دعا باحثون مشاركون في ندوة « الثقافة والإدماج»، مساء الجمعة الماضي بالدار البيضاء، إلى صياغة مفهوم جديد للهوية يكون أكثر قدرة على استيعاب قيم الاختلاف والتعدد داخل المجتمع. واعتبر هؤلاء الباحثون، في مداخلاتهم خلال الندوة المنظمة ضمن فعاليات الدورة الحادية والعشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، أن خطاب الهوية في شكله الحالي، يبقى خطابا قاصرا عن استيعاب وتدبير التعدد، وأن تحليل هذا الخطاب يستوجب اعتماد مقاربات تاريخية واجتماعية وسياسية تضعه ضمن سياقاته المختلفة، في أفق بلورة مفاهيم جديدة تتجاوز الصراع الهوياتي، نحو تحقيق الاندماج. ويرى الباحث المتخصص في علم الاجتماع محمد الطوزي أن مقاربة مفهوم الهوية والحديث عن التعددية الثقافية ينبغي أن يتم وفق مقاربة تاريخية، تعتمد على تحليل مراحل تطور الدولة من «الدولة الامبراطورية» إلى «الدولة الوطنية»، التي اعتبر أنها أكثر قدرة على تدبير الاختلاف . وبعيدا عن «المقاربة التي لا تنظر إلى الهوية إلا من خلال بعد واحد تنتجه النخب»، يشدد الطوزي على أهمية المقاربة «الإثنوغرافية في معاينة التعدد والاختلاف، وضبط تدرج نشأة المفاهيم المتصلة بقضية الهوية. وأشار في هذا السياق إلى أن الهوية، كمجال للبحث، لا يمكن فصلها عن السياق السياسي المنتج لها في إطار ثنائية «المخيال الامبراطوري ومخيال الدولة الوطنية»، مع ما يرتبط بها من مفاهيم تتصل بالتعددية والمواطنة المتعددة، مؤكدا أن «التعدد لا ينفي الهوية الوطنية». من جهته، قدم الباحث والكاتب عبد الحي المودن قراءة سياسية وتاريخية لمفهوم الهوية في علاقته ببناء الدولة الوطنية الحديثة، مبرزا أن النقاش الهوياتي اتخذ منحى مغايرا بعد انهيار جدار برلين، وظهور اتجاه سياسي ليبرالي سعى إلى بناء مفهوم جديد للهوية يقوم على التعدد وحسن تدبير العلاقة مع الأقليات الثقافية والعرقية والدينية. وتابع أن هناك سياقين متقابلين في التعاطي مع المسألة تبعا لمحددات مكانية بالأساس، حيث إن منهج الغرب في تدبير التعدد شهد تحولات جوهرية، لا سيما عقب الأزمة الاقتصادية العالمية التي كان لها تأثيرها على النقاش العام حول هوية الأمم، تمثلت في وجود نوع من التوتر في طريقة تعاطيه مع المجموعات المهمشة المنتمية إليه. ومقابل هذا النموذج، يبرز آخر متجسدا في تجربة بلدان الجنوب، والتي وإن اتجهت في بداية عهدها بالاستقلال نحو الدولة الواحدة ، إلا أنها، وفي سياق تطورها التاريخي والديمقراطي، استطاعت أن تفرز أدوات جديدة لتدبير التعددية كمطلب مجتمعي مدني، وذلك رغم الضعف الذي يعتري مؤسساتها الديمقراطية.وأضاف أن تجاوز الاختلالات التي تعاني منها على هذا المستوى يفرض عليها تعزيز تجربتها بالإجابة على الأسئلة المرتبطة بوجود جماعات واسعة بداخلها، مختلفة من حيث العرق والدين واللغة، وإيجاد أدوات للتعامل مع الإشكالات المطروحة بخصوص تحديد مفهوم متفق عليه بشأن «الهوية»، كمفهوم لا يمكن ان ينبني خارج سياق «الدولة الوطنية»، وذلك من أجل صياغة أجوبة مناسبة لمجتمعاتها المتطلعة إلى حداثة تناسب خصوصياتها. فيما أعرب الباحث حسن أوريد عن اعتقاده بأن فهم «الهوية» رهين بوضعها في سياقها التاريخي، موضحا أنه مع سقوط ما أسماه ب»الإيديولوجيات الجامعة» مع انهيار الاتحاد السوفياتي، أصبح الفاعل الثقافي محددا أساسيا في تحديد «الهوية كانتماء». وألح أوريد على أنه من الصعب الإحاطة بمفهوم «الهوية»، وهي كمضمون تحمل في طياتها معاني تشير إلى التصادم والمواجهة بين العناصر المكونة لها، فالمطالبة بالاعتراف، برأيه، هي شعور ينبئ بوجود نوع من الاحتقان الداخلي، وبذلك يكون الخطاب الهوياتي دالا على وجود أزمة ما داخل المجتمع. وفي هذا الاتجاه، ذكر أن بناء الهوية ينبغي أن يكون وفق محددات موضوعية بديلة تتجاوز المفهوم السائد، وأجملها في بناء الشخصية الوطنية، والدولة المواطنة حيث تسود قيم مشتركة تشمل الكرامة والمواطنة الحقة، والذاكرة الجمعية، إلى جانب الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف والإيمان بالمصير المشترك.