تحت نغمات موسيقية ولوحات فنية مختلفة، تقاسم أصدقاء و أحباء الشاعرمحمدعنيبة الحمري متعة لقاء ثقافي بإحدى قاعات المركب الثقافي سيدي بلوط بالدارالبيضاء، نظم يوم السبت 29 فبراير الماضي من طرف منتدى المواطنة قصد تكريم الشاعر. الجلسة التكريمية قام بتنشيطها وتسييرها عبد الله معاشو ،أحد أعضاء منتدى المواطنة وحضرها كل من الشاعر والكاتب والصحفي حسن نجمي، والكاتب والشاعر والقاص والصحافي سعيد منتسب، و الناقد والصحافي محمد علوط، والأديبة والإعلامية غادة الصنهاجي ، ثم الناقد والشاعرعمر العسري، فضلا عن جمهور من المهتمين والمحبين للشاعر. وقد قال امعاشو، أثناء مداخلته، بأن اللقاء يقصد الاحتفال بمحمدعنيبة الحمري الإنسان وأيضا الشاعر، ومن خلاله، بالثقافة والمثقفين عموما، شعراء منهم وكتاب. وسطر على أن منتدى المواطنة بهذا الشكل يحاول هو الأخر، كمؤسسة، إضافة مجهوده إلى المجهودات التي تبذل لتكريم المبدعين، ولو أنها مع ذلك تعدغير كافية. وحاول منشط الجلسة، في تقديمه أن يرسم بروفايلا عن المحتفى به، هذا الشخص الذي، حسب قوله، خبر عالم الشعر منذ سنوات وطبع أول ديوان له «الحب مهزلة القرون « (سنة 1968) على نفقته، أيام كان ركوب بحر الطبع والنشر يعد مغامرة ، قبل أن تليه دواوين أخرى : «شوق الإبحار» و (مرثية للمصلوبين) سنة 1977، «رعشات المكان» (سنة 1996)، «سم هذا البياض (سنة 2000) ، ثم «كسر الأوان» ، «تكتبك المحن» (سنة 2013) وغيرها..وهي ثمانية إصدارات جمعها الشاعر في سفرين بمناسبة المعرض الدولي للنشر والكتاب ، قبل أن يضيف إصداره الأخير «ترتوي بنجيع القصيد»، و أضاف أن له عدة مؤلفات في الميدان التربوي وفي علم العروض الذي يتقنه، علاوة على كونه محبا للموسيقى وصاحب نكتة وأنه حاصل على وسام الإستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة سنة 2001. افتتح الشاعرحسن نجمي، قائمة الشهادات في حق اعنيبة، وصرح بأن حضوره لهاته الأمسية يأتي من باب الواجب الشعري وأيضا لما يربطه بصديقه وأستاذه الذي جمعته معه صداقة الشعر كما أخوة الحياة لسنوات، وصرح بأن صلته به بدأت كقارئ من خلال مجموعته الشعرية الأولى «مهزلة القرون» التي تعد من الكتابات التي تبقى محفورة في الذاكرة. وأشار للمربي الذي كان، والدور الذي لعبه محمد عنيبة الحمري مع مجموعة من الأطر التربوية في مؤسسة بن مالك حيث كان ناظرا، ثم استحضر ذكرياته معه قائلا بأنه التحق به بمدينة الدارالبيضاء العظيمة المناضلة الجليلة، على حد تعبيره، مضيفا أنه «لا نأتي إلى الدارالبيضاء من أجل حيطانها وطرقها المعبدة وجدرانها، ولكن إلى الإنسان الذي يعطي هذه المدينة قيمة جميلة وحسا إنسانيا رفيعا فنندس في حلقات الأصدقاء من فنانين مبدعين بمختلف التعابير الجميلة الجمالية « ومن بينهم محمدعنيبة الذي تعلم منه العديد من الأشياء في الإيقاع في اللغة، ولمس فيه الإنسان الودود الذي يحسن الإنصات وله قابلية لعقد الصداقات. كما لم يفت نجمي في ختام تدخله أن ينوه بالمجهودات التي يقوم بها منتدى المواطنة في الحقل الثقافي والفكري والمجتمعي من جهتها القاصة والاعلامية غادة الصنهاجي اعتبرت أن هذا الموعد يحتاج إلى وقفة وجلسة وكلام لأن المحتفى به صاحب بيت شعري لا يدخله إلا من كان مستوعبا للشعر ومقدرا للشاعر ، وأضافت أنه سيصعب عليها تلخيص نصف قرن من الإبداع لشاعراستطاع أن يوجزها بنفسه من خلال ديوانه «ترتوي بنجيع القصيد»، فكل قصيدة من هذا الديوان رحلة طويلة بين دروب الشعر والحياة .واستطردت قائلة بأنها سعت إلى معرفة الشاعر من خلال كل ما كتب وكتب عنه، وعندما التقته جسديا رأت فيه ما قرأت ، فالشاعر الحقيقي، تقول غادة، هو الذي يجعلك تراه في قصيدته متجسدا في كل كلمة ومعنى، واسترسلت في تحليلها لشخصيته مستدلة بمقطع من قصيدة، قرأتها على الجموع . واستخدم الشاعر والناقد محمد علوط مشرطه خلال ورقته النقدية الموجزة ، منطلقا من نقطتين، الأولى اختيار الشاعر ترتيب سفري أعماله الكاملة وفق خط زمني ارتدادي أشبه بالكتابة على عكس التيار، والملاحظة الثانية تتعلق بتعدد أزمنة الكتابة وليس بأزمنة النشر، مما أوجب طرح التساؤل:هل تقرأ التجربة الشعرية بمألها وخواتمها أم بعتاباتها ومدارجها الأولى والجواب بالنسبة له هو لا هذا ولا ذاك لأن قدرة الشاعر تكمن على القدرة الدائمة على التجاوز وخلق الفارق .الملاحظة الثانية تقود إلى مفهوم النص المؤسس للشاعر عنيبة باعتباره أحد كبار الشعراء وهذا النص المؤسس طرح في الواقع الثقافي الادبي المغربي سؤال الهوية الشعرية. واعتبرسعيد منتسب، خلال مداخلته، أن تجربة محمد عنيبة تنتمي إلى تجربة جيل تأبط شعرا، فهو يركب القصيدة دون ارتباك، وشاعر متمرد وساخر وجريء، يعتبر جملة اعتراضية منذ ديوانه الأول وهو أحد رواد القصيدة السبعينية ومن أكثرهم حضورا وإنتاجا و جاذبية، وذلك لأنه أعطى قصيدته بعدا متفردا في تفاعلها مع الشعر وعالج في الشعرالإنسانية والوجودية . وأفاد عمر العسري بأنه لا يمكن أن يمر هذا الاحتفاء بدون أن ننصت إلى جديد الشاعر ، كما يجب أن يطرح السؤال: لماذا يجب على الشاعر أن يكون شاعرا أصيلا ومتفردا. وانطلاقا من هذا السؤال يمكن تحليل ديوان الحمري الجديد، وهو العمل التاسع خلال تجربته التي تؤرخ لخمسين سنة من الوفاء للكتابة، مضيفا أنه إذا كانت نسبة كلامنا اليومي مليئة بالصور المجازية، فإن رؤية محمد اعنيبة الحمري للشعرتتميز بوضوح الكلمات الشعرية واللغة البانية وكيفية تشكيلها للصورة اليومية، وذلك بعد تحررها من إطارها الأسطوري. وأيضا بكون اعنيبة لا يكتب دواوين بل كتبا شعرية. هذا الكم من الشعراء ومن الكتاب والمهتمين بالشأن الثقافي لم يكن ليكتمل دون حضرة الغناء الطربي الاصيل المغربي والمشرقي، ولعل هاته الأسباب ما جعلت المنظمين يستضيفون الفنانين الموسيقيين: عبد الفتاح نكادي وعبد الحق تكروين، اللذين جعلا الحضور يتمايل على شدوهم وعلى إيقاعات أغاني خالدة. و اختتم اللقاء بكلمة شكر توجه بها الشاعر عريس اللقاء لكل المنظمين والحضورالذي كان كثيف ملأ القاعة عن آخرها.