الرئيس الانتقالي في سوريا: نعمل على وحدة البلاد وتحقيق السلم الأهلي    حماس تعلن أسماء ثلاثة رهائن إسرائيليين ستفرج عنهم السبت    انخفاض بنسبة 0.2% في أسعار إنتاج الصناعات التحويلية بالمغرب    أداء إيجابي في بورصة الدار البيضاء    أسعار النفط ترتفع إلى أزيد من 76 دولارا للبرميل    توقعات بتصدير المغرب 90 ألف طن من الأفوكادو في 2025    اليمن يجدد الدعم لمغربية الصحراء    حصيلة النشاط القضائي بالقنيطرة‬    حماس تفرج السبت عن ثلاثة رهائن    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تحتج أمام البرلمان وفاء للشهيد محمد الضيف    إيطاليا تحظر الوصول إلى تطبيق "ديب سيك" الصيني    يوروبا ليغ: الكعبي يقود أولمبياكس لدور الثمن والنصيري يساهم في عبور فنربخشة للملحق    توقيف شخص بطنجة مبحوث عنه وطنيا متورط في قضايا سرقة واعتداء    إعادة فتح معبري سبتة ومليلية.. ضغط إسباني وتريث مغربي    استئناف النقل البحري بين طنجة وطريفة بعد توقف بسبب الرياح العاتية    حكم بالسجن على عميد شرطة بتهمة التزوير وتعنيف معتقل    التمرينات الرياضية قبل سن ال50 تعزز صحة الدماغ وتقلل من الزهايمر    إلموندو الإسبانية تكتب: المغرب يحظى بمكانة خاصة لدى إدارة ترامب وواشنطن تعتبره حليفًا أكثر أهمية    المحكمة التجارية تجدد الإذن باستمرار نشاط "سامير"    التعاون السعودي يعلن ضم اللاعب الصابيري خلال فترة الانتقالات الشتوية الحالية    وزير الخارجية اليمني يؤكد دعم بلاده الكامل لمغربية الصحراء خلال لقائه مع رئيس الحكوم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي تعزز وعي الجيل المتصل في مجال الأمن الرقمي    الفلاحون في جهة طنجة تطوان الحسيمة يستبشرون بالتساقطات المطرية    نهضة بركان يواصل التألق ويعزز صدارته بفوز مهم على الجيش الملكي    كيوسك الجمعة | 97 % من الأطفال المغاربة يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    اللجنة التأديبية الفرنسية تقرر إيقاف بنعطية 6 أشهر    ارتفاع أسعار الذهب    "كاف" يعلن عن تمديد فترة تسجيل اللاعبين المشاركين في دوري الأبطال وكأس الكونفدرالية    الدولي المغربي حكيم زياش ينضم رسميا للدحيل القطري    سانتو دومينغو.. تسليط الضوء على التقدم الذي أحرزه المغرب في مجال التعليم    أجواء ممطرة في توقعات طقس الجمعة    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    العثور على الصندوقين الأسودين للطائرة التي تحطمت في واشنطن    وتتواصل بلا هوادة الحرب التي تشنها جهوية الدرك بالجديدة على مروجي '"الماحيا"    نتائج الخبرة العلمية تكشف قدرة خلية "الأشقاء الثلاثة" على تصنيع متفجرات خطيرة (فيديو)    الجيش الملكي يخسر بثنائية بركانية    النقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام بإقليم العرائش تكرم منجزات شخصيات السنة    من المدن إلى المطبخ .. "أكاديمية المملكة" تستعرض مداخل تاريخ المغرب    «استمزاج للرأي محدود جدا » عن التاكسيات!    زياش إلى الدحيل القطري    إطلاق النسخة الأولى من مهرجان "ألوان الشرق" في تاوريرت    برقية تعزية ومواساة من الملك إلى خادم الحرمين الشريفين إثر وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود    الملك يهنئ العاهل فيليبي السادس    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    مع الشّاعر "أدونيس" فى ذكرىَ ميلاده الخامسة والتسعين    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية«العسل المهجور» لأحمد العراف.. : في معنى الاستشهاد على يد الطبيعة

« العسل المهجور»…من دلالات هذه العتبة، الإحالة على نوبات الحنين إلى عالم الطبيعة بعدّه سلاحا ذو حدّين، أو فضاء للإيجابيات والسلبيات، على حدّ سواء، يبدو جليا اشتعال الذات الساردة به، هذا الحنين الذي يفيده العود إلى الذاكرة، وترسم ملامحه كتابة استرجاع على هذه الشاكلة المثقلة بالمواقف الصادمة والأكثر التصاقا بمعاناة مواطن عمق المغرب.
لماذا يكون العسل مهجورا؟
يجعلني هذا الطرح ، أستحضر العديد من الأمثلة التي تصب في خانة ما يزكي نخوة وبأس وضراوة المغربي كلّما زاد منسوب الجور عليه، حين يكون العدو هو التراب أو الطبيعة أو الصاحبة، ليكون التوجه أخيرا اتقاد الحسّ الوطني لديه، وتوهجه أكثر فأكثر.
نتذكر الشطر الشعري القائل: بلادي وإن جارت علي عزيزة. مثلما الأقوال المأثورة الدارجة ، وهي تزكي ذات المعنى، من قبيل:» قطران بلادي ولا عسل بلادات الناس» ، إلخ…
هل بدأت قصة معاناة كائنات هذه الجغرافيا، مع سرب السلف الذي آثر مطاردة الفرائس وعصفت بهويته ووجوده غوايات القنص، بدل تفجير طاقات الكامن، وترجيح الخطاب العقلي على ما سواه، برغم قساوة الظرفية وبدائية أساليب العيش.
نقتبس للكاتب أحمد العراف،من هذه المسودة ، وهو يحاول ربط الذاكرة بالأسطورة الأمازيغية المشهورة، قوله:
[قلت يا طه: تحكي الأسطورة عن «تامغارت» حكايات تدخل في ما هو عجائبي وغرائبي. كانت العجوز تسكن سهل ملوية متزوجة من شيخ كفيف زاهد يستشيره الناس والرحل على الخصوص عن الطبيعة وأحوال الطقس وبعض الأحداث الغريبة التي تظهر بين الفينة والأخرى، فقد كان هذا الكفيف يحدد لهم مواقيت الرحيل ومتطلبات الرحلة لمواجهة غارات الطبيعة وتشعبات التضاريس التي تعيش حالة استنفار دائمة، كان للعجوز غلام يرعى ماشيتها ويساعدها على الاستقرار رغم صعوبة الحياة وشظف العيش، لكن فساد حليبها أربك حساباتها نظرا لارتفاع درجة الحرارة مما جعلها تفكر في الرحيل إلى منطقة جبل بويبلان بحثا عن الجو المعتدل، ووسوس الشيطان ل «تامغارت» بعد أن اكتسحتها قسوة إبليس بأن تشد الرحل إلى أدرار، المكان المخصب محاولة منها لتجويد لبنها وحليبها. لكن الشيخ الكفيف رفض فكرة الرحيل لأن الوقت لم يحن بعد والطبيعة في تلك المنطقة مزاجية ومتقلبة، وهو الخبير في أحوال الطقس عكس زوجته التي تلح على الرحيل لإنقاذ منتوجها من الفساد رافضة رأي ومشورة الحكيم، فلجأت إلى التحايل والحيلة مستغلة فقدانه لنعمة البصر.].
ففي الوقت الذي يمطر الطفل طه، صديق والده ،بطل هذه السردية، بوابل من الأسئلة الفلسفية، يتنفّس هذا الأخير ماضيه ،من خلال أمكنة ، يمر بها ، أو بالأحرى يعاود عبور أطلالها، بمعية تشاطره عسل تلك العودة في الزمن.
بدءا من المدرسة العسكرية وقد أضحت مأوى للغربان والزواحف المميتة والأشباح،والتي كان ذات يوم جنديا فيها، مورست عليه أبشع صور السادية والخطاب الرسمي المقنع بمفردات البورنوغرافيا المصرحة بالكبت، وهواجس بسط السلطة ،وما يتفرّع عنها من تأصيل لثقافة الخنوع والطاعة العمياء في تغذية قلوب وعقول جنود جاؤوا لأداء الواجب واكتساب مقومات الذود عن وطن يعشونه حتى النخاع.
وحتّى جرد سير من فصل دامي للرعاة الشهداء الذي أودى بهم ولم يزل ، ثلج جبل «بويبلان» مؤازرا، بشحّ كهذه جغرافيا غير صالحة البتة، لرعاية الأحلام الإنسانية المشروعة، في أبسط تجلياتها، ألا وهي سكن يقي قرّ ليالي الشتاء الطويلة ،وحرّ رحلة الصيف المريرة، كما قوتا يسدّ الرمق ويخرس عصافير المعدة.
يقول أيضا :
[هجرت الشهد حزناً وهما عَلَى شهيد الثلج . صَوْت الشاعرة أمينة جوان يقطع حبل كلامي مَعَ طه الذي سَحَرَهُ جو القاعة ومَا يجري فيها قالت :
وداعاً أيها الراعي
انتدبت السماء أكفانك من ندف
وحنطوك زهوراً من إكليل الجبل
انتهت حكايتكَ كما بدأت..
مختومة بالبياض
يَا شهيد اللقمة يا صفوة الخلان
أوفيت حق الخدمة في الدنيا بتفان
وحقك بعد الرحيل جنان الأزل.
تعالى صوت الناي وندف بيضاء تحولت إلى فراشات ترقص على عزف نقل الجميع إلى عالمٍ جميل.
الراعي على كرسي موشى بحروف تيفناغ وهي حروف اللغة الأمازيغية وبجانبه حبيبته بلباس تقليدي تغني له أغنية «إناس إناس ميريخأداسيغ ازمان» ما عساي أفعل لهذا الزمان الذي فرق بيننا يا حبيبتي. فالوفاء من شيمك وغدر الوطن جرح ونحن دائماً نستدفِئ بسلهام الجد بويبلان الذي لا يزال واقفاً صامداً رغم البياض الذي كسا رأسه ولحيته فوصيته أن ندفن في السفح فاسمع مَا قالته عنك الشاعرة سعاد التوزاني يا شهيد الثلج :
لا تدفنني في السفح
كنت ستوصيه
فما طالني من السفح
غذاء أو عشاء أو غطاء
وَهَا الدواء الثلجُ
وها الشفاء الثلج.].
ومن ثمّ ،نلفيها طقوسا تتفشى في الاتجاه ذاته، القادر على منحنا انطباعات واضحة ، عن معاناة بدأت قوية ،لتتناسل عناوينها ويوغل في أفق الأبدية استرسالها، وحسبنا ما نقتطفه لحد الساعة من أصداء ،يقف لها العالم خجولا، والحضارة عاجزة، عن أن تلتفت لأطفال الثلج حين يغضب ويزمجر فصله،داخل حدود هذه الجغرافية المتوحشة،الكل قاصر إزاء أنّة شيخ يأفل في صمت هناك، وراع أعزب يؤجل أعراسه إلى فردوس ما بعد الشهادة.
فأي عسل هذا يتلمظه كائن باتقاد حسّ ومشاكسة مصير ومقامرة بقاء وأوجاع إنسانية جمّة، لا تنقص من وطنيته ومفاخرته بالانتماء إلى تراب موجع جائر ومعشوق حدّ الهذيان، إلا قدر ما ينقص إصبع من بحر يلجه ثم يخرج منه..؟
هو بلا شك، المفهوم الآخر للشهادة، الذي تود مثل هذه السردية الشائكة بشخوصها وأحداثها وزمكانها، أن ترسّخه في عقولنا ، حدّ التقديس ورعاف البصيرة ،لمأساة إنسانية ،ضاربة بجذورها في عمق الأسطورة.
*شاعر وناقد مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.