.. وهي مع ذلك صانعة لقاح جيد جدا ..في البنغلاديش وضع مترد أكثر من الأصل، والحجر الشديد صار معطى ثابتا وتحديه يعني الموت.. نحن بالفعل على عتبة باب يفضي إلى الجحيم، بهذا المعنى! ما يطرحه المتحور الجديد هو درجة التمنيع التي تمنحها اللقاحات المستعملة إلى حد الساعة في مواجهة هذه السلالات المتحورة وعلى رأسها "دلتا"؟ لا أحد يمكنه أن ينبئ بقدرتها على تأمين الجسم البشري، في المقابل يقر الجميع بأن السلالات المتحورة وأولها "دلتا"، قادرة على تعطيل التمنيع الجماعي، بسرعة الانتشار والرفع من العتبة المطلوبة في تحقق المناعة الجماعية ( ترفع من 70 إلى 90 ٪...). النموذج الأسترالي يدعو إلى التمعن والقراءة، حيث تبدو وكأنها نجحت في استراتيجية صفر وباء، ولم تفقد من أبنائها سوى ضحيتين منذ .. أكتوبر. فلا يزال الحجر مستمرا ... ما بين التلقيح والتشديد في الحجر، تبدو بلادنا قد اختارت استراتيجية شقها الأول تقوية القدرة التلقيحية، وستتعزز بشكل كبير بعد التوقيع الذي تم أمام جلالة الملك، مقابل المسؤولية الذاتية للمواطنين في السهر على أنفسهم من جهة الوقاية، إذ صار من المسلم به أن الدولة لن تستطيع العودة إلى التشدد الاحترازي، كما في السابق، وسبق لملك البلاد نفسه أن حذر من خطورة الوضع في حالة التراخي.. وفي ما ثبت أن بلدانا أخرى تتحدث عن ضرورة فرض التلقيح الإجباري (روسياوفرنسا)، يبدو التعاطي والتجاوب مع التلقيح في المغرب قد تجاوز المواقف الحذرة والمشككة، وصار مطلب التلقيح مطلبا شعبيا واسعا. وهذه نقطة إيجابية في المشهد العام، الذي تتخلله ظلال واضحة من آفاق "الدلتا" الممكنة، آفاق الخطر والتوجسات الكبرى.. نحن أمام متحور سريع الانتشار بسرعة 50 مرة أكبر مما سبقوه، والتجمعات والتنقلات العشوائية تسمح بانتقاله. أمامنا العطلة الصيفية. أمامنا العيد. أمامنا الانتخابات. أمامنا الدخول المدرسي، وكلها مواسم صالحة لانتشار المتحور الجديد. المغرب، يجب ألا يضيع مجهوده الشامل في التحصين الوطني، في أسبوع أو أسبوعين. وزارة الصحة تحدثت، بوضوح، عن ارتفاع متسارع في عدد الحالات الجديدة المؤكدة، وفي عدد الحالات الحرجة، "الأمر الذي ينذر بانتكاسة وبائية جديدة في حال استمرار لا مبالاة المواطنين واستهتارهم وعدم تقيدهم بالإجراءات الوقائية والحاجزية"، وفق ما ذكره بلاغ لوزارة الصحة. ما هي السياسة المستعجلة؟ نحن في الانتظار! ...