بدا وضع حكومتنا يدعو بالفعل إلى الشفقة، بعدما تركت كراسيها فارغة بالجلسة الدستورية الشفوية - كعادتها- إلا من بعض أعضائها، في الوقت الذي كان مقررا أن تكون السلطة التنفيذية في ضيافة السلطة التشريعية بقبة البرلمان. ولم تستطع لغة الرباح الواعدة أن تخفي ارتباكها، الذي جسده بالفعل الوزير الجالس على هرم بلدية القنيطرة مع وقف التنفيذ، والذي اعتذر عن موعد وصوله في الوقت المخصص لقطاعه في التجهيز والنقل وطالب بتأجيله الى آخر الجلسة، كما أرغمت زميلته حكيمة الحيطي رئيس الجلسة بإعطائها حصة زميل آخر لها، الشيء الذي أربك رئيس الجلسة عبد اللطيف وهبي، حتى نسي المسكين العناية بربطة عنقه وسد أزرار قميصه بالشكل الذي تعودنا أن يكون عليه رئيس في هرم القبة، وفي مكان له دلالاته في الأعراف البرلمانية الدولية، بل نسي المسكين حتى سؤال الفريق المنتمي إليه، طالبا "التسلاك" في جلسة جعلت منها حكومتنا الموقرة درسا بليغا في تبخيس العمل البرلماني، وهو التبخيس الذي اتخذ درجاته التصاعدية بشكل ممنهج، وكأن الأمر يستهدف موقع العمل السياسي في بلادنا، كما يستهدف ضرب المؤسسات في عمقها لتصبح لينة حد الاستعمال على المقاس، كمقاس جلابية أفتاتي المهيأة لوضع اليد في الجيب، ليقف هذا الأخير دون أي استئذان أو احترام للقانون الداخلي للبرلمان ، معلنا عن مهمته "كمجذوب" يقول ما يعجبه، لكن في الحقيقة هو يقول ما هو مكلف به من طرف مرشده في الجماعة والحزب. لا يهم حكومتنا التالفة ومعها الحزب الدعوي ، مشهدنا المنقول إلى العالم بالصوت والصورة، ولا تاريخ المؤسسة البرلمانية ولا وظيفتها، المهم عندهم هو ذلك المواطن الذي سيضع ورقة في صندوق لصالح من يستطيع تسويق الوهم على شاشات تمول بالمال العام. بالفعل ذكرني المشهد بمثيله في البرلمان المصري أيام مرسي عندما جعل نائب من الإخوان مقعده في البرلمان منبرا للآذان، محولا بذلك مكان التشريع والدفاع عن الأمة إلى مسجد، ضاربا بذلك كل القوانين المؤطرة للعمل البرلماني في مصر، كما ذكرني ببرلمانات مجاورة رفع فيها السلاح في وجه نواب الأمة. وهي مشاهد نعيشها بأسلحة من نوع آخر يستعملها الحزب الدعوي، يسعى من خلالها الى هدم المكتسبات وخلق التراجعات، بمحاربة فعلية للثقافة التي نتميز بها كمغاربة في التعدد والتنوع، من أجل بديل آخر استعصى عليهم ترسيخه رغم كل الحفر الكبيرة التي أقدموا على تعميقها لاقتلاع الأشجار، من أجل وضع الأساس الذي ليس إلا رياحا شرقية عوض أن تقوم بالمهمة المنوط بها ،اقتلعت فقط البعوض والناموس والغبار، واقفة عند جذور تعرت لتكشف عن صلابتها وتلك هي الحقيقة التي جعلت المعنيين بإظلام دربنا في حيرة من أمرهم، يفكرون في الخروج على الأقل "بدم الوجه" مستعملين لغة "إني بريء مما فعل الضالون منا". لهذا وجد وزراء الحكومة "التالفة " أنفسهم كاليتامى بعدما ضاع أبوهم في البحث عن الخروج من مأزق الأوراق التي سطرها بنية الالتفاف على الحقيقة التي يسعى لغرسها والحقيقة التي يحلم بربيع أزهارها، تلك التي لا تروي عطشه إلا بدفنها تحت تراب عقول أبت أن تخضع لمنطق التحكم والاستبداد، باسم شعب نصفه قال إنما هذا هو المنكر وآخر وقف مشدودا وعيناه جاحظتان من كثرة "الحكرة" التي أفرغت جيبه مما تبقى من دريهمات، ورئيس يوصي حكومته بمزيد من الوعود للشعب الصابر، لكن صبره كفتيل تحت إبطه وأمامه هناك في ضيعة جاره "نادر التبن" ينتظر اقترابه من أجل استكمال المشهد، وتلك هي الحقيقة التي ترفع درجة قلقنا لنجهر بالتساؤل: هل الحكومة التالفة تريد استقرارا لهذا الوطن، بل نقول ذلك ونتحمل مسؤوليتنا فيه: مَن مِنْ مصلحته أن يشعل الفتيل في "نادر التبن" ومن يهدد استقرار وطن بني برجال ونساء أفنوا زهرة شبابهم من أجل أن يكون المغرب لأبنائه بمؤسسات قوية وبدستور مفعل، وبتنمية وبتطلع أن يكون المغرب صفا الى صف الدول الديمقراطية.