تابع ص1 إن إخضاع الدين للسياسات والمواقف المزاجية الضيقة يضيع الحقائق الواضحة وسط ركام هائل من التزييف والتمييع والتزوير والتعصب.. فيعتقد البسطاء من الناس وحتى البعض من الخاصة أنهم يمسكون بناصية الحق المبتغى ، وأن ما سواه باطل ولو كان هو الصواب نفسه ...لقد تمكن هؤلاء عبر محطات من التاريخ من ذلك بسبب انتشار الجهل والتجهيل وتسطيح الافكار والفقر والأمية ..كما أن تراخي القوى المتنورة والراشدة في القيام بمهامها بمبرر أو بدونه أو تواطؤا ..وبسبب انخراطهم في صراعات وهمية لا مسؤولة، سهل عمليات التعطيل الممنهجة التي تريد جعل الشعب مجموعة من الإمعات المنفذين للأوامر ولو كانت بإراقة الدماء وخراب البيوت وسبي الحرائر وهذا نجده ونراه في العديد من الحقب والدول ...فرهنوا بذلك الشعوب في متاهات وغيبوبة وظلمات بعضها فوق بعض الله أعلم متى ستنقشع ومتى سيستفيق منها الواقعون تحت وطأتها .. فتأتى بذلك للرجعيين والانتهازيين والمتسلطين والمندسين ومرتزقة السياسة والدين أن يتطاولوا على كل شيء جميل ويقدموا أنفسهم ك»مصلحين «..؟ إن لكل زمان رجعيوه ومتآمروه ومرتزقته و...و تاريخ الامم والحضارات غني ،والكتب المقدسة مليئة بالقصص والامثال والحكم التي تثير انتباهنا لنتجنب طريقهم، ولنحذر التعامل معهم ... إن الحياة الفردية والعامة إجمالا لابد لها من أهداف وغايات، تعلق الامر بالمخلوقات الحية العاقلة وغير العاقلة ..ولابد لها أن ترقى بقيمة الوجود الحي وتسمو بالأفكار والسياسات والاخلاق والممارسات المختلفة الى مستويات تحقق الكرامة للجميع ... إن الايمان الذي هو قلبي وعقلي لا يمكن أن يدركه أي مخلوق لأنه أمر غيبي في الوعي الفردي لا يعلم به الآخرون إلا عند إظهاره وإشهاره ...وقد يظهر البعض على مستوى الأقوال والطقوس ما يمكن أن يبدو لنا إيمانا لكنه في حقيقة الامر هو محض نفاق وتصنع يناقض جملة وتفصيلا كل ما هو جميل ونبيل ... فالذي يحكم على الايمان حقا وصدقا وعلما هو الله سبحانه وتعالى، ولا أحد سواه وكل من ادعى غير ذلك فهو يتطاول على ما يختص به الخالق ...وفي هذا قال الرسول الكريم للذي أجهز على رجل في حرب بعد أن نطق بالشهادة .. «...يَا أُسَامَةُ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟!)) قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا [إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاَحِ] [أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟! أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا ؟!] فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ...» ..إلا أننا اليوم نلاحظ أن البعض حول الدين الرحب والذي هو واحة لا حدود لها من الرحمة والحب والانسانية الراقية الى ملكية - بكسر الميم -مذهبية منغلقة و .. حيث يوظف ادعاء وافتراء كمرجعية حزبية سياسوية .. فأصبحوا يربطون الايمان الخالص الصادق بالدين بالانتماء السياسي الطائفي والمذهبي للأذرع التي يسمونها دعوية أو تبشيرية أو كهنوتية تحايلا ... فتوقد أفرنة الفتن الدنيوية الجهنمية التي تمزق وتضعف الدول والامم حتى يصل بهم التهور الى عصيان أوامر الله التي تحرم القتل والترهيب، وتمنع التضليل وإفساد العقول وتنبذ الإكراه ..فسعوا لتبرير التنافس وتباهوا بالقتل والتقتيل والاقتتال الذي لا يبقي لا وحدة ولا رحمة ولا مأوى ولا كرامة ..فأصبح الدين مطية لمن هب ودب من الذين يرجون منه مالا يأذن به الله ورسوله ... وهنا نذكر بموقعة صفين بين سيدنا علي (ض) ومعاوية ،حيث رفعت المصاحف على أسنة الرماح والتي امتدت آثارها المدمرة و السلبية الى يومنا هذا ...ونذكر بقصة مؤامرة حصار سيدنا عثمان (ض) والادعاءات المعتمدة لتبرير جريمتهم ومن ثم قتله... وما قاله عبد الله بن سبأ زعيم ومنظر الفتن والضلالات وملهم من جاء من بعده من التحريفيين ليضرم نيرانا لم تنطفئ الى يومه ....» أن عثمان أخذ الخلافة بغير حق وهذا علي وصيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهضوا في هذا الأمر فحركوه ، وابدأوا في الطعن على أمرائكم ، واظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس ، وادعوهم إلى هذا الأمر «..الخ ..إن لكل مجال من مجالات الحياة البشرية «أئمته» ...في السياسة والاقتصاد والطب والادب والفنون ...فإذا فسد إيمانهم ونواياهم فسد عملهم وشاب حياتهم الغرور والتطبع مع التضليل .. فستصبح النتائج على العموم مختلة فاسدة ومفسدة ومسيئة للعلم واهله والناس كافة إلا من له قدرة على معرفة خبايا الاشياء، واكتشاف حيل المغرضين لينجو بنفسه وفكره وبدنه وعمله من المهلكات.. ابتغاء مرضاة الله. فكما تحدثت الكتب المقدسة عن أحبار ورهبان يضلون الناس ويصدون عن سبيل الله، فكذلك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعض الذين يصنفون أنفسهم من « العلماء» اتباع الضلالات التي تقدم على أنها عين الإيمان وقلبه ..يعملون من أجل صد الناس عن السبيل القويم ويأكلون أموال الناس بالباطل...وفي مثلهم قال رسول الله (ص) : «لست أخاف على أمتي جوعاً يقتلهم، ولا عدواً يجتاحهم(يستأصلهم) ولكني أخاف على أمتي أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم(أضلوهم)وإن عصوهم قتلوهم «. إن التضليل السياسي والاعلامي الذي يعمل من أجل قلب الحقائق والمفاهيم وتشكيك الناس في معتقداتهم، ويحط من مستوى وعيهم ونضجهم بإفساد وتمييع الذوق العام السليم عن طريق الاستهزاء والاستهتار والغمز والهمز والإساءات المباشرة المحملة بالإيحاءات التكفيرية أو التجهيلية أو اللا أخلاقية أمر في غاية الخطورة ..لأنه سيؤسس «لثقافة « لن تحترم أيا كان وستنتج مصطلحات وخطابات محملة بكلمات مبتذلة وساقطة يصعب اجتثاثها اذا تطبع عليها المجتمع، خاصة إن كان مصدرها بعض الآباء والساسة وبعض أهل الحل والعقد الذين ينصبون أنفسهم ناطقين باسم السماء في الارض وباسم الزعامة في السياسة والدول ... لهذا نبهنا الله ورسله أن نحفظ قلوبنا من الصدأ كما ألسنتنا من الاساءات ..»عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟، قال صلى الله عليه وسلم [أمسك عليكَ لسانكَ وليَسعْكَ بَيتُك وابكِ على خطيئتكَ» ويقول ابن القيم رحمه الله : « وفي اللسان آفتان عظيمتان أن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى : آفة الكلام وآفة السكوت وقد يكون كل منهما أعظم إثما من الأخرى في وقتها. فالساكت عن الحق شيطان أخرس، عاص الله، مراء، مداهن إذا لم يخف على نفسه والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص الله وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته فهم بين هذين النوعين .. وأهل الوسط وهم أهل الصراط المستقيم كفوا ألسنتهم عن الباطل وأطلقوها في ما يعود عليهم نفعة في الآخرة .» إن الامر يكتسي خطورة مضاعفة إذا انطلق وقام ذلك التضليل على نية مبيتة تسعى لتكريسه وجعله منهجا في الحياة كما فعل العديد من الديكتاتوريين والمتسلطين منذ القدم فأصبح التضليل يعلم كمنهاج ويختار لهذه المهمة المتمكنون منه لتوريثه وتلقينه للأجيال ..ولهذا لا يستغرب المؤرخون والعلماء عندما يجدون في زماننا أتباعا وأنصارا لأفكار ومذاهب تسببت في الفساد والفتن والابتلاءات منذ قرون بل حتى عشرات القرون يبذلون جهودا عدة لأجل ضمان استمرار فعالية قسم الشيطان بالكيد لبني آدم ، حيث قال في ذلك سبحانه وتعالى.. « قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ «الحج. نسأل الله أن يوفق كل النفوس الى الطريق السوي الذي يحقق للناس كافة الأمن والأمان الروحي والنفسي والجسدي، بما يضمن احترام الحق في الاختلاف والعيش الكريم ...