مازالت بعض الأوساط اليمينية الإسبانية وبجزر الكناري تسعى إلى اصطناع مواجهة مع المغرب بعد مصادقة البرلمان بمجلسيه على قانونين يهدفان إلى بسط الولاية القانونية للمملكة على كافة مجالاتها البحرية، وذلك رغم النتائج التي أسفرت عنها زيارة وزيرة الخارجية الإسبانية أرانشا غونزاليز لايا إلى المغرب والتي أزالت الغيوم المصطنعة حول هذا الموضوع. فبعد التصريحات التي عبرت عنها حكومة جزر الكناري، وأطراف يمينية معروفة بمواقفها العدائية للمغرب، جاءت خرجة النائب الأوروبي غابرييل ماطو، عن الحزب الشعبي، في أول تدخل له بعد أن تسلم مهامه بسبب مغادرة نواب بريطانيا لبرلمان الاتحاد، والتي سعى من خلالها إلى إقحام الاتحاد الأوروبي في قضية ثنائية تخص المغرب وإسبانيا. وطالب غابرييل ماطو بهذا الخصوص بتدخل الاتحاد الأوروبي للحيلولة دون بسط المغرب لولايته القانونية على مجاله البحري بشكل أحادي حسب قوله، معتبرا أنه وبالنظر إلى كون المغرب شريكا مفضلا للاتحاد الأوروبي وأنه جار لجزر الكناري فالأمر ليس بالهين ولا بقضية ثنائية بين المغرب وإسبانيا. وأضاف أن بسط المغرب لولايته القانونية على مجاله البحري ليس بالأمر الهين بل « هجوم على سيادة دولة عضو بالاتحاد الأوروبي» ومعلوم أن البرلمان المغربي بمجلسيه صادق مؤخرا، بالإجماع، على مشروعي قانونين يهدفان إلى بسط الولاية القانونية للمملكة على كافة مجالاتها البحرية. ويتعلق الأمر بكل من مشروع قانون رقم 37.17 بتغيير وتتميم الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.211 الصادر في 26 من محرم 1393 (2 مارس 1973) المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية، ومشروع قانون رقم 38.17 بتغيير وتتميم القانون رقم 1.81 المنشأة بموجبه منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200ميل بحري عرض الشواطئ المغربية. واعتبرت الخارجية المغربية أن هذه المصادقة تكتسي أهمية خاصة في سياق مسلسل تحيين الترسانة القانونية الوطنية المتعلقة بالمجالات والحدود البحرية للمملكة المغربية. وأبرز وزير الخارجية ناصر بوريطة، بهذا الخصوص، أن هناك ثلاثة أسباب دعت إلى إعداد هذين النصين، أولها تجسيد الرؤية الملكية للهوية المجالية للمملكة المغربية، مشيرا إلى أن تحريك المسطرة التشريعية بخصوص مشروعي القانونين يأتي غداة الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى ال44 للمسيرة الخضراء، والذي شدد فيه جلالة الملك على ضرورة استيعاب الهوية المجالية للمملكة. وسجل أن السبب الثاني يتمثل في ضرورة تحيين المنظومة القانونية الوطنية للمجالات البحرية، مشيرا إلى أن النصوص القانونية سارية التنفيذ إلى اليوم هي نصوص متقادمة، حيث ترجع إلى حقبة سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن ال20 (1973، 1975، 1981)، كما أنها أصبحت الآن متجاوزة خاصة بعد أن استكمل المنتظم الدولي صياغة واعتماد اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار لسنة 1982. أما السبب الثالث، حسب بوريطة، فيتمثل في ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاستحقاقات الدولية، التي حتمت تسريع وتيرة تحيين النصوص القانونية الوطنية المتعلقة بالمجالات البحرية، مبرزا أن تحيين الترسانة القانونية الوطنية يشكل فرصة لملاءمتها مع مقتضيات اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار لسنة 1982 وتجويد بعض الأحكام التي تتضمنها خاصة عبر التخلي عن بعض الترسبات القانونية المتقادمة مثل مبدأ الخط الأوسط. موقف إسبانيا بخصوص القرار المغربي عبرت عنه وزيرة الخارجية الإسبانية أرانشا غونزاليز لايا خلال زيارتها إلى المغرب، نهاية الشهر الماضي، في أول زيارة لها إلى الخارج كما تقتضي ذلك التقاليد الإسبانية. وفي هذا الإطار أكدت أرانتشا غونزاليز لايا أنه بموجب القانون الدولي، للمغرب الحق في تحديد مجاله البحري في إطار الاحترام لمقتضيات اتفاقية الأممالمتحدة حول قانون البحار. وأضافت أن المغرب مارس حقه من خلال الشروع في مسار قانوني بهدف تحديد مجاله البحري. وأكدت أن المغرب جدد التزامه بعدم فرض الأمر الواقع ولا أية إجرءات أحادية الجانب، مشيرة إلى أن البلدين سيعملان في هذا الاتجاه. كما كانت الزيارة أيضا مناسبة لتأكيد البلدين على تشبثهما بمبدأ الحوار من أجل إيجاد حل لأي تداخل في المجال البحري بينهما. وأجمع الطرفان على التزام البلدين بقانون البحار ورفضهما لأية إجراءات أحادية الجانب. من جهته أكد ناصر بوريطة أن المملكة ملتزمة بمبدأ الحوار وعلى أساسه سيعمل الطرفان على التفكير في الآليات الكفيلة بحل أي تداخل بين المياه البحرية للطرفين، مشيرا إلى أن قانون البحار يراهن في مثل هاته الحالات على التفاوض «وهو السبيل الأمثل وخاصة في العلاقة بين بلدين جارين». واعتبر الوزير أن بسط الولاية القانونية للمملكة على كافة مجالاتها البحرية يعتبر حقا سياديا تضمنه التشريعات الدولية والقانون الدولي، مذكرا بأن إسبانيا «قامت بنفس الأمر سنة 2010، بما في ذلك بمنطقة جزر الكناري، دون أخذ إذن المغرب، والمغرب لم يطلب الإذن كذلك ومن حقهما ذلك». وشدد بوريطة على أن المغرب «يرفض أن يفرض الآخرون إرادتهم عليه ولا يريد، بالمقابل، أن يفرض إرادته على أحد». وخلص الوزير إلى أن العلاقات بين المملكتين «ممتازة بل وفريدة، ومبنية على أسس متينة وروابط خاصة وثقة متجددة وتضامن دائم».