صانع المحتوى بول جايك يهزم أسطورة الملاكمة مايك تايسون في معركة الوزن الثقيل بين الأجيال        الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    السكوري: الحكومة تخلق فرص الشغل    إقصائيات كأس إفريقيا 2025.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على مضيفه الغابوني (5-1)    توافق وزارة العدل وجمعية المحامين    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    المنتخب المغربي يقلب الطاولة على الغابون ويفوز بخماسية خارج الديار    السكوري يبرز مجهودات الحكومة لخلق فرص الشغل بالعالم القروي ودعم المقاولات الصغرى    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    فيضانات فالنسيا.. المديرة العامة للوقاية المدنية الإسبانية تعرب عن امتنانها لجلالة الملك على دعم المغرب لإسبانيا    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    لقجع يهنئ سيدات الجيش الملكي    لقجع: في أجواء التوترات الجيوستراتيجية التي تطبع العالم مافتئ المغرب يؤكد قدرته على التعاطي مع الظروف المتقلبة    حماس "مستعدة" لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب "للضغط" على إسرائيل    سانشيز يشكر المغرب على دعمه لجهود الإغاثة في فالنسيا    جثة متحللة عالقة في شباك قارب صيد بسواحل الحسيمة    وزيرة مغربية تستقيل من الحكومة الهولندية بسبب أحداث أمستردام    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية بعدد من أقاليم المملكة    جائزة المغرب للشباب.. احتفاء بالإبداع والابتكار لبناء مستقبل مشرق (صور)    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    الصحراوي يغادر معسكر المنتخب…والركراكي يواجه التحدي بقائمة غير مكتملة    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت" (فيديو)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة        قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظلم شديد، تشترك فيه أطراف متعددة...

بإمكاننا أن نحمل المسؤولية الاولى في تزايد الطفلات كعاملات بالبيوت، الى الابوين، فمهما اشتد فقرهم فهما المسؤولان الحقيقيان، عن دفع أبنائهم الى العمل وحرمانهم من حقهم في ممارسة مرحلة طفولتهم كاملة بين الدراسة واللعب...
منطقيا واجب الابوين تحمل مسؤولية الانفاق على أبنائهم، وتوفير أضعف الإمكانيات لصون كرامتهم من خلال توفير لهم أجواء الدراسة، وبعد سن الرشد من حق الابوين تبادل الأدوار مع أبنائهم ان شأوا، فينتظروا منهم مساعدتهم المالية ما ان وجدوا فرصة لاشتغال، فحينئذ الامر ليس عيبا ...المسؤولية الثانية في انتشار الظاهرة تقع على الاسرة المستقبلة للخادمات، فغالبا ما تشترط عدة نساء تشغيل طفلة تقل عن 16 سنة بحجج متنوعة، ولأسف الشديد نجد بين هؤلاء النساء مثقفات، بل أحيانا ينشطون داخل جمعيات المجتمع المدني ومع ذالك يساهمن في ارتكاب مثل هذه الجرائم الإنسانية... المعلوم حسب تصريح أغلب "السماسرة" المتخصصين في وساطة عاملات البيوت، أن الموظفات لا تقبلن سوى تشغيل الفئات الصغرى، في حين كلما من يرغب أحد في عاملة لوالديه المسنين، يشترط عاملات تجاوزن الأربعين سنة، بينما لا تقبل أغلب الاسر تشغيل الشابات التي تتراوح أعمارهن ما بين 20 و40 سنة، فهن مرفوضات بشكل قطعي عند الأغلبية ان لم يكن عند الجميع، دائما حسب أصحاب الوساطة في هذا الميدان...
ان مسألة العرض والطلب في تشغيل عاملات البيوت، لا تخضع أساسا لوجود مؤسسات قانونية مختصة، تنظم هذه العملية التي تستوجب شروطا قانونيا، متعلقة بالسن القانوني، الذي كان قد حدد سابقا بالمغرب في 15 سنة ومع ذالك لم يكن معمول به عند الأغلبية، حيث صادفنا مرات عاملات لم يتجاوزن 10 سنوات إضافة الى غياب ثقافة تأمين العاملات بالبيوت، فمهما اشتد غنى الاسر التي تستقبل الخادمات، نجد فئة ضئيلة جدا من توفر للمرأة العاملة بالبيت حقها في التأمين، الا في حالات نادرة تتعلق باستقبال العاملات الاجنبيات...
بمعنى أن القوانين المؤطرة للعمل بالبيوت لازالت جد ضعيفة، ما شجع كل الأطراف المتدخلة وغياب قوانين زجرية، يرفع من مؤشرات "ظاهرة تشغيل الطفلات" اللواتي يحرمن من متابعة دراستهن كما يحرمن من حقهن في اللعب والبراءة مثلهم مثل الأطفال الاخرين...
لا ننكر طبعا بعض المجهودات التي قامت بها الدولة والمجتمع المدني من اجل إيجاد صيغة للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال بشكل عام، حيث سبق لوزارة التربية الوطنية أن أقدمت على برنامج "تيسيير" البرنامج الذي يهدف للحد من ظاهرة الهدر المدرسي، عن طريق تقديم دعما ماليا مباشرا للأسر الفقيرة والمعوزة للتخفيف من عبئ تكاليفها ،ولكي لا يدفعوا أطفالهم للعمل بحجة عدم وجود الإمكانيات المالية لمتابعة دراستهم، وقد وفرت الجمعيات عدة درجات هوائية لمساعدة هؤلاء الأطفال على التنقل نظرا لبعد المدارس ولكسر هواجس الخوف على الاناث خصوصا من طرف ابويهم، وهن يتنقلن فجرا ويرجعن مساءا من المدارس، كما وفرت دور الفتاة ودور الطالبة التي توفر المسكن والاكل للوافدات زيادة على مبادرة مليون حقيبة التي يتكلف بها جلالة الملك شخصيا لدعم تمدرس أبناء المدارس العمومية في المغرب بأكمله ،يجب ان نعترف أن كل هده المبادرات المشجعة لتواجد الأطفال بالمدارس، جعلت فقط 92 الف منهم تذهب الى الشغل...
لأجل معرفة كيف تجرى عملية تشغيل الفتاة بالبيوت كان لابد أن نرافق "إبراهيم السمسار" حارس عمارة بحي حسان بالرباط، بالإضافة الى ذالك فهو يعمل وسيطا لجلب عاملات البيوت، وعليه فإما أن يحدد معك موعد مرفقا بالعاملة التي يقدم لك مواصفاتها مسبقا، حسب الطلب أو العرض، وإما أن يرافقك يوم الاحد نحو أسرة العاملة لأجل التفاوض بشكل مباشر مع ابوي الطفلة...
إنها التجارة في برأة الأطفال...
كان الاتفاق حول الطرح الثاني وهو الذهاب رفقة إبراهيم نحو اسرة الفتاة للتفاوض معهم حول اشتغال ابنتهم ولأننا نرغب في عاملة لا تتجاوز 15 سنة كانت الوجهة الى "دوار السكة" بسيدي يحيا الغرب ضواحي القنيطيرة، حيث كان لنا الموعد مع اب الفتاة الذي يشتغل سائق سيارة أجرة ،ويشغل 5 بنات اصغرهم 9 سنوات واكبرهم 16سنة يبدون مثل التوائم ،وجدنهن مصطفات في بهو مسكن أهلهم عبارة عن "براكة" 3 أخريات رضيعة وأخرى لم تتجاوز عامين بينما الثالثة عمرها 4 سنوات تقريبا تحمل دمية عارية ،مان رأتنا و لمحت "إبراهيم السمسار" خصوصا حتى هرولت بسرعة نحو أخواتها وعانقتهن بشكل جماعي وهي تبكي " ما تمشيوش أخواتي عاود وتخلونا حرام عليكم..." في مشهد جد درامي سوف يبكون بشكل جماعي ليصرخ في وجههم "إبراهيم" سكتونا مالكم عدنا كًنازة.." ...
خرج والدهن بعد سماعه صوت صاحبه السمسار ،والذي يبدو أنه كان مستريحا وقت المقيل بغرفة نومه داخل البراكة ،الى حين قدومنا، حيث لم يقدم لنا التحية حتى أخرج حزامه لتهديد بناته إما السكوت أو الضرب، رغم انهن بمجرد رؤية ظله غيرن من طريقة جلسوهن وهن ينظرن الينا انا و رفيقتي بنظرات كلها برأه ،وكلما ابتسمنا لهن يتجاوبون معنا بنصف ابتسامة، وكأنما هو حوار بلغة العيون حيث استمر تبادل النظرات والابتسامات قليلا، هن يتسألن عن أي مصير سنأخذ إحداهن اليه ،ليقاطع والدهم ذالك اللقاء الودي الذي جمعنا بهن، حيث تختزن عيونهن الجميلة حزنا عميقا، و تسألت في نفسي عن ما الدواعي للأقبال ابوهم على التجارة في فلذات كبده ،وهو في قواه الصحية، و بإمكانه ان يشتغل طيلة اليوم لتوفير أكلهن مادام لازال في قوة العطاء ...
بدأت أتسأل ألا يخاف على فتياته من التعذيب في البيوت، فعندما يشتغلن عند بعض الاسر السادية والتي لا تملك قلبا ولا إحساسا اتجاه العاملين عندها، وتعتبرهم عبيدا مقابل دريهمات قد تخرجها من أجسامهن النحيفة؟ الا يخشى عليهن من التعرض للاغتصاب وهي الظاهرة الأكثر انتشارا بأغلب البيوت والتي أصبحت تؤرق مضاجع اغلب الاسر؟ أيعلم الى أي جحيم سوف تنصرف بناته؟ أم أنه لا يهتم سوى بالنقود، فكرت مليا وتسألت مع نفسي، عما ان كن بناته فعلا؟ فلا يعقل أن يلد 8 بنات وهو يبدوا صغيرا في ملامحه، مع ان بينهن شبه كبير...
أسئلة عديدة انتابتني وأنا أحدق فتلك الملائكة الجالسة أمامي جلسة تلميذ يخشى معلمه، توقفت عن الأسئلة والحيرة بمجرد ما نادى زوجته" عيشة جيبي أتاي للناس" ثم التفت الينا يسأل من هي صاحبة الطلب ثم أشار بأصبعه الى البنات مصطفات "هاهما قدماكم ولله ما نعزهم عنكم لي بغيتها فيهم خديها، وخا راه فيهم لي جات غير دوز معنا الاحد، راه خدمات عند ناس أخرين،"...
يضف مبتسما ابتسامة كل طمع وشجع" راه ما كرهت تديو معاكم حتى هديك لي برضاعاتها، أنا راه عدي أمرة ما تولد غير البنات راه بقينا تابعين الولد حتى عملنا فريق ديال الكرة ههههههههههه..."
كنت قد كرهته بمجرد أن رايته في قمة الصحة والشباب ويصدر بناته للشغل، وأزداد كرهي له حين أشار الى بناته وكأنهم غنم، أو سلع رخيصة، لم يبقى امامي سوى إخفاء دموعي التي لم تتقبل المشهد، والتمست منه أن نخرج للحديث خارجا لأنني لم أقدر على الحديث أمام البنات...
لما بدينا له متأثرات، بدأ يردد جمل غير مفهومة مفادها ان دافعه هو الفقر وان الدولة لم توفر لهم السكن، وهم يعانون داخل الصفيح وكأن اشتغال ففتياه في عمر الزهور سيحل كل مشاكله، إضافة وأن تواجدهم داخل "الكريان" قد يعرضهم للاغتصاب في غيابه وكأنه يضمن لهم الأمان في بيوت الغير...
المهم حين خرجنا في اتجاه السيارة أوقفني "شوفي اختي نجيك من الاخر أحسن بناتي وردة وهي اكبرهم تعرف تعجن وتصبن وووو، كا نخرجها تخدم بعشرين الف فرنك(2000) درهم لكن باينة انت بنت الناس ومعقولة وحنينة عارف غادي تهلاي فيها ديها بخمس عشر الف فرنك (1500) درهم وإبراهيم السمسار ديالنا، انت عطيه شوي وانا نعطيه شوي."
تمهلت في الرد قليلا، وبعد أن فتحت باب السيارة أجبته، استسمحك سيدي فبناتك صغيرات جدا، وأنا أخشى القوانين وأخشى قبل القوانين الوضعية، قوانين السماء، لا أريد لبناتك الظلم ،فهن صغيرات على العمل، مكانهن المدرسة، فلو كانت لي الإمكانيات لوفرت لك أجرة احدهن الشهرية، واتكلف أنا بدراستها والاعتناء بها، فانا لا أرغب في تشغيل الطفلات، حتى وان اباحتهم القوانين، فمن باب الإنسانية لا يمكنني استغلال أطفال أبرياء، ذنبهم الوحيد أنهم فقراء، ولا يمكنني استغلال عوز عائلتهم للمال، فنحن لا ندري ما يخبئه لنا الزمن، وما سيفعل بنا او بأبنائنا، آسفة جدا لأننا لم نجد غايتنا، مع السلامة...
ونحن في الطريق بدأ السمسار يتمتم بعبارات أن بناته صغيرات البنية فقط، اما اعمرهن أكثر، وأننا ضيعنا علينا الفرصة وتنقلنا مجانا، دون ان نقضي أغراضنا وحدثنا عن أزمة الخادمات هناك من تريدها ب3000 درهم ولم تجدها ووووالخ..
بمجرد ما اقتربنا من بيته وسلمناه أتعابه، همس بصوت خافت وكأنما يخشى أن يسمعه أحد "شوفوا جيتوني بنات الناس وباين عليكم وجوه الخير، أنا عدي بنية طيارة، تقلب دار بوحدها، وعامرة وقلدة، ومكرضمة، بغيتوا كاع نجيب لكم صورتها، أنا ديتها عند عائلة في مابيلا ،ولكن الا تهليتو فيا، وحيت دخلتو لقلبي ،أنا نأخذها ليهم، نقولهم راه باها باغى يزوجها، ونجيبها لعندكم والله حتى تشكروني عليها ،راه ما تلقاوش بحالها ،عرفتي السيدة لي ديتها لها راها عطاتني 1000 درهم غير تسمسرة وجابت لي حولي ديال العيد شنو رايكم.."
فقط يكفي أن تذهب للبحث عن عاملة ،كافي لمعرفة الاثار النفسية القبلية للطفلة الخادمة فهي تعلم بدوامة اللعب والمساومة التي توضع فيها بين الدخلاء، ومنهم والدها للأسف الشديد، فضلا ان تواجدت وسط اسرة لا ترحم، ونحن نرى بعض العائلات سواء من معارفنا او ممن نصادفهم في الفضاء العام ،كيف يعاملون عاملتهم الصغيرات، بحيث يظهر الفرق الشاسع بين أطفالهم و الطفلة التي تشغل لديهم، كما يصرخ في وجهها أمام الجميع، تعبيرا عن قوة التملك ،وكم من مرة في الأسواق الممتازة نصادف طفلة عاملة تحمل ابنة مشغلتها وهي تكبرها حجما وان كانت اصغر منها عمرا، لان بنية العاملة ضعيفة نتيجة لسوء التغذية ،وقلة النوم ،وفي الحمامات نجدهن يحملن اثار الكي بالنار عقابا ربما على فعل بسيط يتعلق بأدنى حقوقهن ، وبدون رحمة ولا شفقة تأتي بها مشغلتها الى الحمام ليسا حبا في استحمامها ،وإنما لتجلب لها الماء وتفركها وذالك محسوب من تلك الأجرة الهزيلة التي تمنحها لآهلها ،وكم من مرة رأينا فيها الطفلة الخادمة تدخل بملابسها لخدمة مشغلتها داخل الحمام الى حين العودة مبتلة الملابس وتحمل حوائج مشغلتها و العرق يبلل جبينها ،فهي جات لتخدم مشغلتها داخل وخارج الحمام، لعل أسر قليلة تحسب على الأصابع من تعامل البنات العاملات بلطف وهم أقليات ..
وعليه أصبح واجب على الدولة بمعية المتدخلين حماية أطفالنا من شر محيطهم حتى وان كانوا من أقربائهم، عبر إيجاد اطار قانوني يجعل هذه الفئة تعود الى مكانها الطبيعي، ويبقى للعاملات بالبيوت مسطرة قانونية يتم فيها العقد ثلاثي بين المشغل والعامل ومكتب منبثق عن وزارة الشغل او وكالة للتشغيل، لان تجربة الجمعيات كانت متواضعة في الاشراف على مثل هذه العقود ،فهي تحتاج الى مفتش شغل ما سيضمن حماية جميع الأطراف ،حتى الاسرة المشغلة ستكون مطمئنة وهي تستقبل خادمتها بطريقة قانونية، الشيء الذي يجعل الطرفين ،في امان واطمئنان، والغرض أيضا توقيف نزيف تشغيل الطفلات من خلال هذا العقد ، حيث ستكون العاملة من جأت عن إرادة وهي راشدة لتوقيع العقد ،دون استغلال من طرف أي وسيط حتى وان كان ابويها...
وامام مطالبة العديد من المنظمات الحقوقية المهتمة بالطفولة برفع سن تشغيل الطفلات فوجئت هذه الهيئات، بمصادقة لجنة التشريع والقوانين بالغرفة الثانية بالبرلمان على اعتماد 16سنة بدل من 15التي كان معمولا بها في القوانين السابقة في حين كانت تطمح الجمعيات الى اعتبار سن الرشد 10سنة هو الأنسب ليكون السن القانوني، الذي يجوز فيه للفتاة الاشتغال "كعاملة بالبيوت" بل هناك بعض الجمعيات من رفعت السقف في 20 سنة...
ولم يصوت على هذا القانون المثير للجدل سوى 14عضوا من اجمالي 26 حضروا الجلسة رغم ان اللجنة تتكون من 40عضوا امتنع منها 12عضوا وهي اللجنة المعنية بالتصويت على مشاريع القوانين...
ووسط هدا الجدل الحقوقي دعت عدة منظمات مهتمة بالطفل والمرأة من بينها المرصد المغربي لحقوق الطفل ومنظمة اليونسيف وجمعية ماتقيش ولدي وجمعيات أخرى الى احترام الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب 1992 لحماية الأطفال من كل اشكال الاستغلال الاقتصادي...
ومن المنتظر إحالة مشروع القانون إلى مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) من أجل "قراءة ثانية" قبل المصادقة عليه بشكل نهائي ودخوله حيز التنفيذ...
وحول هذا الموضوع صرح رئيس "جمعية منتدى الطفولة" عبد العالي الرامي، الناشط الحقوقي والاجتماعي في قضايا الطفولة بالرباط، برفض جمعيتهم لهذا القانون الذي يعتبر جريمة إنسانية في حق الطفولة ببلادنا وأمام رفض الحكومة تعديله فإننا نطالب بتحكيم ملكي في هذا الموضوع...
وناشد عبد العالي كل الهيئات المهتمة بالطفولة وخصوصا المرصد الوطني لحقوق الطفل ورئيسته الفعلية الأميرة للا مريم، التدخل ل"حماية الطفولة من هذا القانون المجحف في حقها، والذي تزامن مع الاحتفال بالذكرى ال25 لتوقيع المغرب على اتفاق حقوق الطفل".
وتأسف رئيس "جمعية منتدى الطفولة"، لمصادقة البرلمان هذا البند في القانون الذي يسمح بعمل القاصرات في البيوت. وأضاف "كنا ننتظر أن تتراجع الحكومة والبرلمان عن شرعنة هذا البند المثير للجدل، بعدما دقت الجمعيات العاملة في مجال الطفولة والجمعيات الحقوقية ناقوس الخطر، وبعدما حذرنا، في وقت سابق، من تمرير هذا البند الذي يمكن الخادمات القاصرات من الحق في العمل بالبيوت".
وشدّد على أنَّ "مصادقة البرلمان على هذا القانون شكّلت صدمة للجمعيات الحقوقية وللمجتمع المغربي. لأننا لم نكن نتوقعه من الحكومة والبرلمانيين، الذين يدافعون عن حق الطفولة والمجتمع".
وأكّد أنَّ "السماح للقاصرات بالعمل في البيوت، بالقانون، يعتبر جريمة، وانتهاكًا للاتفاق الدولي لحقوق الطفل"، مبرزًا أنَّ "الذين صادقوا على هذا المقتضى كانوا من قبل يدقون ناقوس خطر الهدر المدرسي، ويعتبرون أنَّ الهدر المدرسي في سن مبكرة يشكل اغتصابًا لحق الطفولة في التمدرس. والذين احتجوا على الهدر المدرسي عادوا الآن ووافقوا على قانون يكرس الهدر المدرسي، لأن الطفلات اللواتي يشتغلن في البيوت دون سن 16 عامًا، بكل تأكيد سيغادون المدرسة في سن مبكرة للعمل".
وألمح عبد العالي الرامي إلى أنّ "الذي شرعن عمل القاصرات دون العام 16، عليه أن يشرعن أيضًا لزواج القاصرات دون إذن القاضي". مشيرا إلى أنّ "البرلمانيين رفضوا تزويج القاصر دون 16 عامًا، لكن لم يرفضوا عمل القاصر في البيوت". مبينًا أنَّ "هذه الازدواجية في القرارات لدى البرلمانيين تثير الاستغراب".
واعتبر مصادقة البرلمان على جواز عمل القاصرات في البيوت "تأكيدًا أنّ المشرع المغربي متناقض في قراراته التشريعية، لأنه يجيز عمل الخادمات ولا يشرعن زواج القاصرات".
وبيّن الرامي أنَّ "عمل القاصرات بين أربع جدران سيجعلهن عرضة للاغتصاب أكثر، ويمكن للمجتمع أن يتوقع كل الانتهاكات في حقهن"، موضحًا أن "المصادقة على هذا القانون أمر مفجع". وتأسف أيضا لكون وزير التشغيل قَبِل بتشغيل القاصرات في البيوت دون سن 16 عامًا.
واستغرب لكون "الحكومة لم تأخذ في الاعتبار رأي المجالس الاستشارية المغربية في هذا الموضوع". وبيّن أن "المجلس الوطني لحقوق الانسان أعطى كلمته في الموضوع، وأوصى بعدم التنازل عن سن 18 عامًا كحد أدنى يسمح به لعمل الفتيات في البيوت، عندما طلبت الحكومة مشورة المجلس، لكن لم يتم العمل بهذا الرأي الاستشاري من طرف الحكومة"، متسائلاً "ما دور هذا المجلس إذا لم تأخذ الحكومة برأيه".
ولفت إلى أنَّ "اليونسيف أيضًا أصدرت بلاغًا تحذر الحكومة المغربية من السماح لعمل القاصرات دون ال18 عامًا، لكن الحكومة لم تأخذ برأي المنظّمة الدولية".
وفي شأن ما تنوي الجمعيات الحقوقية القيام به، بعد المصادقة على هذا البند الذي يشرعن عمل القاصرات في البيوت، كشف رئيس جمعية منتدى الطفولة في المغرب أنه "لم يعد ينفع الاحتجاج الآن، لأن الحكومة لا تتجاوب مع الاحتجاجات، ولا مع المقترحات، والمذكرات، في الموضوع". وأضاف "إننا نحاول الآن صياغة رسالة سنوجهها إلى ملك البلاد، لكي يتدخل ويوقف هذا البند، الذي يسمح بعمل الخادمات القاصرات في البيوت".
وأشار إلى أنّ "التوجه الأساسي للجمعيات المغربية الآن، لاسيما العاملة في مجال الطفولة، هو التوجه إلى جلالة الملك، لأنه هو الحامي للطفولة في المغرب". ملمحًا إلى أنّ "النقاش جار مع الجمعيات الحقوقية لصياغة رسالة إلى الملك، نطلب منه التدخل لإنصاف الطفولة في المغرب، وإنقاذها من هذا القانون المجحف في حقها".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.