صدر عن دار ابن رشد بالقاهرة، هذا الأسبوع، كتاب جديد للكاتب المصري المتميز سعد القرش، اختار له عنوانا «في وداع مهنة الصحافة». ويعتبر الصديق سعد القرش واحدا من أنضج وأرصن الكتاب والنقاد بمصر من الجيل الجديد، الذي يصدر عن شجرة أنساب الثقافة المصرية الأصيلة (الصادقة وغير المجاملة)، تلك التي أنتجها جيل الرواد منذ طه حسين ومحمود عباس العقاد، مرورا بمنذور ثم نجيب محفوظ ونجيب سرور ويحيى الطاهر عبد الله، وغيرهم كثير. بالتالي فإن كل إصدار جديد له، يغري بقراءة ممتعة سلفا، لأن الرجل يصدر عن معرفة عميقة بالمجتمع المصري، مثلما يصدر عن معرفة أكاديمية رصينة، وامتلاك عال لناصية اللغة العربية (وهو أمر أصبح نادرا ضمن جيله من الكتاب المصريين). هكذا يقدم كتابه بعنوانه الكامل: «قبل تشييع الجنازة.. في وداع مهنة الصحافة»، شهادة ربما جارحة عن المرحلة الحالية لواقع ممارسة مهنة نبيلة مثل «الصحافة». ويمثل الكتاب (كما علقت عليه قناة «الغد» المصرية) قراءة للمشهد الصحفي والإعلامي المتداعي قبل اختفاء أو إخفاء مهنة من الوجود مع تصاعد مسارات إعلامية شعبية فورية تستعصي على الرقابة، وتتيح لكل مواطن أن يكون إعلاميا ينقل واقعة أثناء حدوثها، ويتلقاها متابعون عبر العالم، ربما قبل وصول خبرها إلى الرقباء أنفسهم. نقرأ من فقرات كتابه أنه: «لا وجود للمواطن في صحف تتجنب بالأمر إثارة قضايا مصيرية. هناك صحف ألغت صفحات الرأي، واحتفظت أخرى بصفحات للرأي منزوعة الروح كانت تنشر، على استحياء، مقالات لبقايا صقور مخصيّة استُخدمت مؤقتا واجهة للزينة، قبل الاستغناء عنها». «هل تتوجه الصحف إلى الناس بأوامر الحاكم، وتتفنن في تسويغ قرارته مهما تكن متعسفة، والمبالغة في الإشادة بحكمته إن وجدت، كما تحجب عنه الحقائق بما فيها نذر الثورة؟ أم تكون صوتا للجماهير ينقل أشواقها ومتاعبها إلى صانع القرار؟». «في عام 1879 انتشل الإمام محمد عبده جريدة «الوقائع» (يقصد الكاتب جريدة «الوقائع المصرية») من ورطتها المهنية، فوضع لائحة تمنحها «حق الانتقاد على أي عمل من الأعمال عندما ترى له وجها، بما في ذلك نظارة (وزارة) الداخلية نفسها التي كانت الجريدة جزءا منها». «لنفترض هبوط كائن فضائي، واطلاعه على 50 مطبوعة، أو صعود هذه العبء «الورقي» ثقيل الوزن خفيف المضمون إليه، فهل يتخيل أن لمصر علاقة بمحيط اسمه العالم العربي؟». تجدر الإشارة إلى أنه قد صدرت للصديق سعد القرش ست روايات هي «حديث الجنود» 1996، و»باب السفينة» 2002، و»المايسترو» 2019، و»ثلاثية أوزير»: «أول النهار» 2005، «ليل أوزير» 2008، «وشم وحيد» 2011. ولقد نالت «أول النهار» المركز الأول لجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي (الدورة الأولى 2011)، ورواية «ليل أوزير» جائزة اتحاد كتاب مصر سنة 2009. مثلما صدرت له أيضا كتب قيمة من قبيل: «الثورة الآن.. يوميات من ميدان التحرير» 2012، و»في مديح الأفلام» 2016، و»سبع سماوات» الفائز بجائزة ابن بطوطة للرحلة المعاصرة سنة 2011.