“النهوض بالتكوين المهني أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط من أجل توفير فرص العمل، وإنما أيضا لتأهيل المغرب لرفع تحديات التنافسية الاقتصادية، ومواكبة التطورات العالمية في مختلف المجالات”. هذه هي القناعة الملكية التي حملها خطاب العرش 2019 والتي تعتبر امتدادا وتفعيلا لما تضمنه خطاب العرش 2018. وما تفصح عنه صيغة الخطاب الملكي ” أؤكد مرة أخرى” على أهمية التكوين المهني، في تأهيل الشباب، وخاصة في القرى، وضواحي المدن، للاندماج المنتج في سوق الشغل، والمساهمة في تنمية البلاد”. على توالي السنتين، يطرح خطاب العرش بقلق تضخم أرقام البطالة اوساط الشباب المغربي رغم تحصيله العلمي، حيث قال الملك في 2018 ” أن ما يحز في نفسي أن نسبة البطالة في أوساط الشباب، تبقى مرتفعة. فمن غير المعقول أن تمس البطالة شابا من بين أربعة، رغم مستوى النمو الاقتصادي الذي يحققه المغرب على العموم. والأرقام أكثر قساوة في المجال الحضري..”إذ لا يمكن أن نقبل لنظامنا التعليمي أن يستمر في تخريج أفواج من العاطلين، خاصة في بعض الشعب الجامعية، التي يعرف الجميع أن حاملي الشهادات في تخصصاتها يجدون صعوبة قصوى في الاندماج في سوق الشغل. وهو هدر صارخ للموارد العمومية، ولطاقات الشباب، مما يعرقل مسيرات التنمية، ويؤثر في ظروف عيش العديد من المغاربة. “ورغم المجهودات المبذولة، والأوراش الاقتصادية، والبرامج الاجتماعية المفتوحة، فإن النتائج المحققة، تبقى دون طموحنا في هذا المجال. وهو ما يدفعنا، في سياق نفس الروح والتوجه، الذي حددناه في خطاب العرش، إلى إثارة الانتباه مجددا، وبكل استعجال، إلى إشكالية تشغيل الشباب، لاسيما في علاقتها بمنظومة التربية والتكوين. وأن نعمل على وقف هجرة الكفاءات من الشباب وما يتطلبه ذلك من ملاءمة أفضل بين التكوين والتشغيل “. وإذا كان خطاب 2018 قد طرح الاشكالية بكثير من القلق، فخطاب 2019 جاء حاسما ومحددا “الحصول على الباكالوريا، وولوج الجامعة، ليس امتيازا، ولا يشكل سوى مرحلة في التعليم. وإنما الأهم هو الحصول على تكوين، يفتح آفاق الاندماج المهني، والاستقرار الاجتماعي”. مؤكدا في هذا الصدد على “دور التكوين المهني، والعمل اليدوي، في إدماج الشباب”، وذلك “انطلاقا من حرف الصناعة التقليدية، وما توفره لأصحابها، من دخل وعيش كريم، ومرورا بالصناعات الغذائية، والمهن المرتبطة بالفلاحة، التي يتعين تركيزها بمناطق الإنتاج، حسب مؤهلات كل جهة، ووصولا إلى توفير كفاءات وطنية، في السياحة والخدمات، والمهن الجديدة للمغرب، كصناعة السيارات والطائرات، وفي مجال التكنولوجيات الحديثة”. 2018 .. رسمت معالم خارطة الطريق يعتبرخطاب 20 غشت 2018، المحطة الرئيس لرسم معالم خارطة طريق تطوير التكوين المهني، حيث نص على ضرورة إعادة النظر بشكل شامل في تخصصات التكوين المهني لجعلها تستجيب لحاجيات المقاولات والقطاع العام، وقد حدد جلالة الملك ستة تدابير اجرائية لتطبيق هذه الخارطة على ارض الواقع وتتحدد من خلال: – أولا: القيام بمراجعة شاملة لآليات وبرامج الدعم العمومي لتشغيل الشباب، للرفع من نجاعتها، وجعلها تستجيب لتطلعات الشباب، على غرار ما دعوت إليه في خطاب العرش بخصوص برامج الحماية الاجتماعية. وفي أفق ذلك، تنظيم لقاء وطني للتشغيل والتكوين، لبلورة قرارات عملية، وحلول جديدة، وإطلاق مبادرات، ووضع خارطة طريق مضبوطة، للنهوض بالتشغيل. – ثانيا: إعطاء الأسبقية للتخصصات التي توفر الشغل، واعتماد نظام ناجع للتوجيه المبكر، سنتين أو ثلاث سنوات قبل الباكالوريا، لمساعدة التلاميذ على الاختيار، حسب مؤهلاتهم وميولاتهم، بين التوجه للشعب الجامعية أو للتكوين المهني. وبموازاة ذلك، الدعوة لاعتماد اتفاقية إطار بين الحكومة والقطاع الخاص، لإعطاء دفعة قوية في مجال إعادة تأهيل الطلبة الذين يغادرون الدراسة دون شواهد، بما يتيح لهم الفرص من جديد، لتسهيل اندماجهم في الحياة المهنية والاجتماعية. – ثالثا: إعادة النظر بشكل شامل في تخصصات التكوين المهني لجعلها تستجيب لحاجيات المقاولات والقطاع العام، وتواكب التحولات التي تعرفها الصناعات والمهن، بما يتيح للخريجين فرصا أكبر للاندماج المهني. لذا، يتعين إعطاء المزيد من العناية للتكوين المهني بكل مستوياته، وإطلاق جيل جديد من المراكز لتكوين وتأهيل الشباب، حسب متطلبات المرحلة، مع مراعاة خصوصيات وحاجيات كل جهة. وسيساهم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في بناء وتجهيز مراكز جديدة للتكوين المهني، حسب المتطلبات المستجدة. – رابعا: وضع آليات عملية كفيلة بإحداث نقلة نوعية في تحفيز الشباب على خلق المقاولات الصغرى والمتوسطة في مجالات تخصصاتهم، وكذا دعم مبادرات التشغيل الذاتي، وإنشاء المقاولات الاجتماعية. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على الإدارات العمومية، وخاصة الجماعات الترابية، أن تقوم بأداء ما بذمتها من مستحقات تجاه المقاولات، ذلك أن أي تأخير قد يؤدي إلى إفلاسها، مع ما يتبع ذلك من فقدان العديد من مناصب الشغل.فكيف نريد أن نعطي المثال، إذا كانت إدارات ومؤسسات الدولة لا تحترم التزاماتها في هذا الشأن.يتساءل جلالة الملك. – خامسا: وضع آليات جديدة تمكن من إدماج جزء من القطاع غير المهيكل في القطاع المنظم، عبر تمكين ما يتوفر عليه من طاقات، من تكوين ملائم ومحفز، وتغطية اجتماعية، ودعمها في التشغيل الذاتي، أو خلق المقاولة. – سادسا: وضع برنامج إجباري على مستوى كل مؤسسة، لتأهيل الطلبة والمتدربين في اللغات الأجنبية لمدة من ثلاثة إلى ستة أشهر، وتعزيز إدماج تعليم هذه اللغات في كل مستويات التعليم، وخاصة في تدريس المواد التقنية والعلمية. إن قضايا الشباب لا تقتصر فقط على التكوين والتشغيل، وإنما تشمل أيضا الانفتاح الفكري والارتقاء الذهني والصحي. مع ضرورة وضع قضايا الشباب في صلب النموذج التنموي الجديد، وإعداد استراتيجية مندمجة للشباب، والتفكير في أنجع السبل للنهوض بأحواله. “فلا يمكن أن نطلب من الشباب القيام بدوره وبواجبه دون تمكينه من الفرص والمؤهلات اللازمة لذلك. علينا أن نقدم له أشياء ملموسة في التعليم والشغل والصحة وغير ذلك. ولكن قبل كل شيء، يجب أن نفتح أمامه باب الثقة والأمل في المستقبل… فتمكين الشباب من الانخراط في الحياة الاجتماعية والمهنية ليس امتيازا لأن من حق أي مواطن، كيفما كان الوسط الذي ينتمي إليه، أن يحظى بنفس الفرص والحظوظ من تعليم جيد وشغل كريم. والغريب في الأمر أن الكثير من المستثمرين والمقاولات يواجهون، في نفس الوقت، صعوبات في إيجاد الكفاءات اللازمة في مجموعة من المهن والتخصصات. كما أن العديد من الشباب، خاصة من حاملي الشهادات العليا العلمية والتقنية، يفكرون في الهجرة إلى الخارج، ليس فقط بسبب التحفيزات المغرية هناك، وإنما أيضا لأنهم لا يجدون في بلدهم المناخ والشروط الملائمة للاشتغال، والترقي المهني، والابتكار والبحث العلمي. وهي عموما نفس الأسباب التي تدفع عددا من الطلبة المغاربة بالخارج لعدم العودة للعمل في بلدهم بعد استكمال دراستهم” من خطاب 2018 2019 .. تفعيل تنفيذ وتتبع خطاب العرش 2019 جعل من التكوين المهني رافعة اساسية لتحقيق النموذج التنموي لتحسين ظروف عيش المواطنين، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية والنهوض باوضاع الشباب المغربي من خلال الحد من البطالة. وقد ركز الخطاب على أن “الفئات التي تعاني أكثر من صعوبة ظروف العيش، تتواجد على الخصوص، في المجال القروي وبضواحي المدن. هذه الفئات يقول الخطاب الملكي ” تحتاج إلى المزيد من الدعم والاهتمام بأوضاعها، والعمل المتواصل للاستجابة لحاجياتها الملحة..” ومن بين الوسائل المتاحة لذلك، الحرص على الاستفادة من تعميم التعليم، ومن الفرص التي يوفرها التكوين المهني، وكذا من البرامج الاجتماعية الوطنية”.لهذا “ندعو لاستغلال الفرص والإمكانات التي تتيحها القطاعات الأخرى، غير الفلاحية، كالسياحة القروية، والتجارة، والصناعات المحلية وغيرها، وذلك من أجل الدفع قدما بتنمية وتشجيع المبادرة الخاصة، والتشغيل الذاتي. “وهنا أؤكد مرة أخرى، يقول خطاب جلالة الملك، على أهمية التكوين المهني، في تأهيل الشباب، وخاصة في القرى، وضواحي المدن، للاندماج المنتج في سوق الشغل، والمساهمة في تنمية البلاد. فالحصول على الباكالوريا، وولوج الجامعة، ليس امتيازا، ولا يشكل سوى مرحلة في التعليم. وإنما الأهم هو الحصول على تكوين، يفتح آفاق الاندماج المهني، والاستقرار الاجتماعي. وسوف أظل أؤكد على دور التكوين المهني، والعمل اليدوي، في إدماج الشباب : – انطلاقا من حرف الصناعة التقليدية، وما توفره لأصحابها، من دخل وعيش كريم – ومرورا بالصناعات الغذائية، والمهن المرتبطة بالفلاحة، التي يتعين تركيزها بمناطق الإنتاج، حسب مؤهلات كل جهة – ووصولا إلى توفير كفاءات وطنية، في السياحة والخدمات، والمهن الجديدة للمغرب، كصناعة السيارات والطائرات، وفي مجال التكنولوجيات الحديثة. فالنهوض بالتكوين المهني أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط من أجل توفير فرص العمل، وإنما أيضا لتأهيل المغرب، لرفع تحديات التنافسية الاقتصادية، ومواكبة التطورات العالمية، في مختلف المجالات”. (خطاب العرش 2019). من خلال المسافة الفاصلة بين الخطابين ،يتضح بجلاء ان التكوين المهني أصبح خيارا راسخا في تحقيق النموذج التنموي للارتقاء بالبلاد، وللتغلب على الفوارق الاجتماعية والمجالية والقضاء على البطالة في صفوف الشباب والخريجين. وانه في صدارة أولويات المرحلة لأنه كفيل بالإرتقاء بمهارات الشباب وإدماجهم الكامل في الحياة العملية وكذلك التغلب على النظرة التي ينظر إليها الشباب لهذا التكوين، وجعله يمثل رافعة استراتيجية ومسارا واعدا لتهيئ السبل لولوج سوق العمل في القطاعات والمهن الواعدة وتأهيل التكوينات في المهن التي توصف بالكلاسيكية مثل البناء والفلاحة والصيد البحري والطاقة والصناعة التقليدية والمهن الشبه طبية والفندقة. والتكوين المهني سيكفل للمغاربة والشباب خاصة في ظل الطفرة الشبابية إيجاد أرضية لحل إشكالية الملائمة بين التكوين وسوق الشغل. ومع ذلك، تبقى الاسئلة حاضرة حول مدى تفعيل هذه التدابير التي وضعها جلالة الملك كركائز لإنجاح هذا الخيار، ومدى استجابة باقي القطاعات العامة والخاصة من أجل فتح ابواب الشغل واتاحة الفرص للشباب للنهوض بمقاولاتهم الخاصة ومساعدتهم على بلورة مشاريعهم الصغرى، حتى تكون لهذا الخيار مصداقية التفعيل.