جاء في الصحافة الإلكترونية (مع التحفظ الشديد على بعض الأخبار التي ترد في هذه الصحافة لافتعالها ومبالغتها وعدم صدقيتها)، أن رئيس المجلس البلدي لمدينة القنيطرة ووزير التجهيز السيد عبد العزيز الرباح تعرض يوم الأحد الماضي لوابل من السب والشتم والرجم بالحجارة من طرف مواطنين من مدينة القنيطرة، وخاصة بحي « الساكنية « الشعبي، وهو أمر غير مستبعد تماما بسب قرب موعد الانتخابات الجماعية والتسخينات التي تسبقها، كما أنه من غير المستبعد تماما أن يكون الوزير المذكور قد بدأ حملته الانتخابية بشكل سابق لأوانه. وليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها منتخب جماعي أو مسؤول حكومي أو موظف أمني للتعنيف من طرف مواطنين غاضبين من وعد لم يتحقق أو قرار جماعي أضر بمصالحهم، أو عدم رضاهم على تدبير سياسي معين، فقد حدث ذلك مثلا مع زعيم حزب التقدم والاشتراكية السيد نبيل بنعبد الله ، بل وحدث أيضا مع السيد رئيس الحكومة نفسه. وهنا لابد من إبداء الملاحظات التالية: أولا: إن تعنيف شخصية عمومية أو الاعتداء عليها مهما كان اختلافنا معها أمر غير مقبول في بلد الديمقراطية والحريات ، لأننا في وطن له قوانينه وثقافته وتقاليده ولسنا في غابة، ولأن اللجوء إلى العنف (والعنف المضاد) من أجل التعبير عن خلافاتنا ومنازعاتنا يلغي وجود القوانين والمساطر والمؤسسات ، بل ويقلل من شأن الدولة وهيبتها. ثانيا : إن العنف المشروع في جميع شرائع الدنيا هو مجال تختص به الدولة وحدها دون غيرها ، ولا يحق لأي كان أن ينوب عنها في ممارسته إلا بتفويض وبإذن قانوني صريح منها أو من يمثلها. ثالثا : إنه لا يحق لجماعة من الناس (خاصة في الأحياء الشعبية التي تنتشر فيها ظاهرة شراء الذمم) أن تغضب من «منتخب» وتثور ضده وهي من ساهم في إنجاحها إما بسكوتها ولا مبالاتها أو عدم تبصرها، أو بتواطؤها وحصول بعض أفرادها على مصالح ومنافع ، بينما يفرض عليهم واقع الحال بعدما استوعبوا الدرس وفهموا خطأهم واكتشفوا زيف وعود المنتخب أو عجزه عن الوفاء بها، أن يعاقبوه ويعاقبوا الجهة التي ينتمي إليها بعدم التصويت عليه في الانتخابات الموالية كوسيلة حضارية للتعبير عن السخط وعدم الرضى وليس بتعنيفه ورجمه بالحجارة، لأن ذلك لا يستقيم مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإلا أين سنصبح إذا كنا كلما غضبنا من شخص عاقبناه بضربه و شتمه أو رجمه بالحجارة؟... رابعا : وهنا ربما يجب أن نتوقف عند الأسباب المؤدية لمثل هذا السلوك، والتي تجعل فئات معينة من المواطنين كالباعة المتجولين (مثلا) تغضب وتنتفض ضد أفراد السلطة المحلية. إن هذه الفئة لا تفهم ولا تستسيغ أن نفس الأفراد الذين يحصلون منها يوميا على إتاوات مقابل غض الطرف عن احتلالها للملك العام، يعودون في اليوم الموالي لإرغامها على الإفراغ ، بحيث يصبح هذا التعامل المتقلب غير مقبول وغير مستساغ من طرف هؤلاء الباعة، مما يؤدي بهم إلى الغضب والانتفاض ، بل وإلى حالات من العنف الشديد أحيانا. هناك إذن تواطؤ واضح ومكشوف من الطرفين يجب الانتباه إليه وإصلاحه بشكل جذري دون إبطاء، لأن تكرار حالات التمرد على المساطر والقوانين من شأنه إضعاف هيبة الدولة مع ما ينبئ به ذلك من مخاطر على الأمن العام، خصوصا في ظل الأوضاع العربية الحالية. إن ما يصدق على العلاقة بين أعوان السلطة المحلية والباعة المتجولين هو نفسه ما يصدق على العلاقة بين بعض الناخبين وبعض المنتخبين ، إذ يتصور المنتخب الجماعي أو البرلماني الذي اشترى مقعده من الناخبين، أنه ليس مدينا لهم بشيء وأنهم لم يعودوا يملكون الحق في مطالبته بأي مقابل لأنه دفع لهم مسبقا يوم الاقتراع، وأن ما يربطهم به انتهى عشية إعلان النتائج ، بينما ينسى الناخبون مع طول المدة أنهم هم من باعوا أصواتهم للمنتخب الفاسد، وأنهم من حشد له أصوات الناخبين بمختلف وسائل الغش والتزوير وشراء الذمم ، وكل ما يتذكرونه أن المنتخب الفاسد يظل مدينا لهم بفوزه وفوز جماعته. يتعلق الأمر إذن باختلاف زاوية النظر، لكن الصحيح في كل الأحوال أن ضحايا فساد الانتخابات ليسوا فقط ضحايا هذا الفساد بل هم جزء منه، والأصح من ذلك كله أن لا تخرق القوانين أن لا تمس الدولة.