تواجه المدن المغربية اليوم ومنتخبوها، تحديات عديدة تقف في وجه تتنميتها واستفادة المواطنين من الخدمات الأساسية، خصوصا في مجال التدبير الحضري وتسهيل ولوج المواطن للخدمات. وإذا كانت الدول الاوربية وبعض الدول العربية قد نجحت في توظيف مفهوم «المدن الذكية» كأسلوب فعال في التدبير الحضري لمدنها، فإن هذه التجربة لا تزال متعثرة في المغرب، بفعل عدة عوامل يتداخل فيها المؤسساتي بالمحلي بالجهوي. هذا الإشكال هو ما يحاول مؤلف» المدن الذكية : مدن المستقبل» للأستاذ عبد العزيز أشرقي مقاربته من زوايا عديدة، باحثا عن أنجع السبل لتفعيله على أرض الواقع. يعالج مؤلف «المدن الذكية / مدن المستقبل» للباحث عبد العزيز أشرقي، مفهوما جديدا يتعلق بمجال التدبير الحضري للمدن الذي يشكل اليوم أحد اهتمامات وانشغالات السلطات العمومية والمنتخبين المحليين، وما يمثله من اختبار لقدرة هذه الهيئات على ربح الرهانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتأتي أهمية الموضوع المطروق في هذا الكتاب مما أصبح يفرضه تدبير المدن من صعوبات وتحديات لمواجهة النمو السكاني المتزايد، وما يرتبط به من تلبية احتياجات المواطنين من بنى تحتية وأمن وتعليم وصحة، ونقل… شخص المؤلف أشرقي في مقاربته لموضوع «المدن الذكية» واقع المدن ورهانات التدبير الجضري في باب أول، ثم عرج في الباب الثاني على وضع المدن العتيقة الأصيلة، وما تقدمه السياسات التدبيرية لمواجهة التحديات التي تعرفها، خصوصا بعد التحولات العمرانية والبشرية التي اعترت طبيعتها ما أصبح يفرض التفكير في نمط تدبيري جديد ومتطور يستجيب للمستجدات. في الباب الثالث من الكتاب، حاول المؤلف عبد العزيز أشرقي مقاربة مفهوم سياسة المدينة والمستهدفين منه والمسؤولين المؤسساتين عن تفعيله على أرض الواقع من منتخبين وشركاء وحكوميين قبل أن يصل الى بيت القصيد من هذه الدراسة، والذي يعتبره مفتاح التنمية الحقيقية والسبيل الوحيد لتطوير المدن وتجويد الخدمات الموجهة للمواطنين، وهو مفهوم «المدن الذكية» التي يعتبرها «مدن المستقبل» أو مدن المعرفة. هذا المفهوم الذي شكل منذ ظهوره سنة 1994 خلال المؤتمر الأوربي الخاص بالمدينة الذكية وتم تطبيقه بهولندا وفنلندا في 1996، هو توجه ناشئ لدى القائمين على وضع الساسات العامة يتوخى تحسين الحياة الحضرية من خلال تقديم حلول متكاملة ومستدامة مع ما يتطلبه ذلك من توفير شروط النجاح والتي تشمل ماهو تقني إلى جانب الاطار التشريعي. هل المدن الذكية ممكنة بالمغرب؟ يرى الأستاذ أشرقي أن المسافة لا تزال طويلة أمام تحقق هذا الهدف، بالنظر الى غياب تصور واضح لدى السلطات العمومية حول هذا المفهوم الجديد ، وعدم اتخاذ قرار حاسم يرسم ملامح مدينة المستقبل. فرغم تعدد المخططات والبرامج التي انتهجتها الحكومات المغربية منذ الاستقلال، إلا أن هناك معطيات هيكلية لا تساعد على إرساء تنمية خدماتية تؤمن للمواطنين جميع احتياجاتهم( البنى التحتية، البيئة، الاقتصاد، الحكامة، التواصل، ) والتي تعتبر محددات أساسية عند الحديث عن التنمية المستدامة. فالحديث عن «مدينة ذكية» بالمغرب غير واضح المعالم ، كونه لايزال مجرد أفكار وتصورات تناقش بشكل مناسباتي دون إغفال ما يبذل من جهود على مستوى مدن الدارالبيضاء، الرباط، طنجة ومراكش مثلا في مجال التدبير الحضري، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وما تقدمه التكنولوجيا اليوم من إمكانات لتحسين نوعية الحياة وكفاءة الخدمات، وضمان تلبية الاحتياجات، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو البيئي. وفي هذا السياق ومن أجل إنجاح هذه التجربة بالمدن المغربية، ركز المؤلف على مقومات أساسية لا بد من توفرها: *الاقتصاد الذكي: وهو الاقتصاد الرقمي الذي يتطلب استخدام وسائل الاتصالات الحديثة (الأنترنت) ويتعين ضمنه تأهيل المواطن في هذا الباب. *بيئة ذكية: وتتطلب استخدام التكنولوجيا لحماية البيئة. *النشاط الذكي: استخدام التكنولوجيا في الحياة اليومية ،ويتطلب تحقيق هذا الهدف وجود بنية أساسية لتكنولوجيا المعلومات. *المعيشة الذكية: وتشمل تحسين جودة الحياة في مجالات الثقافة والصحة والسكن والسياحة والترفيه. *شعب ذكي: توفير مهارات وتعليم رقمي عال للمتعلمين وتكوينا متعدد التخصصات، ويتطلب هذا رقمنة التعليم وتطوير المهارات الرقمية للاساتذة بدورهم حتى تتحقق المبادرة الفاعلة من هذا المواطن. *الحكامة الذكية: وترتبط بالشفافية والمساءلة والديمقراطية والمشاركة في صنع القرارات واتخاذها. يعرج المؤلف كذلك على بعض التجارب الناجحة في إرساء مدن ذكية بالعالم ، أوربيا وعربيا، كما يعرض لتجارب ناشئة لاتزال في طريقها نحو مدن ذكية تجمع بين المدينة والصناعة والمواطنين. ويسوق المؤلف بعض الصعوبات التي تعترض تحقيق هذا المبتغى والمتمثله في: غياب التنسيق بين المدتخلين المؤسساتيين والمنتخبين، ومشكل التواصل بين المتدخلين المحليين والمركزيين بالإضافة الى صعوبات استخدام تقنيات المعلومات على أوسع نطاق. ومن أهم العراقيل التي تقف في وجه إنشاء المدن الذكية ، يسوق المؤلف مشكل التمويل حيث أن كلفة هذاالتحول باهظة ما يتطلب التفكير في السبل الكفيلة بحل هذا الإشكال، وولوج جميع فئات المجتمع الى الخدمات الأساسية بسهولة. وإذا كان المؤلف قد أقر بصعوبة تطبيق التجربة في الظروف الحالية بالمغرب، إلا أنه لا ينكر الخطوات التي شرعت بعض المدن والمسؤولون بها في انتهاجها، مؤكدا في نفس الوقت على أن مستوى ذكاء المدن لا يقاس بمستواها التقني فقط، بل بالتوجه الى ذكاء الانسان وجعله في صلب اهتمام السياسات التدبيرية، وحسن استثمار الموارد الاقتصادية والبشرية والطبيعية. فالمغرب ، يؤكد المؤلف، لديه فرص حقيقية أكثر من أي بلد عربي تؤهله لتحقيق طفرة في هذا المجال لتوفره على شبكة علاقات دولية متعددة، بالاضافة الى امتلاكه لموارد بشرية كفؤة، وهو ما يحتاج الى استثمار هذه العلاقات بشكل إيجابي.