نستعد للسفر لمغادرة الصين العجيبة بحداثتها، وأسمح لنفسي بغير قليل من الكآبة.. المشفوعة بكثير من التلهف إلى البلاد وعناقها، بغير قليل من الشاعرية الخام… كيف يمكن أن تحكي لي حياة الآخرين باللغة نفسها التي تقول بها دهشتي؟ هذه الحياة التي ينقصها قسط من المجهول..دوما، قد تملأه الرحلة المباركة في الحرمين أو إلى الصين، كما أراد نبي لله أن نفعل… كما لو أن الحاضر لا بد له من جزء من المستقبل، لكي يزيد وضوحه، وبقاؤه في حدود ما نستطيع عيشه.. نسيت أن أقول منذ البداية، أني صحبت معي ديوان شعر،« لم يسبق لي أبدا أن سافرت لصاحبه، إيمانويل غودو، وتمام اسمه كتمام بطل الرحلة المسرحية العبثية عند بيكيت…… أهي مصادفة، أم قدر ملتبس أم مكر أدبي ثلاثي الأضلاع، جمع بين الديوان المذكور «ومذكرات محمد البريني» و«غرق الحضارات» عند أمين معلوف؟ لست أعرف بالتحديد…كل ما أعرفه أن لكل واحد من المؤلفات معنى ما من الرحلة وفيها.. هكذا أجلنا الكثير من الفهم إلى أن عدنا هنا، كما لو أننا كنا طلبة مغاربة في بداية القرن العشرين، بعثتنا البلاد إلى الخارج لكي نعرف بقعا أخرى للشمس في المعرفة… ******** كانت الجولة في نهر هوانغبو في شنغهاي، بالرغم مما توحي به من رومانسية قديمة، إطلالة على رومانسية ما بعد الحداثة: نهر غامر، يتوسط مدينة، كانت في القرن العشرين مستنقعا آسنا، تتوالى على طوله حداثة عمرانية لم يصلها العالم كله.. هنا الغرب والشرق وجها لوجه…، كذلك كان، ولكننا تلك الليلة غيرنا من مطعمنا الإسلامي إلى مطعم عاد، يتقدم فيه الناس بأذواقهم لا بدياناتهم، وتم الفرز على هذا الأساس… كان برنامج الغد يتضمن زيارة المدينة القديمة «زوجياجياو»، وحقيقتها أنها مدينة الماء،على بعد 30 كلم غرب مدينة شانغهاي.. بندقية القارة الآسيوية.. قلنا لهم لا نريد شيئا آخر.. كان البرنامج يتضمن زيارة حديقة يو غاردن..يويوان أو حديقة السعادة، وهي حديقة كلاسيكية تقع في منطقة أنرين جي في مدينة شنغهاي ويبلغ عمرها ما يناهز 500 عام، لذلك تعد من أقدم الحدائق على الإطلاق في المدينة. تحتل الحديقة مساحة تقارب 20 ألف متر مربع وتحتوي على العديد من مناطق الجذب السياحي مثل الصخور، البرك والأديرة، وجميعها أماكن فريدة من نوعها تستحق الزيارة. أشياء لا مثيل لها مما يبدو من التقديم لها، لكننا كنا نحبذ شيئا آخر، فقلنا لا ! ودعنا البرنامج أيضا بمعبد المدينة.. الذي تلتقي فيه السماوات والأرض، عند خاطر الإنسان الصيني الباحث عن الجمال في الإيمان. قلنا لا! نريد يوما خالصا للتسوق والتبضع والتحرر… وكان لنا ذلك، فلم نر ما كان علينا أن نراه في يوم الأربعاء 11دجنبر. ما بين أزقة شارع نانجينغ، الذي يعد المركز الفرنسي بامتياز في المدينة، والذي نسبت إليه معاهدة نانجينغ التي كانت تهم الوضع الدولي لشنغهاي، والامتياز الفرنسي خصوصا فيها، وبين دار الشاي القديمة و«مولات» الملابس،… كانت الطائرة تنتظرنا في مطار شنغهاي، الرحلة « ek303»إلى دبي… من مصادفات الرحلة إلى الصين هو هذا الموعد المتكرر مع المستقبل، واقعا وخيالا في السينما. في الطائرة أجد المستقبل أمامي، فيلم صيني عن الخيال العلمي تظهر فيه أبراج شنغهاي صامدة، منها برج المدينة ثم برج البث التابع ل«شنغهاي ميديا غروب»، فيلم، «الأرض التائهة أو المتشردة»،«The Wandering Earth». هو أكبر فيلم في الخيال العلمي، صار الأول في تاريخ البلاد من حيث نسب المشاهدة، بل كان أول فيلم تسمح فيه الصين بظهور شنغهاي وبيكين وهي تنهار…… الغريب أن القصاصة التي قرأتها بعد أن أنهيت الحلقات كانت هي: استنبات أول بذرة زراعية على سطح القمر من طرف الصينيين…! فقد كشف علماء صينيون عن نجاحهم في استنبات أول بذرة زراعية على سطح القمر. ونقلت وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) عن علماء ببرنامج الفضاء، أن باحثين استزرعوا بذرة قطن حملها المسبار «تشانغ آه – 4». وذكر الباحثون أن المسبار نقل بذور القطن واللفت والبطاطا، وكذلك بيض ذبابة الفاكهة وبعض الخميرة إلى القمر، لتشكيل محيط حيوي مصغر وبسيط. وأظهرت الصور التي أرسلها المسبار أن برعم بذرة القطن ينمو بشكل جيد، على الرغم من عدم رؤية نمو أي نباتات أخرى، حسب المصدر نفسه. وأشار الباحثون إلى أن هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها إنبات بذرة زراعية على سطح القمر. كل الذين تخيلوا أن القمر لا نبات فيه، اللهم إلا إذا أغراهم الخيال العلمي بذلك، تبين لهم أن الصين قادرة على المعجزة.. ولفت الباحثون إلى أن هذه التجربة قد تساعد في تأسيس أول مستوطنة بشرية على سطح القمر. ويمكن أن نخمن أنها ستكون صينية، بسبب أن الذي يسبق الآن في الفضاء هم أحفاد ماو وكونفوشيوس.… وأوائل الشهر الجاري، يناير 2020، نجح المسبار الفضائي الصيني الاستكشافي «تشانغ آه – 4»، في الهبوط على الجانب المظلم من القمر. ويعد المسبار الفضائي، أول مركبة تهبط في الجانب المظلم من القمر في تاريخ البشرية. الوجه المظلم، هناك حيث ينام القمر الذي غنت عنه فيروز..احنا والقمر جيران! (انتهى)