منذ بداية الأزمة، أحدثت لجنة اليقظة الاقتصادية في إطار التدابير والإجراءات الاستباقية التي اعتمدتها بلادنا لمواجهة التداعيات والانعكاسات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لجائحة فيروس كورونا « كوفيد – 19» على الاقتصاد الوطني، والتي ينسق أشغالها وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، الوافد إلى الحكومة من القطاع البنكي. حيث قررت منذ أول اجتماع عمل عقدته يوم الإثنين 16 مارس 2020 تأجيل سداد القروض البنكية لفائدة المقاولات، وفي اجتماعها الثاني يوم الخميس 19 مارس 2020، اتخذت تدابير لفائدة المأجورين، من بينها تمكينهم من الاستفادة من تأجيل سداد القروض البنكية (قروض الاستهلاك وقروض السكن) إلى غاية 30 يونيو 2020، وأخرى لفائدة المقاولات والمقاولات المتوسطة والصغرى والمقاولات المتوسطة والصغيرة جدا والمهن الحرة التي تواجه صعوبات، من قبيل تأجيل سداد القروض البنكية وتلك المتعلقة بقروض الإيجار حتى 30 يونيو بدون أداء رسوم أو غرامات، وتفعيل خط إضافي للقروض تمنحها البنوك ويضمنها الصندوق المركزي للضمان، وفي اجتماعها الخامس يوم الإثنين 20 أبريل 2020، أعلنت في إطار التدابير الجديدة عن وضع قرض بدون فائدة رهن إشارة المقاولين الذاتيين المتضررين من أزمة جائحة فيروس كورونا «كوفيد 19» يمكن أن يصل إلى 15 ألف درهم، باستحضار آلية الضمان التي وضعتها الدولة من خلال صندوق الضمان المركزي، أما الاجتماع السادس المنعقد يوم الأربعاء 29 أبريل 2020، فقد عملت من خلاله على توسيع الاستفادة الفعلية من آلية «ضمان أكسجين» لفائدة المقاولات العاملة في قطاع العقار. كل هذه الإجراءات المتخذة من طرف لجنة اليقظة الاقتصادية، التي يكتسي عملها طابعا رسميا، وتضم في عضويتها مؤسسات وهيئات وطنية مستقلة، ذات كفاءة عالية، تؤثر على العمل البنكي، من بينها، وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وبنك المغرب، والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، مرد تنفيذها إلى الأبناك، وقد لقيت ترحيبا من طرف كل مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، في إطار انخراطها في المجهودات الوطنية المبذولة من أجل الحد من تفشي فيروس كورنا كوفيد 19، ومن تداعياته على الاقتصاد الوطني، إلا أن ترجمتها على أرض الواقع، كانت شيئا آخر، حيث وصف الوافدون على مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، سلوكها ب «جشع الأبناك»، لما لجأت إلى الاقتطاع من الدعم المخصص للأفراد من الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد 19، بل منها من لجأ إلى خصم مصاريف سابقة عالقة بذمة زبائنها من هذا الدعم الموجه خصيصا للفئات التي تعاني من الهشاشة من أجل الانضباط للحجر الصحي. أما بشأن قروض الاستهلاك المؤجلة لمدة ثلاثة أشهر بناء على طلب، والقابلة للتجديد مرة واحدة بناء على طلب تأجيل معلل، فقد عملت على إعادة جدولة الديون المترتبة عليها والرفع من فوائدها بناء على قبولها تأجيل التسديد، بدل اعتماد نظام التوقيف المؤقت للاستخلاص دون مساس بالفوائد، وسارعت إلى وضع عقود نموذجية باللغة الفرنسية، رهن إشارة كل من يطلب تأجيل التسديد، تتضمن إجراءات تكبل الذمة المالية للزبون، مع التأكيد على تمديد ضمان صندوق الضمان المركزي بالنسبة لبعض أنواع القروض، وتمديد تغطية تأمين الوفاة والعجز لنفس الفترات، وإلغاء الحق في التراجع الممنوح لمدة سبعة أيام في إطار حماية المستهلك. أما فيما يخص المقاولات المتضررة طلبت منها رزمة من الوثائق بشكل يتنافى مع توجه الدولة نحو الرقمنة، ومجموعة من الشروط التعجيزية، ورفعت من الفائدة، بل حتى عملية «ضمان أوكسجين» الذي تم الاتفاق على منحها بسعر فائدة مطابق لما هو معمول به لدى بنك المغرب، فقد تجاوزته بمبرر تغطية المصاريف، حيث إن تأجيل القروض المتوسطة وطويلة الأمد بالنسبة للمقاولات لمدة ثلاثة أشهر قابل للتجديد مرة واحدة، بناء على طلب معلل، يشترط فيه التمديد لنفس الفترات من طرف ضمان صندوق الضمان المركزي على بعض أنواع القروض، وتمديد تغطية التأمينات الممنوحة لها، مع إخضاع التأجيل للدراسة، الذي قد يحظى بالموافقة، وقد يرفض. وبالمقابل، وحماية لسيولتها النقدية، سارعت إلى التنبيه لحاجيات الأبناك حتى يتسنى لها الاستجابة لعمليات السحب الكثيرة وغير المتوقعة للزبناء التي سجلت في بداية الحجر الصحي، وطالبت بتخفيف نظام إعادة التمويل لدى بنك المغرب، وخفض معدل الحساب المدين من 7% إلى 2 %من أجل ضخ السيولة، مع تحديد عتبات المبالغ من قبل بنك المغرب، وخفض الاحتياط النقدي لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد إذا استمر ضغط السيولة، إضافة إلى تخفيف بنك المغرب للقواعد الاحترازية، كما طالبت بالتزام الدولة وكل الفاعلين بأداء التزاماتهم المالية، لفائدة المقاولات الصغيرة والمتوسطة حتى تتمكن من تسديد ما عليها. إن تصرفات الأبناك هاته، لا تحمل في طياتها أي تضامن أو تعاون، بل هذا يسمى بتحقيق الربح على حساب الظرفية الحرجة التي تمر منها بلادنا، وعدم الإنصات إلى نبض المواطنات والمواطنين المطالبين بانخراطها الجدي في هذه الجائحة، بالرغم من كون القطاع البنكي هو حجر الزاوية، في كل عمل تنموي، لما يتميز بالقوة والدينامية والمهنية، ويساهم في دعم صمود وتطور الاقتصاد الوطني. إن هذه التصرفات غير المسؤولة، هي التي تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني، حيث يتراجع تطور ونمو الادخار في الأبناك، ويتم اللجوء إلى الاكتناز والتخزين في البيوت خارج القنوات المالية الرسمية، بالرغم من الإصلاحات التشريعية التي أقدمت عليها بلادنا في السنوات الأخيرة، وفي مقدمتها تلك التي تضمنها قانون المالية برسم السنة الجارية. وبصيغة أخرى، إن الأبناك لن تسمح لنفسها بخسارة ولو بدرهم واحد مع المواطنات والمواطنين، تطبيقا للمقولة الشهيرة «البنك كالمنشار غادي واكل، راجع واكل». وبسبب هذا الانطباع السلبي للمواطنات والمواطنات تجاه تصرفات القطاع البنكي، سبق أن نبه له جلالة الملك، في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجارية يوم الجمعة 10 أكتوبر 2019، قائلا «والمغرب يتوفر، والحمد لله، على قطاع بنكي، يتميز بالقوة و الدينامية والمهنية، ويساهم في دعم صمود وتطور الاقتصاد الوطني…. ورغم ذلك، فإنه لايزال يعطي أحيانا، انطباعا سلبيا، لعدد من الفئات، و كأنه يبحث فقط عن الربح السريع والمضمون. وهو ما يتجلى مثلا، في صعوبة ولوج المقاولين الشباب للقروض، وضعف مواكبة الخريجين، وإنشاء المقاولات الصغرى والمتوسطة»، مضيفا «أعرف جيدا أنه من الصعب تغيير بعض العقليات البنكية؛ كما سبق أن أكدت على ضرورة تغيير العقليات الإدارية، ووضع حد لبعض التصرفات، التي تعيق التنمية والاستثمار .لذا، نحث القطاع البنكي الوطني على المزيد من الالتزام ، والانخراط الإيجابي في دينامية التنمية، التي تعيشها بلادنا، لاسيما تمويل الاستثمار، ودعم الأنشطة المنتجة والمدرة للشغل و الدخل». طبعا، وفي إطار اشتغال لجنة اليقظة الاقتصادية على تنزيل التوجيهات الملكية، وتفاعلا مع ما عرفته الأسابيع المنصرمة من انتقادات واسعة للقطاع البنكي، قررت في اجتماعها السابع، المنعقد يوم أمس الجمعة 08 ماي 2020، بالنسبة للأفراد الذين تقلص دخلهم بسبب حالة الطوارئ الصحية المقررة، أن تتحمل الدولة والقطاع البنكي التكلفة الكاملة للفوائد العرضية الناتجة عن تأجيل سداد قروض السكن والاستهلاك للفترة الممتدة بين مارس ويونيو 2020، ويتعلق الأمر بالأجراء الذين لديهم أقساط شهرية قد تصل إلى 3.000 درهم بالنسبة لقروض السكن و1.500 درهم بالنسبة لقروض الاستهلاك، بما فيها القروض التي قدمتها شركات التمويل. أما بالنسبة للمقاولات، ومن أجل توفير الشروط اللازمة لاستئناف سريع لأنشطتها، قررت وضع آلية جديدة وسهلة التنفيذ والتي تغطي مجمل أنماط المقاولات المكونة للنسيج الوطني، ومراجعة آلية «ضمان أوكسجين» على أن لا تكون هناك أية ضمانات مع تمديدها إلى 31 دجنبر 2020. وبهذا الإجراء الجديد، تكون الأبناك قد تمكنت من إدخال الدولة في أداء بعض الأقساط لفائدتها، وفق المقرر الأخير للجنة، وبالتالي التوصل بها من اعتمادات الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد 19. إنه سؤال المواطنة من جديد.