توج مؤخرا مسار الأديبة والفنانة التشكيلية لبابة لعلج بالدكتوراه الفخرية من طرف منتدى الفنون التشكيلية الدولي في إطار حفل تكريمي أقيم بالفضاء الثقافي لوزارة الاتصال بايموزار كندر، وذلك بحضور عدد وازن من النقاد والباحثين الجماليين، حيث تعزز هذا الحفل بتقديم وتوقيع كتابها الشعري الجديد «شذرات» ، في نسختيه الفرنسية والعربية بعد إصدارات نقدية وجمالية :»عوالمي» (مونوغرافيا) «بزوغ غرائبي» (دليل معرض فردي بالصويرة)،»أفكارشاردة» (ديوان شعري)، «تصوف وتشكيل» (قيد الطبع)،»سيدات العالم بين الظل والنور»(مؤلف جمالي حول تجربتها قيد الطبع)، «المادة بأصوات متعددة»(مؤلف نقدي حول تجربتها قيد الطبع)،»ملحون وتشكيل» (قيد الطبع)، «تجريد وإيحاء»(مؤلف جمالي حول تجربتها قيد الطبع). في مدخل مؤلفها «شذرات»، كتبت لبابة لعلج: «أحكي حلما مهيبا آخر، هو تأمل بلا نهاية حيث شذراتي تظل كمالي. شغفي. مولعة بالحب، بدون عائق آخر سواي.»بهذا النص الجمالي المعنون ب « لبابة لعلج تبلبل الحواس مفككة شفرة الكلمات / الآلام» قدم د. رشيد دواني هذا الديوان الشعري: «شذرات…شذرات حياة، شذرات موت، شذرات حب، شذرات الذات والآخر. تمنح هذه الشذرات قوتها لطاقة عراك تشكل في ذاتها أصل مبدأ الإبداع. الإبداع يغلي بين بياض وعذرية الكائنة الكاتبة، والصفحة التي ستصبح اشتعالا على نار الجسد / القلم بين قوة وعنف. عناق المشاعر والكلمات والصفحة. إلهام على حافة الانتشار. إرسال مبدأ الإبداع هذا حيث يتم كل شيء بشكل تناوبي في العطاء كما في العراك عبر القلم بديلا للجسد… لم يكن عمل أصفى من فعل الكتابة في وازعه الأصلي. إنه بالفعل الكلمة التي يحترق بها الجسد، الجسد المتشظي، المجمع في شكل شذرات.هذه الشذرات بلبلة للحواس مفككة شفرة الكلمات/الآلام المحمومة التي تتوالى وتتدافع لاستحضار واقع رغبة تؤرق وتغرق في هذا الحبر الذي يترصده القارئ ويستحسنه، منبهرا ومفتونا بهذه المابينية. تلك اللحظة بين اللحظات تسم أبدية الكتابة الشذرية حيث لاشى يشبه اللاشيء. كتابة مستعصية وعصية: كتابة نشوية ومتعية … متعة تنبع من روح الشاعرة لبابة لعلج، من المقول واللامعقول، من هيجان الرغبات المنصهرة موزعة بين حروف رهيفة لاختيارها وإهدائها دون اصطدام، واقية، مؤثرة، غنائية و حساسة.». ملامح سيرة جسدٍ في شذرات بدوره تفاعل الشاعروالباحث الجمالي بوجمعة أشفري مع عوالم هذا الديوان الشذري عبرتقديم مقطعي فيما يل ينصه الكامل : « سهمُ اللذة. لذةُ الافتتان. صورٌ كامنة في الشذراتِ. شذراتٌ كامنة في الصور. هي تكتبُ عن ما يشبهُ جسدها. تحمل إليه اللغة. تتهجى حروفها. تُسدل الحُجُب عليها. تشيرُ إلى شيء ما. تقول: ذاك هو جسدي… ذاك هو جسدُ أمي… وتلك ذكرياتي. اليد تخُط الكلمات، تحكي سيرة جسدٍ لصيقٍ بالأرض «يركضُ وراء الريح»، يسائل روحه عن كيفية «الانطلاق من نقطة الصفر ومن تحولٍ إلى تحولٍ آخر لتلطيف الألم». ومن سوى «الشَذريِّ» يمكنه أن يحتويَ الظاهر والباطن بين ثناياه. بين الحُلم واليقظة نقرأ «ما يصعق الكتابةَ ويؤجج عنفها»(«كتابة الفاجعة»، موريس بلانشو، ترجمة عز الدين الشنتوف، دار توبقال للنشر، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى 2018، ص. 90). لهذا نجدُ في «حجاب الحُجُب» سؤالَ الحنين، سؤالَ «الجسدِ المجهولِ» الكامنِ في كيانِ الذاتِ الكاتبة. الشذرات لا تُخبرُ بما يكمن فيها، بل فقط بما توحي به… وما توحي به يضيئها؛ تماما مثل بصيص ضوء يتراءى من بعيد، ما إن يتم الاقترابُ منه حتى يخبو ويزول. لذلك اختارت الكاتبة لبابة لعلج تسمية عتبات شذراتها بال «حُجُب». ومن دلالات الحجاب في اللغة العربية: الساتر، ما أشرفَ من الجبل، ما يفصل بين الصدر والبطن، غطاء يُحدد كميّة الضوء المارِّ إلى العدسة أو النظام البصري، وحجابُ الشمسِ: ضوؤها. تضعنا لبابة لعلج أمام مرايا يتصادى فيها أنين الناي ولحن الكمان الغجري، حين تتوحد الألوان والأجناس ولا يبقى ثمة فرق بين الثقافات والهويات؛ إذ في أديم الأرض لا فرق بين «عربية، يهودية، سوداء، شمالية أو أسيوية». وتمتزج الشفافية بالغموض، معًا ينأيان بعيدا حد التلاشي، حتى إذا طَرَفتِ العينُ، هَمهَمتِ الأمُّ: «مرحى بك أيها اللَّمعُ»، ليرتد رجع الصدى: «ويا أمي، مع حليبك شربتُ الصقيع!»( «والواحدة لا تتحرك بدون الأخرى»، لوس إيريغاراي، منشورات مينوي، باريس، 1987، ص. 7.). وفي لحظة من لحظات «حُجُب الظلال» يَبرقُ نور مخمليٌّ، في غَمرِ الليل، على اسم ال «أنا»: لامٌ في مُفتتح الاسم الشخصي، ولامٌ في مُفتتح الاسم العائلي. اللامانِ معًا إيذانٌ بشروق الشمس. اللام الأول حُضنٌ واللامُ الثاني بَلسَمٌ. عشقُ الاسم من عشقِ الجسد. وهما هنا في هذه الشذراتِ حضورٌ وغيابٌ؛ سِرٌّ عصيٌّ على الإدراكِ. خَ(يْ)ط رهيف يلوح بين الأبيض والأسود. نشوة رمادية تسري في شرايين هذه الشذرات. من نشوة ال «أنا» إلى نشوة الآخر. السَّفر عبر هذه الحُجب/ الشذراتِ يُنعشُ الاختلاف. يدٌ تَخُطُّ، عينٌ ترى، ولسانٌ يتهجى: «دائما تَنفينِي الكلمةُ حيثما يتمزَّقُ الأصل دائما حيثما أقدر على الكلام أفسِّخُ وَحدةَ الفكر أليسَ حوليَ العاطِفةُ المتوتِّرة العلامَة؟ أمَا مِن منظرٍ أرسمُ فيه تِيهي؟»(«المناضل الطبقي على الطريقة التاوية»، عبد الكبير الخطيبي، ترجمة كاظم جهاد، دار توبقال للنشر، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى 1986، ص. 50.). بريقُ شذرةٍ واحدةٍ يغشى كينونة هذا الجسد الذي وُلدَ من جسدٍ آخر. في الهزيع الأول من الليل، كما في الهزيع الأخير من الليل، يُغيِّرُ الجسدُ جِلدهُ، يصير في المِرآة أمًّا وأبًا، تتعدَّدُ أسماؤهُ… تتجانسُ الأشكال في المرآة، تزوغ بين غربٍ وشرقٍ، تتجلى خطًّا، حرفًا، علامةً، لتصير في النهاية فِتنَةً غير قابلةٍ للاحتِواء. «. للتذكير فان المعهد العالي للصحافة والإعلام بالدارالبيضاء بدوره قد نظم مؤخرا حفل تقديم وتوقيع كتاب «شذرات» للأديبة والفنانة التشكيلية لبابة لعلج بمدرج العربي المساري؛ بحضور عدد من المهتمين بالشأن الفني والثقافي العربي والعالمي. ساهم في هذا اللقاء المفتوح مع الفنانة التشكيلية لبابة لعلج الذي سيره بشكل سلس وبليغ الكاتب الإعلامي د. طلحة جبريل كل من د. رشيد دواني، كاتب وأستاذ باحث؛ وبوجمعة أشفري، شاعر وباحث جمالي؛ ود. عبد الله الشيخ، ناقد فني وأستاذ باحث(مترجم الكتاب إلى العربية). تميزت وقائع هذا الحفل الأدبي الذي شهد حضورا لافتا من الباحثين والمبدعين والمهتمين بالشأن الثقفي الوطني والدولي بتسليم رمز تذكاري للمحتفى بها باسم المعهد العالي للصحافة والإعلام بالدارالبيضاء تثمينا لتجربتها الفنية الحداثية إلى جانب إهداء تحفة نحتية من إبداع الفنان المغربي عبد الرحمان رحول تقديرا لمسارها الفني. وحسب بلاغ للمعهد العالي للصحافة والإعلام، فإن هذا اللقاء يندرج في إطار اللقاءات الحوارية، التي تهدف إلى المساهمة في التكوين المباشر والمستمر لطلبة المعهد، تحت إشراف أساتذة ذوي كفاءات وخبرات إعلامية عالية، وذلك من خلال احتكاكهم بشخصيات وازنة من أجل إعداد صحفيين وتقنيين مؤهلين للقيام بواجبهم الإعلامي.