- 1 فشل ( المشروع ) الإسلامي كان من النتائج المباشرة " للانتفاضات " التي عرفها العالم العربي منذ حادثة البوعزيزي في يناير 2011 ، تسلم الإسلاميين دفة الحكم ليجدوا أنفسهم ، لأول مرة ، في مواجهة مباشرة مع مسؤوليات التدبير الحكومي . حدث هذا في تونس مع تشريعيات أكتوبر 2011 التي أفرزت تحالفا ثلاثيا بقيادة حركة النهضة ، وفي المغرب عقب تشريعيات نونبر 2011 التي فاز بأغلبيتها حزب العدالة والتنمية . وهو نفس السيناريو الذي حصل بعد رئاسيات 2012 التي قادت الإخوان المسلمين إلى تسلم الرئاسة بمصر . لقد تمكنت حركة الإسلام السياسي بفضل رياح " الربيع العربي " من الوصول إلى صدارة المشهد السياسي . قد نختلف او نأتلف في تقييم هذا التاريخ المفارق للحركات الإسلامية ، لكن المؤكد أن حكم الأسلاميين من خلال التجارب الثلاث قد فشل في تحقيق " النهضة " الموعودة وفي توحيد المجتمع وفي تنزيل الوعود الانتخابية إلى أرض الواقع ، سنة من الحكم انتهت بخروج الشارع المصري وعزل الرئيس ، وفي تونس استمرت ظاهرة الاغتيال السياسي فسقوط حزب " النهضة " ، وفي المغرب تصدع التحالف الحكومي وتبخرت الوعود الانتخابية ودخول المغاربة قاعة انتظار باردة . 2- أسباب انهيار « البديل » الإسلامي يرتبط فشل الإسلاميين بطبيعة تصورهم للديموقراطية التي اختزلوها خلال ممارستهم للحكم كمعادل وحيد لصناديق الاقتراع ، حيث صارت الشرعية الانتخابية هي سندهم في الحكم كطريق للاستفراد ، وإلغاء المعارضة في التفكير والتدبير . ولذلك أصبح المشترك في خطابات الإسلاميين أنهم إفراز لصناديق الاقتراع ، وبالتالي فأي طعن في الحاكمين وسياساتهم هو طعن في الديموقراطية…ونتذكر أن معظم تدخلات عبد الإله بنكيران لم تخل من التشديد على أن الله اختار حزبه لقيادة البلاد واختاره لحل أزمات المغرب . ومعنى ذلك أن من " اختاره الله " لا ينبغي أن يتم انتقاده أو معارضته . وهذا كان هو سر نرفزة بنكيران كلما تناهى إلى علمه خبر مظاهرة أمام البرلمان أو احتجاج في قرية أو اعتصام بمعمل ….لأن هؤلاء في نظر بنكيران ، وفي نظر كل الإسلاميين ، يعاكسون إرادة الله ، ولا يعاكسون إرادة رجل سياسي قد يصيب وقد يخطئ …توظيف الميتافيزيقا لإفراغ الديموقراطية من مضمونها الحقيقي . في هذا الإطار، لا بد من استحضار مكون أساسي في فكر الإخوان المسلمين ، في كون الإسلاميين بشكل عام ، لا يؤمنون بفكرة الوطن الذي تحده جغرافية محدودة وسيادة مضبوطة ، بل هم مشدودون إلى فكرة يعتبرونها هي الأسمى والتي تفيد بأن الوطن هو الأمة الإسلامية. ولذلك اعتبروا ما جرى في مصر جرى في بيتهم الخاص . ونتذكر الإصرار الشديد لحركة التوحيد والإصلاح على تعبئة أنصارها للتظاهر بالمغرب ضد ما أسمته " الانقلاب على الشرعية " في مصر لا يفسر إلا بشيء واحد ألا وهو اعتقادها بأن ذهاب مرسي – رحمه الله – هو إيذان بذهاب حركات الإسلام السياسي من المقاعد الحكومية ، لدرجة أن شدة هلعهم وفزعهم من استحضار هذا المال جعلهم يبرمجون وقفات احتجاجية يوم عيد العرش بعدة مدن مغربية … أما ذريعة الشرعية التي يناضل الاسلاميون المغاربة من أجل استعادتها أسوة باخوانهم في مصر، فتعبر عن طبيعة فهم كل فروع الاخوان المسلمين للسياسة وللفكرة الديموقراطية ولنمط تدبير الحكم ، ذلك أن اصطفافهم المتأخر وراء العمل الديموقراطي الذي كانوا يكفرون منظريه لم يكن في الواقع سوى الجسر الذي يركبونه للوصول إلى الحكم ، ومن ثم الانقلاب عليه . حدث هذا في مصر حين استولى مرسي وجماعته في ظرف سنة على المناصب العليا وأقر الاعلان الدستوري القائم على الاستبداد وحاصر القضاء والاعلام والفن والثقافة ، وهو نفسه ما حدث في المغرب ، حين قامت حكومة بنكيران بإصدار قانون تنظيمي واحد ألا وهو التعيين في المناصب السامية لتتمكن من زرع أوتادها في الإدارة وبالقطاعات الحساسة وأيضا بتكذيب كل وعودها الانتخابية …. 3- تناقضات الخطاب الاسلامي اللصوصية والانتهازية بدت واضحة في في سلوك الإسلاميين منذ البدايات المبكرة . وحين وجدت الشعوب نفسها بين مطرقة الاسلاميين وسندان الديكتاتوريات ، تمسكت بحلم دس في عسله سم الحرص على الوصول إلى السلطة ، وحين تسنموا سدة الحكم ، ويا الغرابة ويا للفاجعة ، استخدموا نفس اساليب الديكتاتوريات من إقصاء وتهميش ، لكن بخبث يرتدي لبوس الدين / الزاد المخدر للبسطاء المنتظرين ربا يعدل في معاملتهم …وكانت وقاحتهم غير مسبوقة في ذلك . إذ لم يكد حبر كلمات شعاراتهم وخطاباتهم يجف حتى انقلبوا على كل شيء وتحولوا من قيمين على مصير شعب وأمة إلى مجموعة أو جماعة تقيس الناس بطول لحاهم وسبحاتهم ، وتصدر " فرمانات" التحريم والتحليل ناسفة عقودا من حياة تبدو قمة في المدنية والعلمانية والتواشج الاجتماعي قياسا بما سعوا إليه ونشره بين الناس . نعم لم ولن يكون منطقيا الحديث عن ديموقراطية اسلامية ، فعلى الرغم من أن جوهر وروح الأديان كلها واحدة، إلا أن رجالاتها وأوصياء لله على الأرض (كما يدعون ) لا يعترفون بآخر أبدا . دولة الخلافة التي ينادون بها كانت لزمن وأقوام وثقافة واقتصاد درست مظاهرها وانتهت صلاحية موجبات قيامها ، الدين جوهر ثابت بالمطلق ، والحياة كرة تدور وتدور ، فتتبدل أقوام ومعطيات وعلوم واكتشافات علمية …من الحمق تطبيق قواعد الماضي الثابت المنقضي على مستقبل متحرك ديناميكي حي . اعتقد أن وصول الإسلاميين إلى مبتغاهم كان مرحلة ضرورية ، لنكتشف ضحالة مشروعهم ، هذا إن جاز لنا تسميته بالمشروع . ففيما خلا كرسي السلطة ، لم يتمكنوا حتى الآن من تقديم مشروع واضح ومتكامل لدولة يؤسسونها ، ولم نر برامج أو خططا لحل مشكلات معقدة تعاني منها معظم الشعوب العربية من فقر وبطالة وأمية واحترام الفرد واحترام الفرص على أساس الكفاءة لا الولاءات . لا ديموقراطية على الأرض …فثمة ديموقراطية الأكثرية التي تجعل من الشعب أكثرية وأقلية …هناك لعبة ديموقراطية عبر صناديق الاقتراع …ما نحلم به أكبر وأنبل من لعبة الصناديق وكواليس السياسة …نطمح إلى دولة مدنية يتمتع فيها الجميع بحقوق المواطنة وواجباتها في ظل قانون لا أحد يقف فوق سطحه ، يكون رجال الدين فيها داخل معابدهم فقط . أنا ممن يؤمنون بفساد الرؤية العامة للاسلاميين، وأراها تتحمل عبء إخفاقهم وفشلهم …ولا أرى الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي سجلت بحق تجربتهم إلا انعكاسا لفساد هذه الرؤية …أو لنقل إنه الدم الفاسد الذي بثوه في برامجهم فسرى بأوصال المجتمع المؤسسية حتى أصابها بالمرض..لأن رؤية ، كرؤية الإسلاميين إلى مفاهيم القرن السابع أو العاشر الميلادي ، حتما ستفقد حياتها وحيويتها بفعل الزمن وعوامله المؤكدسة ، فالمفاهيم التي تسكن العقل تكبر والهرم وتشيخ وتموت ، وإن لم تكرم بدفنها تعرض العقل للخرف ، حالها كحال خلايا الجسد حين يعتريها النضوب ويئين الموت لا تعود قادرة على بث الحياة والحركة في الأوصال . وعوضا عن إكرام هذا الخرف وفصله عن الممارسة السياسية ، أصر الإسلاميون على الإبقاء عليه ، وتراءى لهم أن بث بعض مفاهيم الحداثة في خطابهم السلفي الماضوي من نوع المدنية ، الديموقراطية ، الشرعية الدستورية، سينجي حكمهم …ولكنهم لا يعرفون أن رش أفخر العطور الباريسية لا يستطيع أن يمنع هبوب الرائحة الكريهة من الميت…. تناقضات الخطاب الإسلامي هي التي هزت كرسي الاسلاميين ،فهو تارة خطاب فيزيقي يمارس السياسة في دور الرئاسة وتل أبيب ، ويدير تحالفاتها وصراعاتها الشرسة المنفلتة من عقال الأخلاق ، ويخضع لقوانين التغير ويأتمر بالنسبية…وتارة أخرى هو ميتافزيقي يحلق في عالم المثل ويأخذ مريديه إلى جنات السموات، يمارس الخطابة في المساجد والشوارع ، ويخضع المطلق والثابت والله لبرنامجه المعروض سياسيا… لذلك لا يستقيم أن نقف مع الذين يتباكون على الازدواجية الحداثية في الموقف من الحريات الفردية. والحرية الفردية قناعة ومكابدة ، وهي خط متواصل في التفكير وليست سوقا انتقائية نختار منها ما يلائمنا وقت الشدة فقط ، في هذه الحالة تصبح الحرية استنجادا بالعدل القيمي لتبرير انتهازية ايديولوجية مفضوحة . العالم تغير، والعالم العربي الإسلامي تغير كذلك . والتغير التاريخي ، لا يشكل في حد ذاته ، حجة على ضرورة فشلهم ، لكنه عامل أساسي . " وضع الإنسانية " التاريخي الحالي ، لم يعد مهيئا لقبول خضوع مطلق " لرقابة ايديولوجية " ، حتى ولو كانت " دينية " ، والإسلاميون لا يقترحون ، على المستوى السياسي والاجتماعي ، شيئا آخر ، الحرية لا تختزل بحرية الصلاة والصوم ، والتجارة ، حرية الشعوب اليوم عديدة ومتحركة . وهم لا يعرضون أمام الشعوب إلا حريات ساكنة وبائتة . إنها نوع من النكوص المطلق الذي لا يفي بحاجة أحد من المواطنين . " الحريات الحديثة " ، ويجب أن نصر على هذا التمييز ، لا تشبه في شيء الحريات الإنسانية العتيقة ، التي تدافع عنها حركات الإسلاميين السياسية . اليوم ، تحتاج الشعوب إلى حرية المعتقد، وحرية السفر، وحرية التعبير، وحرية التغيير، وحرية تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات والنوادي. إنها " الشعوب " بحاجة إلى حرية الفكر ، وحرية الجسد ، حرية المكان وحرية الزمان . والإسلاميون لا يعترفون بشيء من هذا ، وان فعلوا ، فلا ضامن لمستقبل ، ولا نعرف ما هي حدودهم الحقيقية للحرية . لنتعبد…ولنترك الآخرين يعيشون بحرية . والعدل أساس الملك . ولا عدل في المطلق . وبخاصة في المطلق الديني المحدد الوجهة والصفة مسبقا . 4- السياسة سياسة والدين دين في ظروف تاريخية عسيرة شجعت الدولة " الإسلام السياسي " في لبوسه الدعوي والحزبي ، ووفرت له شروط الاشتغال والانتشار بهدف مواجهة اليسار الديموقراطي… واستغل الإسلاميون " للتسرطن " في المجتمع … وستتنبه الدولة إلى خطر هؤلاء مع أحداث الدارالبيضاء المؤلمة في 16 ماي.2003 ؛ فتبين لها أنها تحصد ما زرعت… إن اليسار كان يؤطر الجماهير لتفجر حناجرها في التظاهرات الاحتجاجية، أما الإسلاميون فيدجنون هذه الجماهير لتفجر أجسادها… لقد تبين أن الاسلاميين تيار يسكن في المغرب لكنه يقيم روحيا في جغرافيا مفترضة هي إقامة الدولة الدينية في المغرب ، أي الطريق إلى أخونة العالم . وإذا كانت حركة التوحيد والإصلاح تقدم نفسها باعتبارها ثمرة اجتهادات الحركة الاسلامية المغربية، ونتيجة التجاوب بين اجتهادات الاسلاميين المغاربة وإخوانهم في الشرق ، وبرغم ذلك فإنها تؤكد على " مسافة تنظيمية من حركة الإخوان المسلمين "، وكذلك على مسافة من بعض اجتهادات هذه الحركة . إذا ما دققنا النظر في هذا القول على ضوء تاريخ الكيانين وهيكلتهما التنظيمية ، وكذلك على ضوء تقييم فترة ممارستها للحكم من خلال حزب العدالة والتنمية في المغرب ( نونبر 2012 إلى الآن ) وحزب الحرية والعدالة في مصر ( يونيو 2012 إلى يوليوز 2013 ) ، فسنجد أن هناك تماثلا بين الكيانين لا يخرج عن الإطار العام الذي رسمه حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في الثلث الأول من القرن العشرين . اعتنق العدالة والتنمية ، منذ نيله الشرعية وانخراطه في العمل السياسي داخل المؤسسات بفضل الراحل عبد الكريم الخطيب ، وبفضل الراحل الآخر ادريس البصري ، شعار الجبهة الوطنية المتطرفة في فرنسا وشعار كل الشعبويين في العالم كله " كلهم فاسدون " او " Tous pourris " وظل يقول لقواعده والمتعاطفين معه إن كل الأحزاب المغربية الأخرى مليئة بالمنافقين واللصوص والفاسدين والذين يملأون بطونهم بمال الفقراء ، والذين لا يراعون الله ولا يريدون دخول الجنة أبدا ولا يكترثون بالشعب المغربي إطلاقا . دخل الحزب معمعة العمل الحكومي والبرلماني، وشرع في اكتشاف ملذات الحياة ، وفجأة وجد المغاربة أنفسهم أمام زعيمه بنكيران وهو يمتشق المعاش تلو المعاش ، ويرفض التخلي عن المناصب الدنيوية الزائلة ، أو التي كان يصفها بأنها زائلة ، ويجلس في الدار يراقب الفيسبوك ولايفاوته ، ويطلق من خلاله رصاص الرحمة على نفسه أولا ، وعلى حزبه ثانيا ، وعلى عديد الشعارات التي أمطر بها الناس هو ورفاقه ، أو لنقل إخوانه ، في الحزب سابقا على امتداد عديد السنوات. آمنة ماء العينين لم تزل السترة عن رأسها فقط في باريس ذات نزوة ليست عابرة . آمنة ماء العينين عرت رأس العدالة والتنمية، وقالت لنا جميعا بصريح العبارة إن السياسة سياسة وإن الدين دين ، وأن الجمع بينهما لأجل نيل المناصب البرلمانية أو الوزارية عيب كبير وخطير.