عند الحديث عن الإبستيمولوجيا عربياً فنحن حيال إشكالية قد لا تعرفها بقية مجالات الفلسفة مثل علم الجمال أو الفكر الأخلاقي أو الفلسفة السياسية. يستطيع أحدهم أن يتساءل: أي معنى للاشتغال في فلسفة العلوم إذا كانت ثقافتنا اليوم بيئةً لا تنشط فيها المعرفة العلمية إلا بالحدّ الأدنى؟ على الرغم من الحصار الذي يضربه سؤال كهذا على كل من يحاول الاشتغال بالإبستيمولوجيا عربياً، فإن عدداً من الباحثين قرّر أن يخوض المغامرة، سواء بالعودة إلى المرجعيات الغربية أو بمحاولة تأصيل الفكر الإبستيمولوجي في الثقافة العربية، ومن بين هؤلاء المفكّر المغربي محمد وقيدي الذي رحل عن عالمنا الجمعة الاخير ( 7 غشت 2020). بدأت رحلة وقيدي (مواليد 1946) بعمل بعنوان «فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار» (1980) استضاف فيه وقيدي أحد أبرز أعلام الإبستيمولوجيا في فرنسا، لكنه سرعان ما أظهر نزعة نحو سؤال الماهية حين أصدر في 1983 كتاب «ما هي الإبستيمولوجيا»، وهو عمل يمكن اعتباره خلاصة للفكر الإبستيمولوجي من أفلاطون إلى القرن العشرين، كما يقدّم فيه المفكّر المغربي قراءة نقدية لهذا التاريخ، وإضاءة للعلاقة التي تعقدها الإبستمولوجيا مع العلوم الإنسانية، وذلك من المواضيع المطروقة نادراً حتى في الغرب، على الأقل مقارنة بالاهتمام الذي يخصّصه الإبستيمولوجيون للعلوم الطبيعية. وسنجد هذا الانشغال بارزاً أكثر في عمل صدر في نفس السنة بعنوان «العلوم الإنسانية والأيديولوجيا « . لكن مساهمة وقيدي الفكرية لم تنحصر في تخصّصه الأكاديمي الضيّق، بل انفتح على مشاغل أوسع، أبرزها قراءاته في الفلسفة العربية المعاصرة، وهو موضوع غير مطروق إلى حد كبير؛ حيث يسود في الثقافة العربية اهتمام بالفكر الغربي – دراسة وإحالة – فيما يندر التطرّق للفكر العربي كموضوع مستقل بذاته. في هذا الإطار، صدر لوقيدي عملان أساسيان: «حوار فلسفي.. قراءة في الفلسفة العربية المعاصرة» (1985)، و»بناء النظرية الفلسفية: دراسات في الفلسفة العربية المعاصرة» (1990)، وفي هذين العملين يطرح أسئلة من قبيل: هل أنتج العقل العربي المعاصر فلسفة؟ ويقدّم رؤية لا تقوم على التأريخ بل على ما يسمّيه «الحوار الفلسفي»، وهو مساءلة القيم النظرية التي يقوم عليه كل اتجاه فلسفي. يخلص وقيدي إلى أن «تأسيس نسق فلسفي مرحلة لم يحن أوانها بعد» في الثقافة العربية، معتبراً أن أحد شروط ذلك هو تجاوز التقصير في فهم بنى الفكر الفلسفي ومواكبة تجدّد قضاياه ومناهجه. ضمن نفس الطرح حول قضايا الفكر العربي المعاصر والبحث في حدوده، يمكن أن نضع عملين آخرين؛ أحدهما من أشهر كتبه؛ «جرأة الموقف الفلسفي» (1999) ونذكر بالخصوص دراسته حول «الفكر الفلسفي في المغرب بين الاتباع والتأثر والتجديد». وأيضاً كتابه المشترك مع المفكّر التونسي احميدة النيفر، وقد حمل عنوان «لماذا أخفقت النهضة العربية؟» (2002) . انفتاح وقيدي لم ينحصر على آفاق البحث الفلسفي؛ حيث نجد له أعمالاً في مواضيع متعدّدة، كالتاريخ والسياسة والفكر التربوي، من ذلك: «كتابة التاريخ الوطني» (1990)، و»أبعاد المغرب وآفاقه» (1998)، و»التعليم بين الثوابت والمتغيرات» (1999)، و»التوازن المختل : تأملات في نظام العالم» (2000)، و»مكوّنات المغرب وسياسات» (2001( .