مع كل دخول مدرسي، يعود من جديد الجدال الدائر حول إصلاح المنظومة التعليمية، مع ما يستتبعه ذلك الجدال من تقاطبات وتجاذبات تكاد تغطي على عدد من المشاكل الأخرى المتولدة عن هذا التضارب في الرؤى والتقديرات والتصورات. ولعل أحد هذه الأضرار الجانبية هو الأثر السلبي الذي سينجم عن تغيير المقررات الدراسية وما سيسببه من خسائر فادحة بالنسبة للكتبيين بجميع أصنافهم، مع العلم أنهم يواجهون أصلا عددا هائلا من الإكراهات، بحيث يبقى الدخول المدرسي فرصتهم السنوية الوحيدة لتحقيق نوع من التوازن المالي الذي يمكنهم من الاستمرار في ظل التراجع المهول للقراءة وما تعرفه سلسلة صناعة وترويج الكتاب من هشاشة وتهميش على جميع المستويات. فبعد الإعلان من طرف الحكومة عن تغيير المقررات الدراسية بالنسبة لعدد من المستويات قبل شهور دون استشارات موسعة مع جميع المتدخلين في هذه العملية، وفي مقدمتهم الكتبيون الذين سيجدون أنفسهم أمام خسارة فادحة تتجلى في ملايين المقررات المخزنة، والتي ستصير مجرد ورق قابل لإعادة التدوير، مع ما يعنيه ذلك من ضياع لاستثماراتهم وتهديد فعلي لوجودهم ذاته. أما بالنسبة للمحظوظين منهم فسوف يستغرق زمن تعافيهم من هذه الأزمة عدة سنوات. هذا طبعا دون الحديث عن فرص الشغل القارة والموسمية التي سيفقدها سوق الشغل من جراء هذه الأزمة، والتي كان من الممكن تفاديها من خلال فتح حوار جدي مع ممثلي الكتبيين والناشرين والموزعين. وذلك بهدف اتخاذ إجراءات مصاحبة تخفف عنهم الآثار السلبية لهذه المرحلة العصيبة، من خلال تمتيعهم بامتيازات للحصول على قروض بنكية بشروط تفضيلية وتخصيص حصة من صفقة طبع الكتب الجديدة يتم أداء ثمنها على شكل أقساط مريحة، وأيضا تخصيص دعم مجاني حسب حجم كل مكتبة…إلخ. إن الكتبيين ليسوا ضد إصلاح المنظومة التعليمية، بل العكس هو الصحيح، لأن الإصلاح يعني بالنسبة إليهم خلق أجيال جديدة من القراء يقدرون دور الكتبي ويدعمونه. لكن ما يرفضونه ويدعون إلى العمل على تفاديه هو أن يتم الإجهاز على رأسمالهم ومهنتهم بمثل هذه القرارات الأحادية التي لا تخدم التعليم ولا سلسلة إنتاج الكتاب ولا الثقافة بشكل عام.