كانت الصحافة المكتوبة تحتضر، والحق أقول إنها لم تكن في حاجة إلى فيروس بحجم كورونا لكي تكتشف بأنها منذورة لقسم الإنعاش قبل أن تكون جديرة بالأكشاك.. كنا، في كل لحظة يقظة وصفاء، نتكلم عن تقدم الداء قويا، سنة بعد سنة في الجسم المتلاشي،غير أن الوضع المتسارع طرح علينا أسئلة وجودية غير مسبوقة: 1 – لأول مرة، يكون حجزها وتوقيفها بقرار صحي، ولم يكن للرقيب سلطة الجزر ولا سلطة التكميم، كانت له سلطة الكمامة والقرار، الذي اتخذه الوزير السابق، في سياق استثنائي بدا منطقيا، حتى وإن كان قد أخل بشرط تشاوري ديموقراطي ضروري في مثل هذه الحالات، ولأن المشاورات قد تجد أشكالا أخرى من تدبير بقاء الطباعة والورقي. 2 – كانت المبيعات قد وصلت الدرجات السفلى من نبضها، وبدأ الجميع ينظر إلى شاشة البيان الكهربائي لقلبها وهو يعلن عن دقات غير سوية، وأرقام بالكاد تتجاوز مئة ألف نسخة لكل المطبوعات ولكل الألوان ولكل المدارس والقناعات. وسمع صوت الحشرجة، وكنا نسمع التنفس الصعب للصحف، والصعوبة في الحياة، والرئة التي اعتدنا أن نسميها رئة الديموقراطية كانت معلولة، وهواؤها غير عليل … قبل أن تتغير نظرتنا إلى الهواء كليا بفعل الفيروس. وانهارت الصحافة المكتوبة برمتها، وسارع الوباء بإعلان الاحتضار. لكن، وبدون إنذار، فجأة بدأنا نسأل عن أسباب البقاء من بعد وسبله وتعليلاته، كما لو أن الحالة الوبائية تشبه هدنة، لتعديل القدر الموحد الذي كانت تسير فيه بسيادية جنائزية لا غبار عليها. لم نكن نمْعن النظر كثيرا في الضرورة الديموقراطية للصحافة، لا سيما المكتوبة منها، إلا في حالات الصدام، الظرفي أو الصامت، مع السلطات الأخرى. والهوية الديموقراطية، لم تكن هي الفيصل. لا ننسى أن هناك من اعتبر أن الديموقراطية تقتضي وفاة صحافة لفائدة صحافة أخرى، بضرب عرض الحائط الارتباط العضوي بين صحافة مغربية معينة غير خاصة وبين الديموقراطية ذاتها، كما لو أن الامّ، التي أرضعته عامين حتى اشتد عوده، كان منطقيا أن تموت وتموت معها أثداؤها. أرقام الاوجيدي ojd كانت دالة، ولم نكن نخفي شعورنا بأننا ندافع عن ديموقراطية تضمن حرية الصحافة بدون قناعة شديدة بأن الصحافة ستبقى حية إلى أن تَقْبل بها الديموقراطية. بمعنى آخر كنا ندافع عن حرية الصحافة، ونحن نكاد نجزم بأن الشق الورقي في الحرية قد لا يصمد وجوديا. كانت التحولات سريعة، موضوعية وذاتية، ذات أبعاد ثقافية وأنتروبولوجية ورقمية وحتى عقائدية، وكلها كانت تتلبد في سماء أوراقنا، وتنبئ بالأسوأ. لو يكن هناك من يستطيع الادعاء أنه غير معني بالقيامة الموشكة بنا. جاء كورونا كما لو أنه يذكرنا بأن يوم الحساب لا ريب فيه، وأن الساعة آتية لا ريب فيها بالنسبة لديموقراطية تعددية، بدون صحافة مكتوبة قادرة على كل الأدوار بتناقضاتها، حملها وتأزيمها وإنضاجها ومراقبتها. 3 – بدهية أولى: عندما تتوقف الرياضات تتوقف الصحافة الرياضية اللهم إلا الاذاعات التي استطاعت بقدرة كبيرة البقاء بعد تحولات إيجابية نحو الخبر الآني الوطني العام. بدهية ثانية: عندما تتوقف الثقافة طبعا تتوقف الصفحات والملاحق الثقافية وتعز الأخبار ويكاد المثقف، بكل قناعاته وأقنعته، أن يتحول إلى طبيب تشريح بدوام يومي في اختبار تحولات الحضارة والمدنية على ضوء الفيروس، الذي لم يقرأ عنه سوى في روايات الآخرين. بدهية ثالثة: عندما تتوقف الشركات والبورصات وتنهار قيم الرسملة، من المؤكد ان صحافات وصفحات مرتبطة بها تتوقف… بدهية رابعة ليست بدهية تماما: عندما لا تتوقف السياسة عموما، يمكن للصحافة المكتوبة المرتبطة بها أن تتوقف. لماذا وكيف؟ للنظر أبعد من قرار هنا أو قرار هناك ونشير إلى جهات البلاد الأربع. غير أن هناك، في كل بدهية منطق عام لا يعفي الصحافة من تحولات الأزمة..