يقال في المثل الشائع: ذاك الشبل من ذلك الأسد، وفعلا؛ فإن هذا المثل ينطبق على الراحل أنور الجندي الذي سكت قلبه فجأة عن الخفقان ليتركه جثة هامدة كأنه لم يكن من قبل، فهل كتب على هذه العائلة الجندية أن « تتوارث» الموت واحدا إثر آخر ومن دون استئذان؟ هو القدر المُقَدَّر علينا جميعا، إذ أننا لا نعرف متى نختفي عن الأنظار نهائيا، ولا في أي مكان، ذلك أن الموت لا يخبرنا مجيئه. ثمة عائلات نادرة في كل مجتمع تكاد أن تشذ عن هذه الصورة السائدة، أي ثمة شخص ما ، رجل أو امرأة كتب له أن يحمل دم سلالته بعد رحيلها عن الدنيا، كدليل على استمرارها في التاريخ، ها هو الطيب الصديقي وقد رحل منذ سنوات، و هاهي سلالته حاضرة في المشهد العائلي، ثمة إخوته وأبناؤه، ثمة ذكراه التي تتكرر كل سنة ، كذلك الأمر مع أنور الجندي، سيبقى حضوره الفني البارز شاهدا عليه . لكن من هو أنور الجندي الذي راج في السنوات الأخيرة كفاعل مسرحي جد متحرك هنا وهناك دون أن يرف له جفن؟ إنه ابن السلالة الفنية المعروفة، ابن الراحل حسن الجندي ذي الصوت الجهوري القوي وابن الفنانة فاطمة بن مزيان، الرزينة، الواثقة من نفسها، الفصيحة الواثقة فوق الخشبة وهي تشخص كائنات إنسانية أخرى. وبعيدا عن التأليف والإخراج والتمثيل، يبقى أنور الجندي وجها فنيا حاضرا باستمرار في المشهد العام للمسرح، لا حاجة بنا إلى ذكر عناوين أعماله، لكن حضوره البارز كافٍ لمعرفة مدى مستواه. هذا هو أنور : صديق حقيقي وحميم، لطالما جمعتنا موائدنا المشتركة في بيتي، وفي بعض المطاعم الرباطية الأخرى مما أضفى على علاقتنا بُعداً إنسانيا خاليا من المصلحة الشخصية الفائتة.