تفاجأ الأمريكيون بانتشار صور لشرطيين ركعوا على ركبة واحدة إلى جانب المحتجين، في أكثر الاحتجاجات المدنية انتشارا في الولاياتالمتحدة منذ عقود، إذ إن رجال الأمن دعموا وضعية مناهضة للعنصرية يندد بها الرئيس دونالد ترامب. وفيما يدفع الرئيس الجمهوري ترامب لقمع الاحتجاجات العنيفة في كثير من الأحيان على وفاة جورج فلويد، يتخذ ضباط الشرطة من نيويورك إلى لوس انجليس إلى هيوستن وضعية التضامن مع المتظاهرين الغاضبين على قتل رجل أسود غير مسلح أثناء توقيف الشرطة له. وصاح العمدة الأبيض لمدينة فلينت بولاية ميشيغن كريس سوانسون أمام مجموعة من المتظاهرين السبت»خلعت الخوذة ووضعت الهراوات. إلى أين تريدون أن نسير؟ سنسير طوال الليل». ثم ركع سوانسون على ركبة واحدة، وانطلق مع المحتجين وسط الهتافات. وتوقف العمدة لالتقاط صورة سلفي مع متظاهر أسود مشيرا بإبهامه للأعلى. وفي دي موين في آيوا، ركعت قائدة الشرطة دانا وينغيرت على ركبة واحدة أمام حشد من المتظاهرين مع ضباط آخرين وشرحت موقفهم قائلة «ننضم إليهم (المحتجين) بطريقة رمزية هذا أقل ما يمكننا فعله». وتبنى المتظاهرون المناهضون للعنصرية في جميع أنحاء البلاد الوضعية التي اشتهر بها ظهير كرة القدم الأمريكية السابق السابق كولين كايبرنيك الذي بدأ الركوع قبل عزف النشيد الوطني في العام 2016، للاحتجاج على وحشية الشرطة ضد السود والأقليات الأخرى. ونبذ اتحاد كرة القدم الأمريكية كايبرنيك بسبب احتجاجه الراكع، ما جعله والرياضيين الذين احتذوا بحركته موضع ادانة المحافظين بمن فيهم الرئيس دونالد ترامب. وفي مشهد مهيب تم التقاطه في نيويورك، ركع قائد الشرطة في المدينة تيرينس موناهان وشبك يديه مع اثنين من قادة الاحتجاجات فيما تم رفع الأسلحة لأعلى، كوسيلة لإظهار الدعم والغضب المشترك على مقتل فلويد. وعلق رئيس بلدية نيويورك بيل دي بلازيو على ذلك قائلا «لحظات كهذه تجعلني أعلم كيف سنجد سبيلا». وسجلت مشاهد مماثلة في فلوريدا وإلينوي وميسوري وجورجيا، وكذلك في العاصمة واشنطن. وتبنى سياسيون بارزون وضعية الركوع على ركبة واحدة، من المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن إلى عمدة لوس انجليس إريك غارسيتي، الذي ركع على ركبته مع مجموعة من الضباط أثناء تواجدهم مع المتظاهرين بالقرب من مجلس المدينة الثلاثاء. شهدت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد على مقتل فلويد في 25 أمايو، ضرب الشرطة للمحتجين وإطلاق الغاز المسيل للدموع أو الرصاص المطاطي على المتظاهرين، الذين تورطت أقلية منهم في النهب والتخريب في اوسع الاضطرابات العرقية انتشارا التي تهز الولاياتالمتحدة منذ عقود. وفي بعض الحالات، تبدو تصرفات الشرطة حقيقية تماما، مثل اي شخص يتضامن مع قضية مناهضة العنصرية. لكن في أحيان أخرى، أسفرت وضعية الركوع عن نزع فتيل التوتر المتزايد، ما أثار تساؤلات حول كونه مجرد تكتيك للتخفيف من تصعيد العنف. على سبيل المثال، خارج فندق «ترامب إنترناشيونال» في واشنطن ، ركعت مجموعة من رجال الشرطة كانوا على مواجهة مباشرة مع المحتجين الذين لم يكفوا عن الصراخ. في لوس انجليس أيضا، صرخ عناصر الشرطة طويلا في المتظاهرين قبل أن يركعوا واحد ا تلو آخر على ركبة واحدة فيما كان بعضهم يبتسم عند ملامستهمالأرض. وقال قائد الوحدة «تريدون منا أن نركع؟ سنركع لأننا هنا معكم». وفي العاصمة واشنطن، قال متحدث باسم الشرطة لوكالة فرانس برس إن قرار الركوع خارج فندق ترامب كان «طبيعيا في لحظتها ولم يكن أسلوبا متفقا عليه». وأفاد أيضا أن عناصر الشرطة «لا يواجهون إجراءات تأديبية» على سلوكهم الذي يعتبره كثيرون تحديا للسلطة. أجيال من التهميش الاقتصادي وتبدو مظاهر الثراء جلية في وسط واشنطن لكن الشاب جاستن مونرو الذي كان يقف بين حشد يتظاهر أمام البيت الأبيض للتنديد بوفاة جورج فلويد أثناء قيام الشرطة باعتقاله، لا يعتقد بأنه سيشارك يوما ما في هذا الازدهار. وقال مونرو الأمريكي من أصل إفريقي لوكالة فرانس برس «هذا ليس لفئة معينة من الناس. عدد كبير من هؤلاء الناس» مضيفا «لا يمكننا كسب هذا القدر من الأموال. لا يريدوننا أن نكسب مثل تلك الأموال». والشاب البالغ 25 عاما كان يعمل طاهيا في مطعم قبل أن يخسر وظيفته بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد. ويقيم في ناحية من العاصمة يفصلها نهر عن المكاتب الفخمة والمباني الحكومية في وسط المدينة. ويعتبر مونرو عنف الشرطة الذي أطلق شرارة الاحتجاجات في أنحاء البلاد، أمرا عاديا للأمريكيين السود وليس استثناء. وقال عن الشرطة «لا أحبهم» مضيفا «لا أحب أن أرى الكثير من أبناء عرقي يطلق عليهم النار من قبل رجال الشرطة». وأثارت وفاة فلويد في مينيابوليس تظاهرات عدة تطالب بالحد من ممارسة العنف تجاه الأمريكيين من أصل إفريقي، والذين أظهرت دراسات أنهم يواجهون خطرا أكبر للموت على أيدي رجال الشرطة. لكن انعدام المساواة التي يواجهها السود الأمريكيون أبعد من مسألة التعامل مع الشرطة وتتراوح من رواتب أدنى إلى صفوف انتظار أطول، فهيكل أكبر اقتصاد في العالم يهمش بدرجة كبيرة المواطنين السود. وترى كبيرة خبراء الاقتصاد في مركز جامعة جورج تاون حول التعليم واليد العاملة نيكول سميث «الأمريكيون من أصل إفريقي دائما ما كانوا مشاركين كاملين في اقتصاد الولاياتالمتحدة، لكنهم ليسوا متلقين كاملين». قبل وفاة فلويد تحت ركبة شرطي أبيض جثا على رقبته في أحد شوارع المدينة، كان فيروس كورونا المستجد يضرب الولاياتالمتحدة بشدة موديا بأكثر من 106 ألف شخص ومكبدا الاقتصاد خسارة 42 مليون وظيفة. وحتى المرض يميز: فالأمريكيون السود يمثلون 13,4 بالمئة من عدد السكان لكنهم يعدون 22,9 بالمئة من الوفيات بوباء كوفيد-19، بحسب مراكز الوقاية من الأوبئة. ونسبتهم مرتفعة أيضا في ما يتعلق بمعدلات البطالة التي سجلت في أبريل 14,7 بالمئة بالنسبة لجميع العمال لكنها بلغت 16,7 بالمئة بين السود الأمريكيين، بحسب وزارة العمل. والاقتصاد يحرم السود الأمريكيين من مزايا حتى قبل وقت طويل من أزمة الفيروس. فهم يحصلون على 73 سنت مقابل كل دولار يحصل عليه الأمريكيون البيض، فيما معدل الفقر بينهم أعلى بمرتين ونصف مقارنة بالبيض، وفقا لمعهد السياسات الاقتصادية للأبحاث. والهوة واسعة إلى حد أن بنك كليفلاند الاحتياطي الفدرالي قدر العام الماضي أن ثروة عائلة بيضاء عادية تزيد بنحو 6,5 بالمئة عن ثروة عائلة سوداء عادية — تقريبا ما كانت عليه في 1962. وفي سيناريو أكثر تفاؤلا، سيتمكن الأمريكيون السود من اللحاق بالبيض بعد 200 سنة. لكن بسبب الوباء، حذر الباحث الاقتصادي الكبير في بنك كليفلاند الفدرالي ديونيسيس أليبرانتيس في مقابلة من أن «معظم الفجوات ستتسع». وحتى بعد إلغاء العبودية منتصف القرن التاسع عشر، لا تزال أجيال من الممارسات والقوانين العنصرية التي تعزل السود في أحياء معينة وتحرمهم من الوصول إلى خدمات مالية، تغذي انعدام المساواة وتطارد مدنا أمريكية. وفيما يعد امتلاك منزل مفتاح بناء ثروة بين الأجيال، أظهرت دراسة لمعهد بروكينغز عام 2018 أن المنازل في أحياء نصف قاطنيها على الأقل من السود، تقل قيمتها بنسبة 50 بالمئة على الأقل عن أحياء لا يقطنها سود. ويمضي الأمريكيون من أصل إفريقي وقتا أطول للوصول إلى عملهم مقارنة بأي مجموعة أخرى، وفق دراسة لجامعة شيكاغو عام 2014 نظرا لأنهم يقيمون غالبا في أحياء لديها وظائف أقل وخطوط مواصلات أسوأ. وحتى اسم الشخص يمكن أن يسبب له الضرر، فقد أظهرت دراسة لباحثين في جامعتي تورونتو وستانفورد عام 2016 أن الأمريكيين من أصل إفريقي الذين يحاولون إخفاء عرقهم على سيرتهم الذاتية، يتلقون اتصالات من أرباب العمل تزيد بأكثر من مرتين عن الآخرين. وقال إيمانويل سانشيز الطالب الأسود الذي يكاد ينهي دراسته وكان يشارك في التظاهرة أمام البيت الأبيض «أنا بالتأكيد في موقع غير مؤات، مع انتهاء دراستي في الجامعة وكوني من أقلية». ورغم أن مجموعة من القوانين الفدرالية تمنع التمييز علنا، إلا أن الكثير من الأمريكيين السود يقولون إنهم يشعرون بأن التمييز جزء من الحياة اليومية. وقال ديفين براون الذي خسر وظيفة براتب جيد في مؤسسة اتصالات في سان دييغو بسبب الوباء «كوني إفريقي-أمريكي، كان علي التعويض بشكل مفرط في أمور كثيرة لأكون على قدر المساواة في المجتمع». وترى خبيرة الاقتصاد نيكول سميث أن الفجوة تقوض الامكانيات الاقتصادية. وتشير إلى دراسة لها تظهر أن مكاسب الأمريكيين السود يمكن أن تكون أعلى بمقدار 186 مليون دولار في حال كان تحصيلهم العلمي على نفس مستوى البيض ذوي المداخيل المرتفعة. واعتبرت سميث الفوارق «مجموعة متتالية من العنصرية المنهجية التي تقودنا حقا إلى ما نحن عليه اليوم» مضيفة «وربما تقودنا إلى هذا الغليان الذي نراه في أنحاء الأمة». صراع بين ترامب والمؤسسة العسكرية ويخيم توتر خطير على علاقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمؤسسة العسكرية بعدما رفض وزير الدفاع مارك إسبر دعوة سيد البيت الأبيض لنشر الجيش للسيطرة على الاحتجاجات بينما انتقدت شخصيات بارزة سابقة في البنتاغون بينها جيم ماتيس طريقة تعاطي ترامب مع التظاهرات. وشكل إعلان إسبر معارضته نشر جنود في الخدمة للسيطرة على الاحتجاجات المناهضة لاستخدام الشرطة القوة، مواجهة استثنائية مع القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد. وقال إسبر «لا أؤيد اللجوء إلى قانون الانتفاضة»، في إشارة إلى القانون العائد إلى العام 1807 والذي سعى ترامب لتفعيله بهدف نشر عناصر مسلحين من الجيش للسيطرة على المدن التي تشهد احتجاجات. وبعد ساعات، شن جيم ماتيس، سلف إسبر، هجوما على ترامب. وكتب «عندما التحقت بالجيش قبل حوالي 50 عاما، أقسمت على تأييد الدستور والدفاع عنه… لم أتخيل يوما أن الجنود الذين يؤدون اليمين نفسه، يمكن أن يتلقوا الأمر، مهما كانت الظروف، لانتهاك الحقوق الدستورية لمواطنيهم»، في إشارة إلى حق التظاهر. وأشار ماتيس الذي شغل منصب وزير الدفاع في عهد ترامب لعامين قبل أن يستقيل إثر خلافات مع الرئيس، إلى أن النازيين في ألمانيا آمنوا بشعار «فرق تسد». وقال «دونالد ترامب هو أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الأمريكيين، بل إنه حتى لا يد عي بأنه يحاول فعل ذلك». وأضاف «بدلا من ذلك، فإنه يحاول تقسيمنا». ودخل رئيسان سابقان لهيئة الأركان المشتركة — تشغل شخصيات عملت تحت أمرتهما أعلى المناصب في البنتاغون حاليا — على خط السجالات. وقال الجنرال المتقاعد مارتن ديمبسي، الذي كان رئيس هيئة الأركان العامة من العام 2011 حتى 2015 «أمريكا ليست ساحة معركة. مواطنونا ليسوا الأعداء». بدوره، كتب سلفه الأمريال المتقاعد مايك مولن «أشعر بقلق عميق من أن يتم إعادة توظيف عناصر جيشنا بينما يطبقون الأوامر الصادرة إليهم لأهداف سياسية». وعززت المعارضة الواضحة للرئيس من قبل شخصيات غير سياسية خطر حدوث شقاق في العلاقات المدنية والعسكرية. وقد يعني ذلك أيضا أن منصب إسبر على المحك. ورفضت الناطقة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني الرد على مسألة إن كان لا يزال يحظى بثقة ترامب كاملة. وتهز هذه التطورات فعليا الصورة التي أصر ترامب عليها مرارا بشأن تحالفه مع عناصر الجيش، وهو أمر يرو ج له في دعاياته السياسية كمؤشر على صلابته. وظهرت بوادر المقاومة ضد ترامب منذ الأسبوع الماضي عندما هدد بإرسال قوات نظامية مسل حة، بدلا من الاكتفاء بجنود الاحتياط من عناصر الحرس الوطني، لوقف الاحتجاجات التي أعقبت وفاة شخص من أصول إفريقية يدعى جورج فلويد أثناء توقيفه. وبدا إسبر متفقا مع الرئيس عندما أمر بإرسال 1600 عنصر من الشرطة العسكرية إلى منطقة واشنطن للتأهب في حال ازدادت أعمال الشغب، قبل أن يدعو حكام الولايات «للسيطرة على ساحة المعركة». وعندما ظهر إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي إلى جانب ترامب الاثنين لالتقاط صور تذكارية في كنيسة قرب البيت الأبيض، بعد دقائق على إخلاء قوات الأمن المنطقة من المتظاهرين، بدا أنهما متفقان مع رغبة ترامب نشر الجنود. لكن وزير الدفاع الأمريكي تراجع عن موقفه على وقع الاتهامات بأنه يحو ل الجيش إلى أداة سياسية في أيدي ترامب. وأكد إسبر بحزم معارضته استخدام جنود في الخدمة للتعامل مع المحتجين. وقال للصحافيين في البنتاغون إن «على خيار استخدام جنود في الخدمة أل ا يكون سوى الملاذ الأخير وفقط في الحالات الأكثر خطورة». وأضاف «لسنا في وضع كهذا في الوقت الراهن». وفي مسعى لتوضيح مواقفهم، أكد إسبر وميلي وغيرهما من كبار مسؤولي البنتاغون للجنود أنهم أقسموا للدفاع عن الدستور الأمريكي وخصوصا الحق في حرية التعبير. وقال المتحدث السابق باسم البنتاغون ديفيد لابان إنه لم يشهد قط موقفا معارضا على هذا القدر لسيد البيت الأبيض خصوصا من قبل شخصية بمقام ماتيس. وقال لابان من «معهد سياسة الحزبين» لفرانس برس إن «الرئيس سي س الجيش بطرق غير مسبوقة». وأضاف أن إسبر وميلي «تأخ را كثيرا وسمحا بتفاقم الوضع». وتابع «خلال هذا الأسبوع، خسرا بعض الثقة من القوات ومن الشعب الأمريكي» معا. وشدد على أن ماتيس وديمبسي ومولن لم يحاولوا تغذية تمرد ضمن صفوف الجيش، لكنهم ارتأوا أن سمعة المؤسسة العسكرية في أوساط الشعب الأمريكي على المحك مشيرا إلى أن الوضع «كان يتفاقم».