لا شك أن أمريكيين عديدين، وخاصة منهم الذين كانوا يتواجدون بالقرب من نصب 11 شتنبر، قد صلوا ورفعوا الدعوات للرب بأن «يبارك لله عبد اللطيف الحموشي god bless Hammouchi،» كما اعتادوا أن يتضرعوا لرب السماء بأن يبارك أمريكا.."God bless America" عبد اللطيف الحموشي، الذي يرأس مديرية حماية التراب الوطني، اقترن اسمه منذ مدة بمحاربة الإرهاب، إلى جانب فيالق الظل، التي تشتغل من أجل حماية التراب الوطني، كما يدل عليها اسمها. غير أن القصة التي كشفت عنها الصحافة الأمريكية منذ 19 يناير دفعت بحدودنا إلى أن شملت.. التراب الأمريكي، عندما قدمت ما يكفي من المعلومات للمكتب الفدرالي الأمريكي fbi لاعتقال جندي من بلاد العم« جو»، بايدن، كان قد هم بتفجيرات رهيبة في وقت رهيب. + في التوقيت: * أولا: من المحقق أن تتبع ومطاردة هذا الذئب المنفرد المسلح، الذي تسلل إلى وحدات الجيش الأمريكي، قد تطلب عملا ممتدا في الزمن، غير أن ليلة القبض عليه ذات مغزى رفيع لا يمكن أن ينساه الأمريكيون، من أبسط مواطن إلى الرئيس. ولا سيما منهم، كبيرهم جو بايدن. فهو لن ينسى أن عملية القبض على الإرهابي تمت ليلة تنصيبه رئيسا لأكبر دولة في العصر الحالي، أمريكا، وهو لن ينسى أن ذلك اليوم الذي انتظره، ومعه سكان كوكب الأرض جميعهم، بفارغ الصبر، كان يمكن أن يتحول إلى مأساة، تسيل الدماء فيه بلا هوادة وتحيا فيه كل آلام وفواجع 11 شتنبر 2001، مع سقوط البرجين منذ عشرين سنة. والواضح أن الجندي أراد أن يستغل الأجواء الأمريكية، والتخوفات التي رافقت أجواء التنصيب، لا سيما من جهة القلاقل ذات الصلة بغضب خصمه ترامب وأنصاره وتهديداتهم، لكي يضرب أمريكا في مقتل. * ثانيا تزامن هذا الفعل الرفيع، مع... حملة شعواء كان جهاز الأمن المغربي بقيادة مديره عبد اللطيف الحموشي، هدفا لها: -أ- انطلق جزء من الحملة من تراب الولاياتالمتحدة نفسها، ثم من داخل التراب الوطني عن طريق هجوم مشخصن وموجه، دفع الدولة المغربية وواجهتها الأمنية النظامية إلى اللجوء للقضاء في سياق الدفاع عن شرف المؤسسة، وأيضا في سياق الاحتكام إلى القانون ثقافة ومساطر… -ب- جزء آخر قادته دول الخصوم، ولا سيما، دولة الجيران، التي لم تدخر جهدا، مهما كان بسيطا، من أجل النيل منه ومن عناصره، كما أنها لم تدخر جهدا في البحث عن كل الأصوات مهما هزلت لكي يدبج أصحابها التحليلات حول تحول المغرب إلى دولة قمعية، كما لو أن كل مواطن فيها يحرسه بوليسي ويقف رجل أمن عند رأسه، كما قال ملك البلاد في أحد الخطب، وذهبت إلى حد الهذيان بالقول إن نظامنا تحول إلى رهينة بين يدي الجهاز موضوع الهجوم. ولم يكن الذين اتَّبعوا، بيننا وفي منابر حقوقية، يعرفون عمق الهجوم الذي يشنه الذين اتُّبِعوا.. ولا أهدافه، وقد سايره البعض منهم تقليدا أو طمعا أو خشية أو عادة..! -ج- تزامن هذا، مع أوركسترا مغلفة، أريد لها أن تكون عالمية، من بوابات متعددة، يبدو أن مرادها كان هو زعزعة الثقة في أجهزة صارت من مقومات الإشعاع المغربي دوليا وقاريا..بل صارت المعيار الأول، إلى جانب الديموقراطية والتنمية ، في العالم لتقدير الاستقرار، سياسيا كان أو جيواستراتيجيا! إنه هدف ثلاثي الأضلاع، يروم تشويه سمعة فريق أمني ناجح، وفيٌّ لأجندة بلاده، ويشتغل تحت سقفها المؤسساتي والدستوري.. استطاع أن يحقق للمغرب سمعة دولية معتبرة للغاية، بل استطاع أن يضع البلاد في خانة الدول الرائدة إقليميا ودوليا في مضمار اشتغاله، تعبر عنه شهادات التقدير الدولية (إسبانيا وفرنسا وأمريكا وهولاندا،نماذج حية ودائمة).. + في المعنى: – قد تكون القصة قصة جندي من جنود الإرهاب، في صفوف القوات الأمريكية، غير أن الإعلان عنها والإقرار بأن جهاز دولة «صغيرة» من إفريقيا، أنقذ دولة عظمى من ضربة إرهابية ذات مغاز ومعان لا تخفى، هو بحد ذاته مؤشر على حسم معادلة أكبر. والتزامن شرط، بما أن الأمر يتعلق بنصب 11 شتنبر، فنحن نتذكر بأن هذا التاريخ فتح الباب للكثير من الاستراتيجيات، منها دفاع الجزائر، الخارجة وقتها من عشرية سوداء من الحرب الأهلية، بأنها الأولى بالشراكة مع أمريكا والغرب في محاربة الإرهاب، وكان هدفها في ذلك هو أن تخرج المغرب من أي تعاون، صار قاعدة دولية في عقد الاتفاقيات والشراكات! والعملية الحالية، وغيرها ولا شك كثير منذ هجمات 11شتنبر والهجوم على البرجين، حسمت بالدليل الملموس، بالنسبة للرأي العام على الأقل المعادلة وأسقطت كل المجهودات التي أرادتها الدولة الجارة في إقامة محور دولي يمر عبر الجزائروواشنطن، في محاربة الإرهاب، وتقديم دولة الجزائر كدولة خبيرة ومركزية في الميدان... بطبيعة الحال، لم تكن أمريكا في حاجة إلى هذه العملية لتقدير عمل جهاز مغربي في ميدان صعب على الكثير من أجهزة الدول التي لها باع في المجال. فقد سبق لمدير المخابرات الأمريكية، السي آي إيه CIA، أن تقدم بعرض غير مسبوق، لمدير الديستي (DST)، يتمتع بمقتضاه بالجنسية الأمريكية وبالعمل في أقوى جهاز استخباراتي في العالم، حسب الملف الذي أنجزته أسبوعية جون افريك. وكان رد عبد اللطيف الحموشي هو رفض العرض، بالقول «ولدت مغربيا، وسأعيش مغربيا وسأموت مغربيا».. وهذا الولاء هو ما يفسر جزءا من الحرب التي شنتها بعض الجهات في الخارج ضده... وهو أيضا لم يمنع بأن تكون لبلادنا يد بيضاء على دولة عظمى، وخدمة لمشروع سلمي كبير في العالم. لقد أبانت أمريكا غير ما مرة، وفي فترات متفاوتة عن هذا الامتنان إزاء الجهاز وإدارته، عندما زار وزير خارجية ترامب بومبيو مقر المديرية، وأيضا عندما اعتبر سفير واشنطن بالرباط أن الحج إلى المقر إعلان رسمي عن التقدير الأمريكي.. من المحقق أن الأمريكيين سيرون في العملية هدية لا تضاهى، والمغاربة بدورهم، وفي هذه الظروف التي تتسم بالتساؤلات حول التوجه الذي ستتخذه السياسة الأمريكية ازاءنا وإزاء قضايانا المصيرية وأمام الهجمات الشرسة علينا، بعد الاعتراف الأمريكي بسيادتنا على صحرائنا، المغاربة بدورهم يعتبرون هذا العمل هدية من الجهاز وإدارته وأبنائه لبلادهم في وقت مهم للغاية. إن العالمية، في الأمن كما في الثقافة والاختراع والسياسة لا تتحقق وتخصب وتزهر إلا انطلاقا من التربة الوطنية، تربة البلد! ونحن أيضا نقول شكرا و الله والوطن والملك هم من يحسنون جزاءك..