أسماء سلامة تعيد تركيب فصول هذه القصة الدرامية منذ بدايتها للاتحاد الاشتراكي في نفس المستشفى تتواجد الأم والبنت والحفيدة والأقارب، ونسمع خبر وفاة الجدة بعيدا عن أعيننا، حكاية من الصعب تخيلها فما بالك أن تعيشها
عائلة بأكملها تقريبا ابتليت بهذا الوباء والبلاء، حيث وجد أفرادها أنفسهم داخل نفس المستشفى بمدينة سطات، ومع ذلك لم تقنط من رحمة الله، وظلت متفائلة منذ أن سجلت أول حالة في صفوفها، ويتعلق الأمر بالجدة التي كانت في عقدها الثامن، التي واجهت فيروس كورونا بإيمان كبير، ووضعت نفسها رهن إشارة مشيئة الله، بقيت في مستشفى الحسن الثاني بسطات، لمدة يومين في العناية المركزة، قبل أن يتم نقلها إلى الدارالبيضاء، حيث بقيت هناك عشرين يوما تصارع هذا الوباء، قبل أن تسلم روحها الطاهرة إلى بارئها، وتدفن بمدينة الدارالبيضاء، بعيدا عن أعين فلذات كبدها، الذين كان أغلبهم يجابه هذا العدو المتخفي، بمستشفى الحسن الثاني بسطات. بلغ عددهم 21فردا، ربما هي أول عائلة في المغرب بهذا العدد تسقط ضحية هذا الوباء التاجي، ورغم ألم فراق الجدة، لم يعترض أحد على مشيئة الله، واكتفوا بالتعازي بينهم داخل المستشفى وخارجه عبر الهاتف. الآن تعافى العدد الأكبر من هذه العائلة السطاتية، ومن تبقى هو الآن يتماثل للشفاء، فيهم الجدة والحفيدة والأخ وغيرهم. حكاية من الصعب تخيلها، فما بالك أن تعيشها، لكن التفاؤل والصبر والإيمان بقضاء الله وقدره، جعل أفراد هذه العائلة يتخطون هذا الامتحان الجماعي، وكذلك بفضل العناية التي أولاها لهم الطاقم الطبي المدني والعسكري بمستشفى الحسن الثاني بسطات. جريدة الاتحاد الاشتراكي، تعيد تركيب فصول هذه القصة الدرامية منذ بدايتها، مع أحد أفراد هذه العائلة، الأمر يتعلق بأسماء سلامة، التي تنتمي هي الأخرى إلى قطاع الصحة، حيث تشتغل بمصحة الزيتون بسطات، وتتواجد جنبا إلى جنب مع ابنتها ذات الخمس سنوات، ومع والدتها وإخوانها وباقي أفراد عائلتها الذين وصل عددهم إلى عشرين فردا، بالإضافة إلى الجدة التي فارقت الحياة بعيدا عن مسقط الرأس والهوى سطات.
اختارت أسماء سلامة سرد هذه الحكاية من داخل مستشفى الحسن الثاني بسطات، والغاية من ذلك، هي دفع الناس إلى أخذ العبرة والدروس، لعل وعسى يكون في ذلك موعظة للناس جميعا، بداية القصة ، تقول أسماء سلامة، انطلقت مع إصابة جدتها ذات 84سنة، التي أصيبت بهذا الداء، وكنا في بادئ الأمر نعتقد أن الأمر مجرد نزلة برد، سرعان ما تتشافى منها، لذا تناولت الدواء الخاص بذلك، وبقيت على هذا الحال مدة أسبوع، دون أن يتحسن وضعها الصحي، حيث بقيت درجة حرارتها مرتفعة زيادة على السعال الجاف، الشيء الذي جعلنا ننقلها إلى مستشفى الحسن الثاني بسطات، بعد استشارة إحدى الطبيبات، وبعد إجراء السكانير، تبين أنها مصابة بفيروس كورونا، وهي النتيجة التي أثبتها الاختبار الذي جاء إيجابيا. تم نقل الجدة إلى قسم الإنعاش بعد تدهور وضعها الصحي، ولم يمر عليها يومان هناك حتى تم نقلها إلى المستشفى الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء، وبقيت في العناية المركزة لمدة عشرين يوما، لتفارق الحياة رحمها الله. بعد التأكد من إصابة جدتي أو،» أمي» كما تناديها حفيدتها أسماء سلامة، أخضع إلى الاختبار اثنان من أبناء عمي، حيث تأكد إصابة واحد منهما، في حين كانت نتائج الاختبار الثاني سلبية، كما أجريت أنا كذلك الاختبار، بحكم أنني كنت ملازمة لجدتي، وأثبتت نتائج الاختبار أنني مصابة بكوفيد 19. لم أتقبل الأمر في البداية، وكنت أقول في نفسي، أكيد أن أفراد عائلتي سيكونون مصابين هم أيضا بهذا الكوفيد. مباشرة بعد ذلك، تضيف أسماء سلامة، تم نقل أفراد عائلتي عبر دفعات لإجراء الاختبار، بمن فيهم والدتي التي كانت تعاني من السعال الجاف، حيث تم نقلها إلى المستشفى، وتبين أنها مصابة أيضا، كذلك إخوتي وأيضا ابنتي ذات الخمس سنوات. هذا الوضع، جعل أسماء سلامة في وضعية لا تحسد عليها، تشرح قائلة، كانت نفسيتي متدهورة جدا، إلى درجة أنني طلبت من الطاقم الطبي المشرف أن يمدني بأقراص منومة، لعلي أستطيع النوم، لقد بقيت على هذه الحالة لمدة أسبوع تقريبا، زيادة على الأدوية، المخصصة لعلاج فيروس كورونا، التي كانت «قاصحة بزاف «، فالأمر كان يتعلق بتناول عشرة أقراص يوميا، قبل أن تتحسن وضعيتي بعد ذلك، مما دفع الطاقم الطبي إلى إيقاف الأدوية، في كل لحظة كان عقلي وكذلك جوارحي مع ابنتي، وكنت أتساءل، هل سيضعونها في جناح الأطفال، أم ستكون مع إخوتي، وهو ما حصل فعلا، ولم أرها لمدة عشرين يوما، رغم أننا جميعا في نفس المستشفى، وبعد تشافي أخي من الوباء، تم نقلها إلى الغرفة التي خصصت لي، لكن كنت قبل ذلك أتواصل معها فقط بواسطة تقنية الفيديو عبر الواتساب، كما كان الطاقم الطبي يطمئنني على حالتها الصحية بمعية إخوتي يوميا، وتم إيقاف الدواء عنها هي الأخرى، لقد كانت تتناول نصف قرص وراء كل وجبة، أي قرصا ونصفا في اليوم، لقد اهتموا بها أكثر، وجلبوا لها الملونات وكتب الرسم. وحين أصبحنا في مكان واحد، ارتفعت معنوياتي، حيث كنا نلعب معا ونرسم ونتفرج في التلفاز ونسترجع الذكريات. في البداية، حينما أقلت سيارة الاسعاف ابنتي إلى المستشفى، كانت فرحة، ككل طفل بريء، فقد كانت تعتقد أن الأمر يتعلق برحلة أو سفر، لكن بعد ذلك أصبحت تشعر بالملل، وتسألني ، متى نخرج من المستشفى؟ فأجيبها حينما نتعافى من كورونا، إنها واعية بهذا الوباء رغم صغر سنها. وعن تعامل الأطباء وغيرهم ، تقول أسماء سلامة، صدقا كان التعامل في المستوى اللائق، سواء من طرف الأطباء أو الممرضين أو عمال النظافة. وعن كيف تلقت وعائلتها خبر وفاة الجدة والكل داخل المستشفى ؟ عن ذلك، تجيب سلامة، كنا نعرف وضعها الصحي ، خاصة وأنها لمدة عشرين يوما وهي في غرفة الإنعاش، لقد تدهورت صحتها بسرعة، رغم أنها كانت تمشي على قدميها، حينما دخلت المستشفى، وكانت تتحدث معنا وهي في كامل قواها العقلية، بل تطمئننا على صحتها، لكن هذا الأمل تضاءل بعد ذلك، قبل أن يصلنا خبر وفاتها ذات صباح، وقد تكفل عمي بإجراءات الدفن بالدارالبيضاء، فهو الوحيد الذي لم يصب بهذا الوباء، إنها لحظة مؤلمة وقاسية، أن تفقد عزيزا عليك ولا تجد القدرة حتى على توديعه أو تلقي عليه النظرة الأخيرة، ومما يزيد من الألم هو تواجدنا داخل المستشفى جميعا، وكان الحل الوحيد هو أن نعزي ونواسي بعضنا البعض عبر الهاتف، فالكل بكى على هذا الفراق، وهناك عمتي المتواجدة في الديار الإيطالية، لم تر والدتها لمدة أربعة سنوات، ولكم أن تتخيلوا حجم المأساة وحجم الجرح النفسي. جدتي، تقول أسماء سلامة، كانت في البداية خائفة أو بالأحرى متخوفة من الدخول إلى المستشفى، وكانت تقول لنا، يبدو أنني سأموت وحيدة، ولن أجد حتى من يغسلني، ونحسبها عند الله شهيدة ، رحمها الله ورحم كل موتانا وشافى الله كل مرضانا. المهم، تضيف أسماء سلامة، أن أي فرد من العائلة كان يتماثل للشفاء، كان يذهب من المستشفى إلى منزل عمي الذي تم تعقيمه، ويتولى ابن عمي «السخرة «خارج المنزل بحكم أنه أنهى فترة الحجر الصحي، بعد تعقيم منزلنا انتقل إليه أخي، ويخضع الجميع للحجر، كما يرابط أمام باب المنزل عناصر من الأمن في انتظار أن تنتهي مدة الحجر الصحي. ورغم أن العديد من أفراد عائلتي غادروا المستشفى بعد تماثلهم للشفاء والحمد لله، فمازالت اللجنة الإقليمية تتواصل معهم، ونصحوهم بعدم صيام رمضان، لأن ذلك يشكل خطورة على صحتهم . وتكشف سلامة أنها تتابع أخبار كورونا يوميا، خاصة في ما يتعلق بالوضع بسطات، حيث نلاحظ نسبة الشفاء في تصاعد، وهذا يبشر بالخير، فهذا المرض غريب جدا في أعراضه وفي طرق إصابته للناس، فأنا شخصيا خضعت للاختبار 5مرات، جاءت نتيجة الاختبار إيجابية ثم سلبية فإيجابية، على أي هناك دروس وعبر من هذا البلاء، ففي رمشة عين تنقلب حياتك رأسا على عقب ، ويا ليتني كنت المصابة الوحيدة، لكن أن يكون جل أفراد عائلتك مصابين أيضا، فهذا يضاعف من حجم الألم، لكن الحمد لله ،هذا ابتلاء من الله العلي القدير ، لقد امتحننا ، ونتمنى أن نكون من الصابرين، وهي مناسبة كانت أيضا لتجديد الارتباط أكثر بالله سبحانه وتعالى، ومن آياته، أن فيروسا غير مرئي حير العلماء والعالم أجمع، وغير كل شيء بين عشية وضحاها، وإن كانت من عبرة من هذه المحنة، ومن هذا الامتحان، هو أن الصحة هي الأهم. من هذا المنبر، أقول لإخوتي المغاربة، التزموا البيوت وخذوا الأمر بجدية، وخذوا العبرة ممن أصيبوا، ففي ظرف يومين كان هناك 21فردا من عائلتي في المستشفى، فالدولة والأطقم الطبية يقومون بواجبهم، لكن المسؤولية الأكبر تقع على عاتقنا نحن المواطنين، هذا الأمر لا يتطلب الاستهتار أبدا، فأنا كنت دائما اتخذ الاحتياطات، فمباشرة بعد مجيئي من عملي، أقوم بالاستحمام وأغير ملابسي حتى أقي بنتي ملاك وعائلتي من أي خطر، لكن بعد أن أصبت لم أندم، لأنني كنت محتاطة، والحمد لله أنني لم أنقل العدوى إلى زملائي الذين أشتغل معهم بمصحة الزيتون بسطات، وهذا ما كان يقلقني ويزعجني، ولم يهدأ بالي إلى أن علمت بأن النتائج كلها كانت سلبية. وأشكرهم واحدا واحدا، حيث يتتبعون حالتي يوميا، وقاموا بواجب العزاء في وفاة جدتي، يتقدمهم في ذلك الدكتور رشيق مدير المصحة، كما أشكر الطاقم الطبي المدني والعسكري وعلى رأسهم مدير المستشفى الدكتور خالد رقيب، وكل الذين سهروا على علاجنا وعلى خدمتنا، معرضين أنفسهم للخطر من أجل علاج المصابين.