تتميز الأعمال الأدبية، الإبداعية منها والتحليلية، للكاتب الإسباني المعاصر خوان غوتيصولو بأنها تستغل الفضاء والإنسان المغربي في إشكالية البحث عن الهوية الإسبانية من منظور خاص. ماهي يا ترى التمثلات العامة للمغربي المسلم في الوعي الجماعي الإسباني؟ وكيف يرد خوان غويتيصولو Juan Goytisolo على مجموعة من الطروحات العنصرية والإقصائية للعنصر المغربي، العربي والمسلم في تكوين تاريخ وحضارة إسبانيا؟ في طنجة تعرف شخصية الراوي الكاتب انفصاما حقيقيا ويتجلى ذلك في انقسام خطابه بين ثلاثة ضمائر مختلفة: أنا، أنت، هو. “أنا” هو الكاتب في طنجة سنة 1965 بكل مكوناته الشخصية. “هو” يحيل على الطفل والماضي الشخصي قبل سنة 1965 ، أي قبل أن تتأزم الحالة النفسية للراوي الكاتب ويتخذ قرار القطيعة مع الماضي. أما “أنت” فهو الآخر والذات أيضا، ذلك الإسباني الذي يظل سجين أفكاره وأحكامه الجاهزة عن المورو. إن ضمير المخاطب يمكن الراوي البطل من توجيه خطاب عنيف إلى ذاته وإلى الآخر أيضا، على اعتبار أنه شخصية انفصامية ومركبة. لهذا، نلاحظ أن الراوي الكاتب يغادر إسبانيا ويتموقع في الضفة الأخرى، متخذا لنفسه مسافة جغرافية وتاريخية ونفسية تمكنه من محاسبة الذات وتوجيه اللوم والعتاب دون حرج أو رقابة إلى ذوي الرحم وبني الجلدة. طنجة هي المكان المواتي لهذا الغرض، فمن هذه الأرض انطلقت شرارة الخيانة التاريخية التي مكنت المورو من احتلال إسبانيا وفي هذه الحاضرة يلتقي منبوذو العالم ومثقفوه المهمشون. نستنتج مما سلف أن طنجة، كرمز تاريخي وفضاء روائي، ترتبط لدى خوان غويتيصولو بمجموعة من الاقتناعات : في رواية “مطالب ضون خوليان” طنجة فضاء واقعي ورمزي. في هذا الفضاء يسترجع الراوي طفولته لينبذ عائلته وكل القيم التي تربى عليها في ظل النظام الفرنكاوي. إنه فضاء يقوي لديه من جهة إحساسا بالاستيلاب تجاه النفاق الرسمي للمجتمع الإسباني المتقوقع على ذاته، ومن جهة أخرى تعاطفه مع المسلم المغربي. يستغل الكاتب أسطورة ضون خوليان كخيانة عظمى ليصب كل غضبه على مقومات الحضارة والرموز الرسمية الإسبانية. استنتاجات من خلال هذه القراء الخاطفة في كتاب وقائع إسلامية ورواية مطالب الكونط ضون خوليان، يبدو أن الكاتب يتبنى استراتيجية تاريخية وثقافية ترمي إلى تكسير كل الكليشيهات التي ترسخت في ذهنية الإنسان الإسباني: يرى خوان غويتيصولو أن المعاينة المباشرة للواقع المغربي لاتخلف لدى الإسباني تغييرا جذريا في تصوره للآخر. الشخصيات التي تتحرك في فضاء طنجة وفاس ومراكش ليست مغربية من لحم و دم، وإنما هي أشباح تشغل بال الإنسان الإسباني ومخياله. تبقى الثنائية إسلام/غرب شيئا قارا في هذه النصوص كل هذا الخطاب العنيف موجه أحيانا للإنسان الإسباني والغربي. وعلى العموم، يمكن التأكيد على أن خوان غويتيصولو لا يكتب نصوصا روائية عن المغرب والمغاربة، بل يتخذ من الفضاء والشخصيات المغربية نماذج ترعب المخيال الجماعي الإسباني ليرد على كليشيهات مترسخة في الذهنية الإسبانية. ويشكل هذا الطرح الجديد للسرد مناسبة لإعادة قراءة التاريخ الإسباني ومحاسبة الذاكرة الجماعية. فالمغاربة ليسوا موضوع روايات خوان غويتيصولو وإنما ذريعة تاريخية وراهنة يستعملها لطرح أسئلة على الذات. تعتبر نصوص خوان غويتيصولو أنجع وسيلة لإنتاج الخطاب المضاد للهيمنة الحضارية الغربية، ليس فقط لأنه نابع من أهله ولكن لأنه خطاب يستعمل سلاحا أدبيا فعالا: السخرية و”الغروطيسك”. وتبين هذه النصوص أن ما يسمى صراعا بين الشرق والغرب ليس بالضرورة صراعا حضاريا، لأن الصراع الحضاري يقتضي معرفة جيدة بالآخر قصد تجاوزه أو إقصائه، بل تؤكد على أن هذا الصراع يقوم أساسا على الجهل بالآخر. إنه فقط صراع جهل و ليس صراعا حضاريا. (انتهى)