شكل يوم 6 شتنبر 1959 حدثا تاريخيا بصم بشكل مؤثر التاريخ السياسي و الحزبي للمغرب المعاصر، باعتباره يؤرخ للمؤتمر التأسيسي لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية أحد أهم الأحزاب السياسية المغربية التي لعبت دورا أساسيا ومؤثرا في المشهد السياسي المغربي عموما، والحقل الحزبي خصوصا ، إضافة إلى أن هذا الحدث يؤسس لبداية ظاهرة الانشقاق الحزبي في مغرب الإستقلال. وانطلاقا من هذا التاريخ كان حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فاعلا أساسيا في النقاش السياسي الذي عرفته الحياة السياسية المغربية بعد الإستقلال، سواء قبل انشقاق مؤسسيه عن حزب الاستقلال أو حتى بعد انفصالهم عنه ، وذلك في الجانب المتعلق بكيفية تدبير مرحلة الاستقلال الوطني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، إضافة إلى دوره المحوري والمفصلي في جميع محطات الأحداث السياسية والاجتماعية التي عرفها مغرب الاستقلال . مر تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من ثلاث مراحل وأشكال تنظيمية، بدأت بالجامعات المستقلة لحزب الاستقلال، مرورا بالجامعات المتحدة لحزب الاستقلال، وانتهاء بحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي تأسس رسميا وتنظيميا يوم 6 شتنبر 1959. 1. الجامعات المستقلة لحزب الإستقلال: انطلقت هذه الحركة السياسية الجنينية التي تمخض عنها تأسيس هذا الحزب يوم 25 يناير 1959 ، حيث عقدت في مختلف المدن والأقاليم المغربية مؤتمرات جهوية استثنائية لحزب الاستقلال ، أعلنت خلالها بعض القواعد الحزبية عن سحب الثقة من اللجنة التنفيذية و استقلالها عنها ، ثم قامت بتأسيس لجان جهوية للإشراف على ضمان سير الحزب و إعادة بعث الحركة في صفوفه ، أطلقت عليها اسم الجامعات المستقلة لحزب الاستقلال و أعطتها صفة فيدراليات مستقلة عن الحزب . كان المهدي بن بركة هو الدينامو المحرك لحركة 25 يناير ، فقد أعلن صباح نفس اليوم عن تقديم استقالته من اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وتناقلت محطات الإذاعة ووكالات الأخبار نبأ هذه الاستقالة على نطاق واسع، كما ترأس المهدي المؤتمر الجهوي بالرباط في نفس اليوم بقاعة الغرفة التجارية التي كانت غاصة بأطر الحركة الجديدة الممثلة لمختلف فروع الإقليم، وفي العشية ترأس مؤتمرا جهويا بالدارالبيضاء رفقة محمد البصري بقصر المعارض، وفي طنجة وفاس ومكناس ومراكش والجديدة وآسفي وأكادير انعقدت مؤتمرات جهوية مماثلة للإعلان عن قرار الانفصال عن قيادة حزب الاستقلال ، و قد ترأس مؤتمر طنجة عبد الرحمان اليوسفي و مكناس المحجوب بن الصديق . لقد علق المهدي بن بركة على حركة 25 يناير قائلا: " إن الأمر يتعلق بنقطة تحول في حياة الحركة الوطنية و المغرب التي انطلقت نحو مرحلة جديدة من العمل المنظم الواعي المثمر الذي يلبي رغبة الجماهير الشعبية المتوثبة نحو مستقبل أحسن والذي يواجه مسؤوليات الاستقلال بعزم وحزم ، إن القاعدة أعلنت أنها لا تريد الجمود الذي خيم على رأس الحزب والانحلال الذي أخذ يدب في صفوفه ، لا تريد الفراغ الخطير في قيادة الحزب ولا فقدان الشعور عند بعض أعضاء اللجنة التنفيذية الذين أصبحوا يعتبرون تراث الحزب ملكا شخصيا، لاتريد اللامسؤولية والتسامح الخطير الذي يقابل به بعض أعضاء الحزب وعلى اختلاف درجاتهم ، رغم أن سلوكهم في الحكومة و الإدارة أو الهيآت السياسية قد مس مسا كبيرا بالمصلحة الوطنية أو بحقوق الناس و بالتالي سمعة الحزب " . أما أهداف الحركة فقد حددها المهدي بن بركة كالتالي : - " بناء استقلال البلاد و تمتين وحدتها . - تأسيس دستور ديمقراطي و حكومة شعبية. - تربية الأمة تربية سياسية ديمقراطية . - تكوين نهضة اقتصادية تضمن السير لسائر أفراد الأمة . - توجيه تطوير البلاد الاجتماعي والثقافي نحو حضارة وطنية عربية إسلامية " . وردت قرارات المؤتمرات الجهوية الاستثنائية لحزب الاستقلال يوم 25 يناير ، في صورة بيان كان قد أعده قادة الحركة من قبل و وزع على المسؤولين على تنظيم الانتفاضة ، ثم تلي و نوقش و صودق عليه في هذه المؤتمرات . بعد ديباجة البيان التي وضحت فيها الحركة الأسباب التي دفعتها لتنظيم المؤتمرات الجهوية الاستقلالية والهادفة إلى توحيد القوى الوطنية ضد الأخطار التي تهدد البلاد ووحدتها من طرف الإستعمار و عملائه ، أكد البيان على مجموعة من القرارات أهمها : - " التأسف على عجز اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال الذي يترك فراغا خطيرا في قيادة الحزب ، كما يندد بفقدان الشعور عند بعض أعضائها الذين أصبحوا يعتبرون تراث الحزب ملكا شخصيا ويستغلونه استغلالا يتجاوز الحدود ويتنافى أحيانا مع المصلحة الوطنية ، كما وقع أخيرا في الاتجاه الذي أعطى لجريدتي العلم والاستقلال . - استنكار التسامح الخطير الذي يقابل به بعض أعضاء الحزب على اختلاف درجاتهم رغم أن سلوكهم في الحكومة أو الإدارة أو الهيئات السياسية قد مس مسا كبيرا بالمصلحة الوطنية أو بحقوق الناس و بالتالي سمعة الحزب . - التنديد بالعراقيل التي وضعت في سبيل انعقاد مؤتمر وطني طالما قرر و أعلن عنه منذ سنة 1955 و هو وحده الذي من شأنه أن يعطي للحزب إرادة و خطة وفق رغائب الأمة. - الإعلان عن استقلال فروع الناحية عن الإدارة المركزية العاجزة و ممثلها المفتش الجهوي ، كما تعلن عن عزمها في أن تنظم نفسها تنظيما ديمقراطيا لكي تعطي للوطنيين من جديد إطارا للعمل، وتبعث ما هم في حاجة إليه من إيمان وتجرد وحماس لمواصلة السعي في سبيل تحقيق الأهداف الوطنية . - دعوة سائر المخلصين لمقاومة حملة التضليل والبلبلة التي يقوم بها أعوان الاستعمار الشاعرين وغير الشاعرين من اقطاعيين و خونة ووصوليين، وبذلك تتجند الجماهير الشعبية للنهضة المباركة التي تفرضها المرحلة الحاسمة في سير البلاد نحو تحقيق الأهداف الوطنية للحزب للتحرر من القيود العسكرية والإقتصادية وبناء صرح ديمقراطية واقعية». و قد شدد البيان الصادر عن المؤتمرات الجهوية على تأييده للتدابير الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية لحكومة عبد الله إبراهيم بقوله : " و إن المؤتمر الجهوي الاستثنائي لحزب الاستقلال يحيي حكومة صاحب الجلالة التي يرأسها الأخ عبد الله إبراهيم و يعلن عن تأييده التام لها فيما هي مقدمة عليه من جسيم المهام للتصفية و الإصلاح». وينتهي البيان بتحية هذه الحكومة ، و تأكيد التعلق بالملك محمد الخامس . 2. الجامعات المتحدة لحزب الإستقلال: فرضت الظروف السياسية التي كان يعيشها المغرب خلال فترة أواخر الخمسينيات على الجامعات المستقلة لحزب الاستقلال إعطاء الصبغة القانونية لعملها السياسي من خلال التحول إلى حزب سياسي مؤقت ، و هكذا ففي يوم الجمعة 6 مارس 1959 تم إيداع القوانين الأساسية لحزب جديد يحمل مؤقتا اسم الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال في مقر عمالة الدارالبيضاء و لدى السلطات القضائية للعاصمة الاقتصادية ، حيث أصبحت إدارة الحزب تحت إشراف كتابة عامة تتألف من خمسة أعضاء هم: - كاتب في الشؤون السياسية : محمد البصري. - كاتب في شؤون التنظيم : المهدي بن بركة . - كاتب في شؤون التوجيه : عبد الرحمان اليوسفي .- أمين المال : محمد بن المختار . - حافظ الوثائق : الحسين أحجبي . مثل حدث تأسيس الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال واجهة أخرى من واجهات الصراع بين حزب الاستقلال و الحزب الجديد ، ففي يوم 23 يونيو 1959 عقد علال الفاسي ندوة صحفية للحديث عن الدعوى القضائية التي أقامها صحبة أحمد بلافريج ضد الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال حول من له أحقية حمل اسم الحزب، وقد أجاب المهدي عن هذه الدعوى في مقال نشره بجريدة التحرير حيث اعتبرها مجرد محاولة لمنع الجامعات المتحدة من حمل اسم حزب الاستقلال، وكأن هذه التسمية ملك خاص لعلال الفاسي و بلافريج مع أنها وصف للشخصية المعنوية التي يحملها الحزب الذي قرر تجديد إطاراته أمام عجز أولئك الذين كانوا مصرين على فرض قيادتهم . ولم تكتف الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال بالدفاع عن استقلال الحزب و تنظيمه الجديد ، بل رفعت بدورها شكوى تطلب فيها حل الجماعة السياسية التي يسيرها علال وبلافريج حلا كاملا و شاملا . هكذا مر شهران على خوض هذه المعركة ، و ظلت المواجهات أمام القضاء بشأن من له أحقية ملكية اسم الحزب ، فكان لابد من مخرج لهذا المأزق السياسي و بذلك اتخذت قيادة الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال قرارا بعقد مجلسها الوطني يومي 23 و 24 غشت 1959 بمدينة طنجة حيث أصدر بعد اجتماعه بيانا : " استعرض ما سجلته حركة خمسة وعشرين يناير من نتائج هامة برزت معها فكرة مشاركة الشعب في مسؤوليات البناء والتنظيم " ، و استخلص البيان من تقارير الجامعات المتحدة : "أن سبعة أشهر حققت تجاوب القوات الوطنية الشعبية وسائر العناصر الوطنية المخلصة بقطع النظر عن انتمائها السياسي أو العسكري أو الديبلوماسي " و أكد بيان طنجة : " أن الانسجام العميق بين القوات الشعبية الذي أثبتته ضرورات المصلحة الوطنية رغم محاولات إظهار الحياة السياسية في البلاد بمظهر الانحلال و التعفن، سيتبلور تلبية لنداء الواجب في اتحاد وطني يقضي على التعصب الحزبي والإحتراف السياسي لمواجهة الاستعمار و بناء الاستقلال " . لقد مهد اجتماع طنجة للإعلان عن مؤتمر وطني يتم عقده لتأسيس حزب سياسي جديد ، حيث كانت رغبة مؤسسي وأعضاء الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال تتجه في هذه الفترة بالضبط نحو تأسيس حزب سياسي يحول التيار الشعبي لحركة 25 يناير إلى تنظيم سياسي في مستوى المرحلة السياسية القائمة، ويمكن التقاط أولى هذه الإشارات خلال بيان اجتماع المجلس الوطني للجامعات المتحدةبطنجة يومي 22 و 24 غشت 1959 ، حيث عبر عن : " الانسجام العميق بين القوات الشعبية التي أثبتته ضروريات المصلحة الوطنية رغم محاولات إظهار الحياة السياسية في البلاد بمظهر الانحلال والتعفن سيتبلور تلبية لنداء الواجب في اتحاد وطني يقضي على التعصب الحزبي والإحتراف السياسي لمواجهة الاستعمار وبناء الاستقلال " . 3. الاتحاد الوطني للقوات الشعبية: في يوم 6 شتنبر 1959 عقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، بسينما الكواكب بالدارالبيضاء ، وقد شارك فيه كل من كتاب اللجان الفيدرالية للجامعات المتحدة لحزب الاستقلال، وممثلون عن تنظيمات سياسية ونقابية وشبابية وطلابية، وهي كالتالي: حزب الشورى والاستقلال، حزب الحركة الشعبية ، حزب الأحرار المستقلين، الاتحاد المغربي للشغل ، و الاتحاد الوطني لطلبة المغرب . وقد دارت أشغال المؤتمر تحت شعارين : الأول هو: "لا حزبية بعد اليوم " ، وهو الشعار الذي كانت تحمله الجماهير العربية في كل الأقطار، وذلك نظرا لتأثرها بثورة 23 يوليوز المصرية ، وقيامها بحل الأحزاب السياسية . لكن هذا الشعار كان أيضا سلاحا في يد بعض الأطراف الأخرى من مكونات الحزب الجديد ، التي كانت تنظر إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كتجمع جماهيري يكون مجرد واجهة سياسية للاتحاد المغربي للشغل، وهؤلاء هم من كانوا وراء حمل هذا الشعار . أما الشعار الثاني الذي كان يختصر ظروف المؤتمر والمرحلة هو: " أعداء التحرر والتقدم : التعصب الحزبي والاحتراف السياسي وعدم الشعور بالمسؤوليات " . ترأس المؤتمر عبد الرحمن اليوسفي حيث ألقى الكلمة الافتتاحية تعرض فيها إلى الظروف الدقيقة التي تجتازها البلاد وإلى ضرورة اتحاد القوى الشعبية لمواجهة عدو الشعب الذي هو الاستعمار، وأشار أيضا إلى القرار التاريخي الذي اتخذه المجلس الوطني للجامعات المتحدة لحزب الاستقلال عند انعقاده في دورته السابعة ، وأكد اليوسفي في هذا السياق أن " قرار طنجة عبر عن رغبة الشعب في الاتحاد والتضامن ونبذ التعصب الحزبي والاحتراف السياسي" . وقد تضمن جدول أعمال المؤتمر ما يلي : كلمة محمد البصري الكاتب السياسي للجامعات المتحدة ، كلمة عبد الهادي بوطالب عن حزب الشورى والاستقلال ، ثم كلمة عبد الله الصنهاجي عن الحركة الشعبية التي تلاها نيابة عنه الشرقاوي ، ثم كلمة عبد الرحمن اليوسفي التي لخص فيها الكلمات السابقة ، وتلا بعد ذلك نص برقية إلى الملك محمد الخامس ، ثم أعطيت الكلمة للسيد أحمد بنسودة الذي ألقى كلمة حماسية . قام المهدي بنبركة بتلاوة مشروع ميثاق المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وحلله تحليلا وافيا ثم أعاد قراءة مشروع الميثاق مرة ثانية، وطلب عبد الرحمن اليوسفي من الحاضرين إبداء آرائهم، وجاءت التدخلات مؤيدة للميثاق ، ورفعت الجلسة لمدة زمنية وزع خلالها نص الميثاق للنظر فيه من جديد . وبعد استئناف الجلسة ، أعلن اليوسفي عن خبر انضمام الأحرار المستقلين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وأعطيت الكلمة لبلماحي ممثل الأحرار . وافق الحاضرون على مشروع ميثاق المؤتمر التأسيسي للحزب موافقة جماعية ، وهتفوا بحياة الملك محمد الخامس والاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحياة رئيس الحكومة عبد الله إبراهيم ، وبعد ذلك تناول الكلمة المهدي بن بركة وتلا مشروع القوانين الأساسية للاتحاد الوطني ، وأعقب ذلك مناقشة واقتراحات أدخلت تعديلات على المشروع . وانتهى الإجتماع بالمصادقة على ميثاق وقوانين الاتحاد الوطني وتعيين لجنة الترشيحات التي صادقت على اللجنة الإدارية للحزب والمتكونة من : محمد البصري ، المهدي بن بركة، المحجوب بن الصديق، عبد الهادي بوطالب ، عبد الرحمن اليوسفي ، أحمد بنسودة ، عبد الله الصنهاجي، محمد عبد الرزاق ، الحسين أحجبي، التهامي الوزاني ، د. بلمختار ، محمد حجي ، مولاي عبد السلام الجبلي ، عباس القباج ، محمد الحريزي ، بوشعيب الدكالي، عبد الحي العراقي، عبد الحي الشامي ، التهامي لفضالي ، عمر المسفيوي ، أحمد حمودي عسكري ، عبد القادر أواب ، محمد التيباري ، إدريس المذكوري، محمد الإدريسي ، عمرو العطاوي ، مصطفى القصري، عبد الله باعقيل ، أحمد العلمي ، إبراهيم الشرقاوي ، محمد الحبيب الغيغائي ، محمد العلح التوزاني ، أحمد بنطاهر الميداوي . وقد صوت المؤتمر أيضا على لجنتين ، هما : * لجنة مراقبة الحسابات : أحمد أولحاج ، الطيب المريني ، أحمد جسوس . * لجنة التحكيم : عبد النبي بن العادل ، محمد البوحميدي ، محمد العلمي . ثم انتخبت اللجنة الإدارية الكتابة العامة للاتحاد الوطني على الشكل التالي : محمد البصري، المهدي بن بركة، عبد الهادي بوطالب، عبد الرحمن اليوسفي، أحمد بنسودة، عبد الله الصنهاجي، محمد عبد الرزاق، الحسين أحجبي، التهامي الوزاني، د. بلمختار، محمد حجي . صادق المؤتمر على برقية موجهة إلى رئيس الحكومة عبد الله إبراهيم ، يعلن فيها تأييد الاتحاد الوطني لسياسته التحررية ويطالبه فيها بتطبيق التدابير المؤدية لهذا التحرر لتحقيق رغبة الملك وإرادة الشعب المغربي. وهكذا انتهى المؤتمر التأسيسي للحزب بكلمة توجيهية من المهدي بن بركة الذي حث على العمل الإيجابي وأعلن عن وضع الكتاب الذهبي ليوقع فيه جميع المؤتمرين . و بعد نهاية المؤتمر، توجه وفد مكون من عبد الله الصنهاجي وعبد الهادي بوطالب وعبد الرحمن اليوسفي ، إلى القصر الملكي إلتزاما بقرار اللجنة الإدارية لإبلاغ الملك قرار تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وطلبوا مقابلة مدير الديوان الملكي ، لكون الملك لم يكن قد استأنف كامل نشاطه بعد ، حيث كان مازال في مرحلة نقاهة بعد أن أجرى عملية جراحية بمستشفى القصر الملكي بالرباط . - ميثاق المؤتمر التأسيسي: يعكس ميثاق المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية التصور الذي كان يملكه أعضاؤه ومؤسسوه، والذي دفعهم في اتجاه تأسيس إطار سياسي جديد، فالميثاق بعد أن سجل " حالة التردد والجمود والحيرة " التي تميزت بها السنوات الثلاث الماضية على إعلان استقلال البلاد ، وبعد أن لاحظ أن القوات الوطنية قد استرجعت اندفاعاتها وحماسها (مع انتفاضة 25 يناير) وأن " تكاثر الهيئات السياسية المصطنعة " وما رافقها من حملات " الدس والبلبلة والتفرقة لتحطيم معنوية الشعب وصرفه عن المعركة الحقيقية التي يفرضها تحقيق الأهداف الوطنية ". يعلن الميثاق أنه " لا يوجد أي تناقض بين مصالح العناصر التي تؤلف الشعب المغربي ، وأن الاتحاد وحده الكفيل بإحباط المطامع الاستعمارية وتحقيق الأهداف الوطنية ، وأن الأحزاب السياسية في شكلها الراهن أصيبت بالتعفن ولم تعد صالحة للقيام بتربية الجماهير وتجنيدها لمهام البناء ، بل صارت أداة للتفرقة ووسيلة لاكتساب مراكز شخصية أو الإحتفاظ عليها..." . لذلك فإن الموقعين على هذا الميثاق : " يقررون التخلي عن صفتهم الحزبية وألوانهم السياسية ، وفي غمرة من الأخوة الصادقة يؤسسون الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، حيث سيجد كل مواطن مجالا للعمل الإيجابي في جو من الوضوح والحماس وذلك لتحقيق الأهداف الآتية". والتي سنوردها هنا باختصار : - "الدفاع عن الاستقلال ووحدة التراب الوطني . - جلاء القوات الأجنبية . - تصفية مخلفات الاستعمار . - مواصلة سياسة التحرر الاقتصادي . - تحقيق الإصلاح الزراعي . - انتهاج سياسة التصنيع وتأميم المرافق الحيوية. - الإسراع بتحقيق إصلاحات جوهرية وتكوين إطارات وفقا لمقتضيات بناء الاستقلال . - اتباع سياسة منطقية في التعليم . - إقامة ديمقراطية واقعية تضمن لجميع المواطنين تسيير شؤونهم بأنفسهم سواء على الصعيد الوطني أو المحلي ، في دائرة ملكية دستورية تحت رعاية صاحب الجلالة الملك محمد الخامس . - مساعدة الشعب الجزائري المكافح من أجل التحرر وتحقيق الاستقلال ووحدة المغرب العربي. - تطبيق سياسة خارجية مبنية على مبدأ عدم التبعية. وانتهى الميثاق بدعوة المواطنين لأخذ مكانهم داخل الاتحاد : «ونسيان الحزازات والأحقاد ونبذ كل تعصب حزبي والعمل الإيجابي بروح الوئام والامتثال، في سبيل بناء مغرب تسود فيه الأخوة والرفاهية والديمقراطية تحت القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة محمد الخامس». - القانون الأساسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية: إضافة إلى ميثاق المؤتمر التأسيسي للحزب، فقد ناقش المؤتمر أيضا القانون الأساسي التنظيمي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، الذي جعل من الديمقراطية مبدأ أساسيا و نظم الحزب تنظيما عموديا انطلاقا من القاعدة وفي شكل جماعات وفروع ثانوية ثم الفروع والأقاليم ، وكتنظيم مركزي فله مجلس مركزي منتخب من طرف ممثلي الأقاليم ، وهذا المجلس هو الذي يهيء برنامج الحزب ويعين تنظيمات الحزب الأخرى ويراقبها. وإلى جانب هذا المجلس ، هناك لجنة إدارية وطنية (منتخبة من طرف المجلس) تجتمع كل شهر، ومهمتها تسيير الاتحاد بين دورات المؤتمر، وهناك سكرتارية منتخبة من طرف اللجنة الإدارية، ومهمتها إبلاغ القرارات للأقاليم والأمر بالصرف، وأخيرا مجلس الاتحاد الذي يتكون بالإضافة إلى أعضاء اللجان الوطنية الكبرى ( الإدارية ، ومراقبة المالية، واللجنة التأديبية)، من أعضاء منتخبين من طرف المؤتمر وأعضاء منتخبين من طرف اللجان الإدارية الإقليمية تناسبيا مع أعضاء الحزب في الإقليم . مع الإشارة كذلك إلى وجود لجنة مركزية تجتمع مرة كل ثلاثة أشهر بدعوة من السكرتارية العامة ، كما تجتمع كلما دعت الضرورة لتحديد موقف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إزاء القضايا الوطنية الكبرى . وأمام هذه اللجنة تقدم الهيئات التنفيذية المركزية تقاريرها عن نشاط الاتحاد ، ويقدم ممثلوا الأقاليم تقريرا عن أنشطتها . شكلت مراحل بناء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومميزات مرحلة الإستقلال ، خلفية للأحداث التي ارتبطت بتاريخ هذا التنظيم الحزبي السياسي الجديد الذي وسم تاريخ المغرب من 1959 إلى الفترة الراهنة ، بل إن الأحداث التي نعيشها كذلك راهنا مرتبطة بتطور المكونات الحزبية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية تنظيميا وسياسيا، وتفاعلها مع الحراك السياسي والاجتماعي الذي عرفته سنوات الجمر والرصاص، وبالتالي نستطيع القول إن خصوصية الحركة الاتحادية خلقت دينامية متفاعلة في تاريخ المغرب الراهن على الساحة السياسية الوطنية ، لدرجة أن التنظيمات المتفرعة عن كيان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ تأسيسه إلى يومنا هذا ( الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية ، و حزب الطليعة الديموقراطي الإشتراكي ...) ، تعلن بدون تردد و مواربة عن انتماءها للجذع الحزبي المشترك .