سنحاول في هذه المقالة أن نقارب روايتنا الموسومة ب” هواجس الضياع”من منظور النقد الانطباعي الذي هو معيار وميزان تذوق النصوص الأدبية، وبيان متعتها الأدبية، وحمولة معانيها الدلالية، لذلك ف”هواجس الضياع” هي رواية واقعية تخييلية، يتداخل فيها الخيال بالحقيقة، رغم أن الشخصية واحدة تأثرت بمحيطها وانفعلت به، مما جعلها تكون قناعة حللناها طيلة أشواط فصول الرواية، لذلك فالهواجس هي تلك الخيالات و الأحاسيس النفسية و الشعورية التي تتملك شخصية الهداوي المجنون، التي تقمص دورها الكاتب وهو يعبر عن حالته المزاجية والنفسية و العقلية، لتتحول الرواية إلى مجرد مصحة عقلية تداوي جروح الهداوي المجنون. كان لزاما أن يطغى على تحليلنا المنهج الذوقي التأثري الذي يبرز قيمة الأدب، والنفسي الاجتماعي الذي يكشف حالة الشخصية وواقعها المزري، للوقوف على دلالات الرواية وما تحاول البوح به أو الحديث عنه، في سردية هذيانية ترويحية عن النفس، سردية جعلت من الشخصية الرئيسية تبوح بالحقائق التي كانت سبب جنونه، إلى جانب صديقه عبد المجيد الذي تتبع خيوط الحكاية ليرويها لنا بنفس سردي، منقطع النظير، ويحكي لنا حكاية صديقه المجنون عبد العالي الصادمة والمؤلمة، ويكشف حقائق كانت غامضة، كنا نجهلها، لولا بوحه ذاك الذي عبر فيه عن غصة حكاية صديقة العزيز. لقد حظيت الشخصية الرئيسية باحتفاء كبير في مختلف فصول الرواية، لأن قصته رمز لمعاناة أهل القرية الذين كتب عليهم العيش فيها، لذلك فالهداوي شخصية مركبة، وهي خليط بين أفكار طالب فلسفة سابق وأفكار مستحدثة مستخلصة من واقع الشخصية الاجتماعي، ووضعية عائلته الصعبة، كان الهداوي رمزا للشخصية المتمردة على واقعها وعلى طبقة أفراد القرية، لذلك نجده في اعترافاته يخاطب صديقه بعين العقل وهو المجنون، ليشرح له وجهة نظره في أعمال وجهاء القبيلة، وليبرر لصديقه سلوكاته وأفعاله، هذه الأخيرة قابلها صديقه بصدر رحب، نظرا لعلاقة الصداقة التي تجمعهما، ولكي يتحرى الحقائق لتبرير سبب جنون صديقه. بوح الكاتب ” لم أكن لأكتب رواية ” الهداوي”، على الرغم من أنها رواية متخيلة لشخصية غير موجودة في الواقع، لولا أنني فهمت ما يكفي من القصص واستوعبت فيها مايكفي، من أجل كتابة رواية، فرواية ” هواجس الضياع”، هي عمل سردي يحمل في طياته حكايات مؤلمة ونفسا سرديا يعتبر بمثابة تساؤلات لأفعال قام بها البطل الهداوي، لكنها لم تكن كافية للبوح بقصته، وكشف حقيقة جنونه، ليأتي الموت فجأة دون سابق إنذار، فيغيب الشخصية البطلة عن الأحداث فجأة، وليطمس كل الحقائق، وليجعلنا نشك في أن هذه الشخصية موجودة فعلا على أرض الواقع. لقد أفلحت في إيهام القارئ بواقعية الأحداث، كما أفلحت في إخفاء أجزاء من القصة الحقيقية التي حفظها الهداوي نفسه في منزله، ولأن صديقه عبد المجيد فضولي، فقد أراد النبش عنها فوجد خيطا وحيدا من خيوط قصة الهداوي المتشعبة، اكتشف قصة الأرض التي سلبت من والده، والمشاكل التي أعقبت هذا الحدث البارز في شخصيته. ولم يكتشف أشعار الهداوي التي كان يكتبها ليعبر عن أحزانه وهمومه، والتي خزنها في نفس المنزل الذي فتشه وهو يعيش تحت وطأة محاولة اكتشاف حقائق وخبايا جنون الهداوي. كانت تلك لعبة سردية لإخفاء جزء من الحقائق التي بدأ الحديث عنها يطفو في الرواية على شكل نفس سردي يشبه النحيب”. خاتمة: ” هواجس الضياع”: رؤية فنية لحياة البسطاء والمساكين والمقهورين، وهي محاولة لتأريخ سيرة رجل مجنون لقب ب” الهداوي”، أهمله التاريخ ولم ينصفه القدر، فسقط ضحية مجتمعه، هو رمز لجيل من مجانين قرانا البعيدة والمنسية والمهمشة، التي تعيش حالة من الخمول والنسيان والضياع. هامش: هواجس الضياع: الحسين أيت بها، الدراويش للنشر والتوزيع، بلغاريا، الطبعة الأولى،2019.