لماذا استعصى تعميم التعليم الأولي في جميع المدن والقرى المغربية إلى اليوم ؟ لماذا يتم الإبقاء عليه خارج جبة الوزارة المعنية ويوكل تمويله وتأطيره لجهات أخرى؟ ألا يعتبر أساس إصلاح المنظومة التربوية كما جاء في العديد من الخطب الملكية والتوصيات والتقارير؟ لماذا تتباين البرامج، تربويا وإداريا، بحسب المؤسسات والجهات الراعية ويغيب تأطير وتقنين فضاءات التدريس وأيضا تغيب المراقبة والضبط التربويين؟ لماذا يغيب نظام أساس للأطر العاملة في هذا الطور التربوي، الذين يعانون من أجور هزيلة وعدم استقرار مهني ومن تكوين ضعيف؟ أسئلة عديدة وقضايا مختلفة سنتطرق لها بالتتابع ونقف عند الإكراهات وأيضا الإيجابيات التي أنجزت في هذا المجال، وعلى رأسها الإطار المنهاجي للتعليم الأولي الذي سنفتتح به هذا الملف وسنتطرق بتفصيل لمحاوره في حلقات، حتى يستقيم السؤال لماذا لم يقف التعليم الأولي على سكته الصحيحة رغم إطار منهاجي يضبط المهنة. وسنترك بعده الكلمة لجميع شركاء هذا الورش المفتوح منذ 20 سنة، لشرح أسباب التعثر وأفق الانطلاق. «من أجل تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع الأطفال المستهدفين من هذا الصنف من التعليم، بجعلهمومن دون تمييز، مكتسبين لكفايات تربوية أساسية تمكنهم من تعلم مهارات الحياة والاندماج بسهولة في أنشطة التعليم الابتدائي». وضع المنهاج التربوي للتعليم مرجعا بيداغوجيا يستند عليه أي تدخل تربوي لفائدة طفل (ة) التعليم الأولي، بغض النظر عن انتمائه السوسيوثقافي أو طبيعته النمائية، أو خصوصيات بنية التعليم الأولي التي سجل بها. ففي حالة الأطفال في وضعية إعاقة بمختلف فئاتهم، تبقى الكفايات التربوية التي يحددها المرجع البيداغوجي هي المنطلق الأساس في الاشتغال مع هذه الفئة من الأطفال، ويمكن من خلالها وضع برامج خاصة ملائمة لنوعية كل صنف من أصناف الإعاقة. وتبعا لذلك، يقتضي الأمر،عند الأجرأة العملية للأنشطة مراعاة عدد من المبادئ التربوية في طليعتها: البحث عن نقط القوة عند الطفل (ة) للانطلاق منها كمدخل يضمن شد اهتمامه للتعلم والاكتساب، وييسر بالتالي انخراطه الكبير في الأنشطة المقترحة عليه . – عند شد الاهتمام، يوجه التركيز إلى الجوانب التي يشكو الطفل (ة) من نقص فيها بسبب الإعاقة التي يعيشها. فالطفل(ة) التوحدي مثلا يكون بحاجة أكبر إلى تعلم التعبير والتواصل وقواعد العيش المشترك . والطفل(ة) في وضعية إعاقة ذهنية في حاجة أكبر إلأى استكشاف ذاته ومحيطه، إلى جانب تطور ذهنه واكتساب آليات تنظيم التفكير لديه. – الانفتاح على الجوانب الأخرى من شخصية الطفل في وضعية إعاقة،لأن هدف التربية ماقبل المدرسية هو تنمية الشخصية بمختلف جوانبها وإثرائها بالأدوات والآليات الفكرية والمهارية التي تجعلها مهيأة للتعلمات المدرسية في ما بعد. وانطلاقا من ذلك، وبعد دراسة الملف الطبي للطفل (ة ) في وضعية إعاقة وضبط نتائج التشخيص الأولي لمواصفاته العامة ولخصائصه النمائية، يتم وضع مشروع تربوي تحدد فيه التعلمات الأساسية انطلاقا من الهندسة المهيكلة للإطار المنهاجي والتي ستتولى المربية نفسها مهمة إنجازها مع الطفل (ة)المعني، ثم التعلمات الداعمة التي تحدد بتعاون مع الفريق شبه الطبي. والذي يتولى هو نفسه إنجازها لفائدته من تقويم للنطق وتدريب على التحكم في الحركات الدقيقة وضبط التآزر الحسي الحركي وتطوير لبعض العضلات في أعضاء معينة بالجسم لمساعدته على السيطرة على حركاته وتوجيهها نحو ماهو وظيفي ومساعد على إنجاز ما هو مطلوب منه. وعند وضع المشروع التربوي للطفل (ة)، يتم اعتماد طرائق للتنشيط تكون ملائمة لخصوصيات نوعية الإعاقة وتقوم على تفريد التعلمات واحترام الإيقاعات الخاصة بكل طفل وطفلة. مجالات التعلم بما أن الإطار المنهاجي لم يحدد كفايات تربوية خاصة للأطفال في وضعية إعاقة، وجعل المرجع البيداغوجي هو الإطار العام المحدد للكفايات التربوية، فإن مجالات التعلم تبقى عامة ولاتقبل التخصيص، إلا في حالات بعينها يمكن للمربيات والمربين وضع برامج خاصة لها. حيث تم اعتماد مجالات تعلمية تنتظم حولها مختلف الأنشطة التربوية المقترح إنجازها داخل فضاءات التعلم. من أجل أجراة الكفايات التربوية وتنميتها لدى الأطفال ومراعاة لخصوصيات المرحلة النمائية لطفل (ة )التعليم الأولي بصفة عامة. وفي هذا الجانب، اعتمدت هندسة الإطار المنهاجي تسميات جديدة عوض التسميات المتداولة والمأخوذ أغلبها مما ينجز في السلك الابتدائي، فاستبدل مفهوم المواد الدراسية بالمجالات التعلمية ،واستبدلت تسميات المواد الاعتيادية من تعبير وقراءة وكتابة وتربية إسلامية ورياضيات وأنشطة التفتح العلمي والفني بتسميات جديدة أكثر ارتباطا بجوانب شخصية الطفل من جهة وبالكفايات التربوية الأساسية من جهة ثانية . وتم وضع مجالات تعلمية تتوزع على خمسة مجالات. يتضمن المجال الأول استكشاف الذات والمحيط البيئي والتكنولوجي. ويهتم هذا المجال بالانكباب على استكشاف الطفل لجسمه، تعريفه وتثمينه والمحافظة عليه. وفي الوقت نفسه الانفتاح على المحيط الخارجي (البيئي والتكنولوجي)لاستكشافه وتعلم القواعد الأولية للتفاعل معه بشكل إيجابي وبناء. المجال الثاني: بناء الأدوات الأساس لتنظيم التفكير. ويروم هذا المجال الاشتغال مع الطفل من أجل تنمية آليات ذهنية لديه (عمليات عقلية أولية) تمكنه من الإدراك الصحيح للأشياء المحيطة به وفهمها ومقارنتها وتنظيمها، وبالتالي اكتساب أدوات منهجية لتنظيم تفكيره ومعالجته للأشياء. المجال الثالث: بناء أدوات التعبير اللغوي والتواصل . ويخص هذا المجال إتاحة الفرصة للطفل(ة)للتعبير اللفظي عبر تعليمه الأدوات الأساسية التي تمكنه لاحقا من اكتساب اللغة واستعمالها في تواصله مع الآخر، كما يستهدف تحسيس الطفل بالقواعد الأساسية للتواصل وتدريبه على قواعد الكلام والحوار والإصغاء. المجال الرابع: تطوير السلوك الحسي الحركي والذوق الفني . ويتضمن الاشتغال على تنمية المهارات السيكولوجية للطفل(ة) وتطوير تناسقاته الحسية –الحركية التي تحتاجها بعض الإنجازات التعلمية. كما يهتم كذلك بتطوير الجانب الفني والجمالي لديه عبر أنشطة وألعاب لتربية حساسيته الفنية الأولية والتدريب على استخدام بعض التقنيات البسيطة للتعبير الفني . المجال الخامس: بناء القيم وقواعد العيش المشترك. ويتوخى هذا المجال تنمية الجانب الوجداني والاجتماعي لدى الطفل (ة) عبر أنشطة عملية تحسسية ببعض القيم السلوكية التي يتعين اكتسابها بشكل تدريجي، وذلك من خلال الوقوف أساسا عند مستويين اثنين من المستويات المعتمدة في بناء القيم (الاستقبال والتقبل).