"جميعا من أجل عدالة مستقلة ونزيهة وناجعة".. تحت هذا الشعار، نظم الملتقى الوطني لمنظومة العدالة، يومي الجمعة والسبت الماضيين بمراكش، مناظرة وطنية حول إصلاح العدالة.. الندوة تطرقت إلى العديد من المحاور من خلال 11 عرضا.. حيث تناول الأستاذ عبد الواحد بنمسعود، من هيأة المحامين بالمغرب، إطلالة على تاريخ الدعوة لإصلاح منظومة العدالة. وقدمت الأستاذة نزهة سامر، من نادي القضاة، قراءة في مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتطرق الأستاذ هشا العمري، من نادي القضاة، إلى مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي وعلاقته باستقلال السلطة القضائية. أما الأستاذ الحسن العباقي، من ودادية موظفي العدل، فقد تحدث عن مشاريع الإصلاح وخيار القطيعة مع النجاعة، في حين أشار الأستاذ حسن فتوخ، من الودادية الحسنية للقضاة، إلى دور الإدارة القضائية في تطوير العمل القضائي. الأستاذ عبد الرحمان بنعمر، من هيأة المحامين بالمغرب، تحدث، في مداخلته حول تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة أشخاص، عن القانون العام بين النصوص الحالية ومستجدات مسودة مشروع القانون بتتميم وتغيير قانون المسطرة المدنية.. وعالج الأستاذ محمد الحضراوي، من الودادية الحسنية للقضاة، دور الجمعيات المهنية في إصلاح منظومة العدالة.. وتطرق الأستاذ فنكي عبد العزيز إلى دور مهام المفوض القضائي في تحقيق النجاعة القضائية.. وطرحت الأستاذة نادية كريم، من الهيأة الوطنية للموثقين، سؤالا كبيرا حول أي دور لمهنة التوثيق في إصلاح منظومة العدالة، وتناول الأستاذ أيت سعيد عبد السلام، من الهيأة الوطنية للعدول، موضوع التوثيق العدلي بين معيقات التشريع ومستلزمات الحكامة الجيدة. أما الأستاذ عبد الرحمان السحمودي، من النقابة الديمقراطية للعدل، فقد تحدث عن شرعية المساطر القضائية من خلال تطوير كتابة الضبط. ورغم أن وزير العدل والحريات قد أشار، في افتتاح هذه ، إلى أن الدستور الجديد رفع السقف عاليا فيما يخص استقلال السلطة القضائية، حيث أنتج مقتضيات تضمن هذه الاستقلالية بشكل يستجيب للمعايير الدولية، مضيفا أن هذا المعطى تم العمل على تجسيده في مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، استنادا إلى توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة مع الأخذ بنهج التشاور الواسع مع كافة المؤسسات المعنية والفئات المهتمة. وتمنى أن ينكب البرلمان، في هذه المرحلة، على إغناء النقاش حول هاذين المشروعين بالتعديلات المفيدة والمصادقة عليهما في الزمن الملائم حتى يتسنى إخراج المجلس الأعلى للسلطة القضائية للوجود في أقرب الأوقات ليتكرس بذلك الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية، مبينا أن المراحل المقبلة ستشهد بلورة مشاريع قوانين تمثل ثورة من حيث نوعها وعددها، من بينها مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي ومشروع قانون المسطرة المدنية واللذين سيمثلان طفرة نوعية من حيث ضمان النجاعة القضائية وتجاوز الإشكالات ذات الصلة، على الخصوص، بحماية الدفاع وسرعة البث. وأشار إلى الانتهاء من مشروع قانون المسطرة الجنائية، ويوجد حاليا محل تداول الرأي بين الأمانة العامة للحكومة والوزارة في أفق عرضه قريبا على البرلمان، كما أشار إلى صياغة مسودة مشروع القانون الجنائي الذي يتضمن أحدث النظريات الجنائية والمطالب الحقوقية ومقترحات ميثاق إصلاح منظومة العدالة وما نص عليه الدستور. ورغم أن وزير العدل حاول في كلمته أن يشير إلى الكثير من الإيجابيات غير أن كلمة السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض أشارت إلى الكثير من العراقيل ومن المشاكل التي تواجه العدالة واستقلالها، حيث قال إنه أصبح مطلوبا منا الآن تجاوز أي مقاربة انتظارية ومترددة والحسم في الخيارات بشكل يتلاءم مع الخطوات الكبرى التي خطتها بلادنا نحو إرساء دولة الحق والمؤسسات، بفضل دستور 2011 الذي أكد المغاربة من خلاله تطلعهم للمستقبل بكثير من الثقة والأمل في تكريس سلطة قضائية تتوفر على كافة ضمانات الاستقلال الحقيقي في بعده الفردي والمؤسسي، معتبرا أن هذا الاستقلال يجب أن يشكل، في المقام الأول والأخير، حقا للمواطن وملاذا له من كل تعسف أو حيف. وسلطة يريدها الجميع قريبة إنسانيا وحقوقيا وقانونيا ولوجيستيكيا من المتقاضين، عدالة تكرس الأمن القضائي والقانوني بشكل ملموس حقيقي، تحمي الحريات، وتضمن الحقوق للأفراد والجماعات في ظل محاكمات عادلة وداخل آجال معقولة. وأشار الأستاذ فارس بإلى أن سؤال الاستقلال الذي هو شعار هذا اللقاء ينتظر الحسم فيه هذه السنة في اختبار حقيقي موضوع أمام السلطة التشريعية التي ستناقش مشاريع قوانين من الأهمية بمكان تتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة وبعدهما قوانين المسطرة المدنية والجنائية والتنظيم القضائي، وهي مشاريع نصوص تقتضي منا التعامل معها ومناقشتها بكل مسؤولية وطنية ونظرة مستقبلية بحمولة حقوقية كبرى تنسجم مع الدستور وخيارات المملكة وتتلائم بالخصوص مع الدلالات العميقة للخطاب الملكي التاريخي الذي سنحتفل بذكراه الرابعة في التاسع من مارس القادم والذي أكد فيه جلالته على سبعة مرتكزات أساسية ضرورية للوصول إلى النموذج المغربي التنموي المتفرد ومنها الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة وتوطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها. ولم يخف رئيس محكمة النقض أن واقع العدل ببلادنا يفرز للأسف عدة معطيات واختلالات يجب علينا "جميعا" مواجهتها من خلال تعبئة الموارد اللازمة المخصصة للسلطة القضائية وتحسين ظروف اشتغال العاملين بقطاع العدالة، وإعداد برامج في مجال التكوين الأساسي والتخصصي والمستمر وتحديث وتقوية بنية المحاكم وضمان كافة آليات ولوج المتقاضين للعدالة وللقانون ومعالجة معضلتي التبليغ والتنفيذ. هذا وقد تطرقت الكثير من المداخلات إلى الكثير من العراقيل التي أخرت العدالة في بلادنا رغم ما بذل من مجهود، وأن إصلاح العدالة أصبح مطلبا ملحا لارتباطه بمستقبل البلاد على كافة المستويات وخاصة منها الاقتصادية والسياسية، وأن تقوية مناعة الاقتصاد الوطني وتحسين جاذبية الاستثمار يستلزم قضاء ونصا قانونيا بمواصفات عالمية، بل تساءل الكثير من المتتبعين عن جدوى مثل هذه المناظرات التي تصرف عليها أموال طائلة، لكن لتبقى مجرد اجتماعات يهدر فيها الكثير من الكلام ويستهلك فيها مداد كبير، خصوصا أمام التجارب السابقة التي عرفت مناظرات وطنية غير أنها لا تعدو أن تكون مجرد ركام من الأفكار والتي تبقى سجينة الرفوف، وهناك من اعتبر أن استقلال منظومة العدالة يحتاج إلى إرادة سياسية فعلية تنسجم مع مقتضيات الدستور ومواجهة عرقلة سير العدالة وتسريع وثير التبليغ والتنفيذ.. المشاركون في هذه المناظرة دعوا أيضا إلى التفكير، بشكل جماعي، في تعديل النصوص المنظمة للمهن القضائية بما يضمن ترسيخ استقلاليتها ودورها الفعال في تحقيق العدالة. هذا وقد شارك في هذا الملتقى حوالي 200 مشارك جعلوا من الاستقلال القضاء شعارا لهم، وكانت المناظرة مناسبة للمطارحة القانونية والتشريعية مع ربطها بالكثير من المهن العدلية والتي تتداخل من أجل بلورة عدالة فاعلة ومستقلة وشجاعة، وكانت أيضا مناسبة للمشاركين للوقوف على حصيلة الإنجازات التي تم تحقيقها في مجال إصلاح منظومة العدالة في بلادنا والوقوف أيضا على مكامن الضعف الاختلالات والعراقيل التي من شأنها أن تعيق أي إصلاح.