كشفت صحيفة أمريكية تفاصيل خطة فرنسية قدمها الرئيس إيمانويل ماكرون، لنظيريه الأمريكي والتركي، لإخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا. وقالت صحيفة «بوليتكو» الأمريكية، في تقرير لها، إن الخطة تشمل جدولًا زمنيًا مدته ستة أشهر تقترح أولاً «سحب المقاتلين السوريين المدعومين من تركيا، يليها المرتزقة المدعومين من روسيا، والقوات التركية النظامية». ولفتت الصحيفة إلى أن الخطة المكونة من صفحتين تم تداولها لعدة أسابيع بين المسؤولين الدبلوماسيين في الدول المعنية، وفقًا لمسؤولين مطلعين على المحادثات. وقال مسؤولون للصحيفة، إن الرئيس الفرنسي طرح الفكرة مباشرة في الأيام الأخيرة على نظرائه في الولاياتالمتحدةوتركيا، حيث ناقش ماكرون الخطة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم السبت، في اجتماع مجموعة الدول السبع في إنجلترا، قبل طرحها على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الاثنين، في قمة الناتو في بروكسل. والهدف النهائي، بحسب الصحيفة، «زيادة الاستقرار في بلد يقع على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى ظهور تحديات الهجرة ومخاطر الإرهاب في أوروبا». ثلاث مراحل وبموجب خطة ماكرون، ستسحب تركيا أولاً المقاتلين السوريين الذين أرسلتهم إلى ليبيا في عام 2020، عندما طلبت حكومة طرابلس المساعدة في صد حصار من قوات حفتر، ويمكن أن تتم هذه الخطوة مطلع يوليوز. وستشهد المرحلة الثانية سحب روسيا لمليشياتها الخاصة من مجموعة فاغنر، وسحب تركيا قواتها، وقد يتم تنفيذ هذه الخطوة في شهر سبتمبر، لكن هذه الخطوة أكثر صعوبة، إذ إن القوات التركية تمت دعوتها إلى البلاد من قبل حكومة معترف بها دوليًا، أما الميليشيات الخاصة المرتبطة بروسيا فهي هناك بشكل غير قانوني، بحسب الصحيفة. وتقترح المرحلة الثالثة إعادة توحيد قوات الأمن الليبية المنقسمة بين أولئك الذين دافعوا عن حكومة طرابلس وأولئك الذين يقاتلون من أجل حفتر. وتعلق الصحيفة على هذه المرحلة بالقول، إن هذه الخطوة ستجعل الجيش تحت سيطرة حفتر وقواته، وهذه الحقيقة قد تجعل من الصعب بيعها لأولئك الذين يدعمون طرابلس. وشددت على أنه «يمكن اعتبار نتيجة المقترح بمثابة مكافأة لحصار حفتر الفاشل على طرابلس، وتهدد بتعزيز التصور القائل بأن فرنسا قريبة جدًا من حفتر، الذي كان الشريك المفضل للبلاد في قتالها ضد تنظيم الدولة والجماعات الجهادية في المنطقة». وأضافت الصحيفة أن اللاعبين الرئيسيين يحاولون ترسيخ وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أكتوبر الماضي بين الحكومة المدعومة من الأممالمتحدة في طرابلس، وخليفة حفتر، الجنرال الذي يسيطر على أراض في شرق ليبيا. وشددت على أن حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت في مارس الماضي، واعترف بها جميع اللاعبين الرئيسيين في ليبيا، لا تزال محفوفًة بالمخاطر، حيث يحتفظ حفتر بدعم عسكري كبير، ولا يزال المقاتلون المدعومون من تركياوروسيا موجودين في البلاد. وأكدت الصحيفة أن الفكرة وراء خطة ماكرون تكمن في الاستفادة من ثقل أمريكا واستخدام ذلك كوسيلة ضغط للضغط على تركياوروسيا لسحب القوات التابعة لهما. ولم ترد إدارة بايدن على الاقتراح الفرنسي الأخير، ولم توضح ما إذا كان بايدن سيناقش الخطة مع أردوغان أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن المسؤولين الأمريكيين أقروا بأنهم يعملون على تأمين انسحاب المقاتلين الأجانب من ليبيا. ويأتي الاقتراح بعد فشل خطتين سابقتين لإخراج المرتزقة، حيث تضمن وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر الماضي، بندًا يوجه جميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب إلى مغادرة البلاد في غضون 90 يومًا. لكن الموعد النهائي انتهى دون تحرك، وفي وقت لاحق تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارًا يدعو جميع الأطراف المعنية إلى سحب قواتها الأجنبية، ولكن تم تجاهل ذلك أيضا. توافق تركي- فرنسي ويعد الموقف الموحد والتوافق بين تركياوفرنسا بخصوص ليبيا، لأول مرة، لافتا، بالنسبة لبلدين لطالما اختلفا في كثير من الملفات الخارجية. وأكد وزيرا خارجية فرنساوتركيا، خلال لقاء مشترك دعم بلاديهما لخارطة الطريق في ليبيا، وحث الأطراف المعنية على ضمان احترام الانتقال السياسي والأمني والانتخابي في ليبيا، وتثبيت وقف إطلاق النار على الأرض، وفق بيان للخارجية الفرنسية. في حين أكد وزير خارجية تركيا، تشاووش أوغلو، أن «فرنسا تشارك بلاده في أولوية ضمان الاستقرار والوحدة السياسية في ليبيا، ودعم حكومة الوحدة الوطنية، وإعادة توحيد المؤسسات، وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وكذلك مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، بحسب مقال رأي له بجريدة «لوبينيون» الفرنسية. وشهدت العلاقات بين أنقرة وباريس احتقانا وتلاسنا بين الطرفين بخصوص ليبيا، ووسط اتهامات من الرئيس التركي لنظيره الفرنسي بممارسة الأخطاء في ليبيا، في حين اتهم إيمانويل ماكرون تركيا بأنها «تتصرف بمفردها في ليبيا بما يضر بمصالح الآخرين». من جهته، رأى وزير التخطيط الليبي السابق، عيسى التويجر، أنه «منذ تولي بايدن السلطة في الولاياتالمتحدة، ركزت استراتيجيته على إيقاف الحرب، والوصول إلى توافق سياسي، وإجراء انتخابات، وإخراج المرتزقة من ليبيا، وأوروبا وفرنسا عادة ما تخضع للسياسات الأمريكية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتدخل الروسي». وأشار خلال تصريحات إلى أن «فرنسا لم تفعل ما فعلته في ليبيا من دعم لحفتر دون ضوء أخضر من الولاياتالمتحدة، التي اختلفت سياستها الآن عن فترة ترامب، لذلك فإن الاتفاق التركي الفرنسي الجديد يأتي في إطار تنسيق قوى حلف «الناتو» في مواجهة التغلغل الروسي الذي بات يقترب من قواعده»، بحسب تقديره. وأكد عضو مجلس الدولة الليبي، عادل كرموس، أن «الدولتين طرفا نقيض في المسألة الليبية، ففرنسا داعمة وبقوة مشروع عسكرة الدولة من خلال الدعم اللامحدود سياسيا وعسكريا لحفتر، وتركيا داعمة للتوجه نحو بناء دولة مدنية، والدعم اللامحدود لأي سلطة مدنية»، وفق قوله. وأضاف: «أي تقارب بين الدولتين سيكون له الأثر الكبير في حدوث انفراجة سياسية في ليبيا، وما يتبع ذلك من استقرار أمني واقتصادي». في حين رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة صقريا التركية، خيري عمر، أن «هذا التقارب أو الموقف المتشابه بين تركياوفرنسا سيضعف البدائل الأخرى التي تعزز الصراع العسكري والاقتتال مرة أخرى، كما سيؤثر الأمر على حلحلة ملف المرتزقة في ليبيا، خاصة «الفاغنر» الروس، كما أن التنسيق أو لين الخطاب بين الطرفين سيساعد في حلحلة الأزمة الأمنية وجمع السلاح هناك». وأوضح أن «أغلب القوى جربت حلولا عدة، والآن الجميع اقتنع بأن سياق الحل السلمي والانتخابات هو الأوفر حظا والمستساغ، وهناك إشارات من قبل الولاياتالمتحدة بأن هناك تحالفا أوربيا أمريكيا بخصوص ليبيا، لكن هذا التكتل ستقابله عدة عراقيل، أهمها أن الموقف الأوروبي غير موحد، وكذلك وجود قوى إقليمية تريد التواجد في الملف»، كما رأى. حفتر وإرباك المشهد من جديد على صعيد آخر، أطلق خليفة حفتر في جنوب البلاد عملية عسكرية جديدة أثارت مزيدا من التكهنات والتساؤلات حول أهداف الخطوة ومدى تنسيقه مع السلطة التنفيذية الجديدة بصفتها القائد الأعلى للجيش الليبي. وأعلن حفتر إطلاق عملية عسكرية جديدة في الجنوب بهدف تعقب «الإرهابيين» وطرد عصابات الأفارقة المرتزقة، التي تهدد الأمن والاستقرار، وفق مزاعمه. وذكر المتحدث باسم حفتر في بيان أن «الحملة جاءت نظرا لتصعيد العصابات التكفيرية لعملياتها الإرهابية في الجنوب الغربي للبلاد، واستهدافها لموقع عسكري وأمني ورصد تحركاتهم من قبل الاستخبارات العسكرية، وجهت القيادة العامة وحدات من كتائب المشاة إلى المنطقة»، كما زعم. من جهته أعلن المجلس الرئاسي الليبي بصفته القائد الأعلى للجيش، السبت، حظر أي تحركات عسكرية في البلاد إلا بعد موافقته على ذلك. جاء ذلك في بيان صادر عن القائد الأعلى للجيش نشره المركز الإعلامي لعملية «بركان الغضب» عبر حسابه بموقع «تويتر». وقال البيان: «يحظر مطلقا إعادة تمركز الوحدات العسكرية مهما كانت طبيعة عملها، أو القيام بأي تحركات لأرتال عسكرية لأي غرض كان، أو نقل للأفراد أو الأسلحة أو الذخائر». وأضاف: «إذا استدعت الضرورة إعادة التمركز أو التحري لأرتال عسكرية لا يتم إلا وفق السياق المعمول به وموافقة القائد الأعلى (المجلس)». عسكريون وساسة رأوا أن «الهدف من هذه التحركات من قبل حفتر إرباك المشهد من جديد لذا تسبب الأمر في إحداث حالة غضب لدى عسكريي الغرب الليبي وتخوفات من إعادة حفتر الهجوم من جديد على العاصمة مستغلا قربه منها من الناحية الجنوبية». والسؤال الذي يطرح نفسه: ما أهداف حفتر من عمليته العسكرية الجديدة الآن؟ تواطؤ وإفشال الانتخابات من جانبه، أكد الضابط من الشرق الليبي عقيد سعيد الفارسي أن «أهداف حفتر من هذه العملية هي السيطرة على الجنوب كاملا قبل الانتخابات ليصبح محكما قبضته على رقعة كبيرة من الأرض ليتمكن من إفشال الانتخابات في حالة لم يشارك هو أو أحد أبنائه فيها». ورأى أنه «ربما يكون لرئاسة المجلس الرئاسي يد في هذه العملية حتى لو بالصمت على ما يفعله حفتر من تجاوزات، كما أن العملية جاءت بدعم من قبل الدول الإقليمية الحليفة لحفتر، ولربما تكون تحركاته ردا على تصريحات الرئيس الجزائري الأخيرة ليحاول إثبات أنه الأقوى وعلى الجزائر التعاون معه لا معارضته»، وفق تقديراته العسكرية. الصحفي والناشط من الجنوب الليبي، موسى تيهو ساي قال إن «العملية العسكرية الجديدة لحفتر تتم برئاسة ابنه صدام وأنه أراد بها فرض السيطرة الكاملة على الجنوب احتراسا من الخلافات التي نشبت مؤخرا بين الكتيبة 106 الموالية له وبين نجله صدام». وأضاف: «كما أن السيطرة على الجنوب لها هدف أهم لحفتر وهو سيطرته على أصوات الناخبين هناك ليتحكم في العملية الانتخابية المرتقبة خاصة أنه ستكون له اليد الطولى على مراكز الاقتراع ولن يسمح لوزارة الداخلية التابعة للحكومة بالتواجد أو التأمين»، بحسب توقعاته. وتابع: «حفتر يحاول إحراج السلطة الجديدة والتأكيد أنه لا يخضع لأحد، أما غضب العسكريين في غرب البلاد فهو طبيعي كونهم يرون في تحركات حفتر تهديدا لاتفاقية وقف إطلاق النار لذا هم الآن في حالة من الحذر والاستعداد والترقب لأي خطر قد يداهمهم، خاصة أن تحركات حفتر تنذر بمواجهات جديدة»، كما قال. لكن الباحث السياسي من الغرب الليبي، علي أبو زيد رأى أن «حفتر يريد أن يثبت لأنصاره أنه فوق السلطة الجديدة وغير معني بتعليماتها، وتحركاته في الجنوب تهدف إلى إعادة تموضعه في مناطق سيطرته من جديد في ظل غياب دور حقيقي للمجلس الرئاسي كقائد أعلى، وهذا يشير إلى احتمالية معاودة العمل العسكري في حال تعطل أو تعطيل خارطة الطريق». وقال: «لا أعتقد أن حفتر سيتحرك نحو الجنوب بناء على طلب وزير من حكومة الدبيبة، وانزعاج العسكريين في غرب ليبيا جاء نتيجة عجز المجلس الرئاسي عن القيام بمهامه وتخوفهم من العودة إلى مربع الحرب من جديد».