عاشت السلطات الأمنية الفرنسية على مدى يومين متتاليين على أعصابها بسبب تحليق طائرات بدون طيار فوق مناطق رمزية وحساسة في مدينة الأنوار، توتر لم يسلم من أعراضه الجانبية جسم السلطات المغربية أيضا. وقد اختارت الطائرات بدون طيار أن ترسم لنفسها ذات المسار الذي تم خلاله رصد خمس طائرات على الاقل في باريس في الليلة قبل الماضية لتحلق على طول نهر «السين» ، وكذا بالقرب من محيط ساحة «الكونكورد» المتاخمة للسفارة الأمريكية وفوق «الأنفاليد» و«برج إيفل» وعدد من مداخل العاصمة باريس مثل سان كلو بجنوب غرب العاصمة وكليانكور شمال باريس، وعلى طول نهر السين. ففي الوقت الذي بدت فيه السلطات الأمنية الفرنسية عاجزة عن فك لغز تحليقات طائرات بدون طيار، خرج المغرب أول أمس الأربعاء معلنا عن خطوة احترازية تجعله في منأى عن خطر «الطيارين الأشباح» في الأجواء المغربية. ففي باريس لا يزال الغموض يلف تحليقات الطائرات بدون طيار التي زارت، في تحد كبير للسلطات الأمنية الفرسية، عبر الأعالي، السفارة الأمريكية في العاصمة الفرنسية ومناطق رمزية وحساسة في مدينة الأنوار. وبدت السلطات الأمنية الفرنسية عاجزة عن كشف لغز طلعات الطائرات المسيرة فوق محطات ومواقع نووية استراتيجية ومقر الرئاسة ومختلف مناطق باريس، وتشكل منذ الخريف قلقا لها، لكنها تؤكد أنها ليست خطرا داهما. أما في المغرب فقد قررت السلطات الحكومية المغربية إخضاع استيراد الأجهزة الطائرة من دون طيار المدفوعة بمحرك والمشغلة بآلة التحكم عن بعد (طائرات من دون طيار، نماذج مصغرة للطائرات...) للحصول المسبق على رخصة الاستيراد. وقالت السلطات الحكومية المغربية إن هذه الاجراءات تم اتخاذها قصد التصدي للمخاطر الأمنية، والمس بالملكية والحياة الخاصتين المرتبطتين باستعمال أجهزة طائرة من دون طيار، مؤكدة أنه ستتم مصادرة الأجهزة التي يتم استيرادها من دون ترخيص، مع فرض العقوبات المنصوص عليها في القوانين والتشريعات الجاري بها العمل. كما أشارت الى أن المصالح المختصة ستقوم، بالمصادرة المنهجية، عبر كافة التراب الوطني، لكافة الأجهزة التي لم تحصل على ترخيص الاستيراد، مبرزة ضرورة الحصول على ترخيص من السلطات المحلية المعنية بالنسبة لكل استغلال للطائرات من دون طيار التي دخلت إلى المغرب قبل نشر هذا القرار. وبالموازاة، تصر السلطات الأمنية الفرنسية على عدم الاستهانة بالخطر أيا كانت درجته وتتعامل مع تحليقات الطائرات بدون طيار باعتباره تهديدا بجدية كبيرة، ليس على مستوى الطائرات التي تم رصدها اليوم فقط، بل لأن هذا التهديد سيتعاظم. وفي هذا السياق، علمت «الاتحاد الاشتراكي» أنه لا يوجد من بين صحافيي «الجزيرة» الإخبارية الثلاثة، الذين أوقفتهم السلطات الأمنية الفرنسية أول أمس الاربعاء بعد قيامهم بإطلاق طائرة بدون طيار في منطقة غابة «بولون» ،لا يوجد بينهم الصحافي المغربي، مراسل «الجزيرة» الاخبارية العربية في باريس محمد البقالي. واعتقل الصحافيون الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين 34 سنة و52 و 68 ، بعد ليلتين متتاليتين شوهدت خلالهما طائرات بدون طيار مجهولة تحلق فوق العاصمة الفرنسية. وقال مصدر مطلع على القضية إنه لا علاقة للصحافيين الثلاثة بتحليق الطائرات المجهولة. وكشف مصادر مطلعة أمس الخميس ل«الإتحاد الاشتراكي» أن الفريق الصحفي، الذي أفرج عنه أمس، يضم صحافيين تابعين قناة «الجزيرة» الإخبارية الناطقة بالانجليزية من جنسيات، بلجيكية وأمريكية وبريطانية. وأوضحت ذات المصار أن الفريق الصحفي كان بصدد إعداد تقرير إخباري حول تحليق طائرات بدون طيار فوق مناطق رمزية وحساسة في مدينة باريس، الامر الذي جعلهم يستعملون طائرات بدون طيار من أجل إعادة «تجسيد بالصوت والصورة عمليات التحليق». وكان مصدر قضائي فرنسي قد أوضح ان الصحافي الذي وجه الطائرة وحده سيمثل أمام المحكمة، وقد وافق على «الإقرار بالذنب» ولن يخضع زملاءه للملاحقة القضائية. ويمنع تسيير طائرات بدون طيار في فرنسا بدون ترخيص، مشيرا إلى ان الصحافي «الاول كان يوجه الطائرة والثاني يصورها والثالث يتابعها». هذا ما زالت دوافع مسيري الطائرات وهوياتهم غامضة، سواء كانت تجارب لألعاب جديدة أو هواة تصوير يتلهون بمشاكسة الشرطة، أو ناشطين يحاولون إبراز الثغرات الامنية من خلال تلك الطائرات أو أعمال رصد إجرامية... كما قال مصدر قريب من الملف إن الخيط الارهابي «ليس مرجحا رغم أنه غير مستبعد بشكل كامل» لكن السلطات تتعامل مع هذه الطلعات «بجدية، ولذا لا يمكن استبعاد أي نظرية». ومازال الغموض كاملا منذ الخريف عندما رصدت الطلعات الاولى في محيط 13 من أصل 19 محطة نووية في البلاد. وكانت بعض الطلعات متزامنة وفي مواقع مختلفة تبعد عن بعضها بمئات الكيلومترات، ما يغذي فرضية ان تكون عمليات منظمة، وفرنسا ليست حالة وحيدة بل ثمة سوابق في ألمانيا حيث تم التحليق فوق مقر المستشارية، والولايات المتحدة حيث سقطت طائرة صغيرة بلا طيار في حديقة البيت الابيض في 26 يناير الماضي.