أمينة الفيلالي ابنة 16 سنة انتحرت في مارس 2012 بعد أن تم تزويجها لمغتصبها الذي عذبها وأساء معاملتها هو وعائلته، ورفضت عائلتها عودتها إليهم. خديجة السويدي ابنة 17 سنة انتحرت حرقا أمام الملأ في نونبر 2015 بعد أن أفرج عن ستة من مغتصبيها أصبحوا يبتزونها بالفيديو الذي يثبت جريمتهم . حسناء ابنة18 سنة ألقت بنفسها في بئر قرب منزل عائلتها بعد تعرضها للاغتصاب والابتزاز هي و14 فتاة أخرى بالرماني. فاطمة ريحان شابة في 24 سنة من عمرها وأم لطفلة في 7سنوات وهي المعيلة الوحيدة لأسرتها المكونة من أبيها المريض وطفلتها قتلت وفصل رأسها عن جسدها من طرف راعي غنم يتحرش بها لأنها رفضت الزواج منه سنة 2018. ربيعة الزايدي تفارق الحياة في مستشفى ابن سينا بالرباط جراء التعذيب والاغتصاب الذي تعرضت له من طرف زوجها الموظف بالشرطة رفقة صديق له بالعرائش سنة 2016 بعد تأخر إجراء عملية لها بدعوى عدم وجود سرير شاغر. جدة يغتصبها حفيدها ويكسر حوضها سنة 2016 بابن سليمان. سبع طفلات يغتصبهن فقيه وضعن في عهدته ليدرسهن بضواحي مراكش في ماي 2018. وفي يونيو 2019 حنان ابنة 24 سنة تعذب وتغتصب وتقتل بالرباط من طرف مجرم ظل يلاحقها ويأخذها لجحره بالقوة دون أن تجد أي دعم أو حماية. نساء وفتيات من مختلف الأعمار، طفلات، مسنات، شابات، ومن مختلف مناطق المغرب. لهيب من نار يحرق نساء وفتيات تمتلئ بهن المحاكم ومخافر الشرطة القضائية وأقسام المستعجلات والطب الشرعي للمستشفيات. أغلب النساء والفتيات الضحايا لايقدمن نهائيا شكاياتهن إذا لم تصل الجرائم المرتكبة في حقهن إلى درجة كبيرة من الخطورة إما خوفا مما يعتقدنه “عارا” أو خوفا من المجرمين أو عدم ثقتهن في الانتصاف، وغالبا لا تتحرك السلطات الأمنية إلا حين تقتل الضحية . أغلب الضحايا سبق لهن تقديم شكايات، لم تؤخذ بالجدية اللازمة، إما لم يتبعها أي إجراء أو اعتقل الجناة وأطلق سراحهم ليعودوا للتهديد أو تنفيذ باقي فصول الجريمة . نساء وفتيات ما كنا لنعرف ما جرى لهن لو لم تعمم آلامهن وعذاباتهن علينا عبر مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. المجرمون لم يعودوا يتحرجون من إشهار جرائمهم ونشر بشاعتهم ليراها الجميع . الخطير هو أن نتطبع مع هذا الوضع، والأخطر أن يتحول إلى تشهير بالضحية وليس بالجاني، وننسى أو نتناسى ما يقع وننصرف لأعمالنا بشكل اعتيادي مادام الأمر لا يتعلق بنا مباشرة. فما العمل حتى لا تموت ضمائرنا ويتنصل المسؤولون من مسؤولياتهم؟؟ يجب في البداية أن نحدد المسؤوليات حتى لا نعوم القضايا في شعارات فارغة ونردد ” كلنا مسؤولون”. المسؤولية الأولى تقع على الدولة هي المعنية بتوفير الأمن والطمأنينة والسلامة لمواطنيها ومواطناتها علما أن أكبر ميزانية هي التي تحصل عليها وزارة الداخلية لهذا الغرض. المسؤولية تقع على الحكومة المعنية بإعداد مشاريع القوانين الكفيلة بالقضاء على العنف ضد النساء توفر الحماية لهن وهي المسؤولة عن إعداد برامج للوقاية منه باعتماد المدرسة والإعلام ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وتتكفل بالناجيات، ولا تترك للجناة أي فرصة للإفلات من العقاب . وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية المسؤولة عن تنسيق العمل الحكومي في هذا المجال مع الوزارات المعنية وهي المؤهلة لإعداد مشاريع القوانين والسياسات العمومية، والترافع تجاه رئاسة الحكومة وباقي مكوناتها للحصول على الميزانيات اللازمة للقضاء على العنف ضد النساء علما أن هذه الوزارة تتوصل بدعم مالي كبير أيضا من الاتحاد الأوروبي لهذه المهمة وللنهوض بحقوق النساء بصفة عامة . البرلمان مسؤول عن إعداد مقترحات القوانين ومناقشة والتصويت على مشاريع القوانين الضامنة للقضاء على العنف وتخصيص ميزانية حقيقية لذلك ضمن الميزانية العامة ومراقبة عمل الحكومة في هذا المجال. القضاء مسؤول عن توفير المحاكمة العادلة لفائدة الضحايا كما للمتهمين بتسهيل ولوجهن للعدالة وبمجانية هذا الولوج وتوفير كل الضمانات في البحث التمهيدي والتحقيق أو عند المحاكمة وصدور الأحكام، والتحلي باليقظة الضرورية لمساعدة الضحايا على إثبات ما يتعرضن له من عنف وإصدار الأوامر الكفيلة بحمايتهن قبل وأثناء وبعد صدور الأحكام . الجماعات الترابية مسؤولة عن التكفل بالنساء ضحايا العنف بتوفير مراكز استقبالهن وتوجيههن وإيوائهن ودعم الجمعيات التي تناهض العنف وتدعم ضحاياه . الأحزاب والنقابات والجمعيات والقطاع الخاص والمنظمات المهنية مسؤولة عن نشر الوعي في أوساط منخرطيها بخطورة العنف ضد النساء وارتفاع كلفته المادية والاجتماعية وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان والحقوق الإنسانية للنساء والتحسيس بأهمية فض المنازعات بالطرق السلمية وعدم التمييز بين الجنسين في الممارسة اليومية وفي تقلد مناصب المسؤولية وحماية النساء والفتيات من التحرش والعنف الجنسي بصفة عامة في تنظيماتها ومحيطها ومجال عملها . المواطنون والمواطنات مسؤولون عن حماية النساء ضحايا العنف وعدم التعامل بلامبالاة حين يرون امرأة تعنف وعدم كتمان الشهادة والمبادرة لاستدعاء الشرطة القضائية لإنقاذ النساء والفتيات من العنف. تلك بعض مقترحاتنا في ما يتعلق بتحديد المسؤوليات حتى لا نقول كلنا مسؤولون فقط، بل يجب أن نحدد مسؤولية كل جهة إذا أردنا القضاء على العنف المبني على نوع الجنس لأننا بصدد ظاهرة متجذرة في عمق التاريخ وفي البنى الاجتماعية وتبرز بشكل متوحش مع التحولات الكبرى التي تعرفها المجتمعات. لهذا لابد أن نسائل هذه الجهات هل تحملت مسؤولياتها؟؟ أول معيار يمكننا أن نقيس به مسؤولية الدولة هو شعور المواطنين والمواطنات بالأمن والاطمئنان وسيادة سلطة القانون؟ سؤال إذا طرحناه على أي امرأة ستجيب عنه بالسلب. فالقانون الشامل للقضاء على العنف الذي انتظرته النساء والمغاربة والمغربيات بصفة عامة لأزيد من عشرين سنة جاء مبتورا ولم يعد أن يكون عبارة عن تعديلات جزئية على المجموعة الجنائية المنهكة بكثرة التعديلات والأهم من هذا أنه لم يتضمن جريمة الاغتصاب التي تركت لبعض فصول القانون الجنائي. قانون محاربة العنف ضد النساء يفتقد لبعد الوقاية أما الحماية فغير واضحة ومدققة ورغم ترافعنا وطلب سحبه حين كان معروضا على مجلس المستشارين لمراجعته فقد صدر هكذا بعلاته وها هو يفشل في أول امتحان. المنظومة القانونية المغربية تتضمن قوانين تمييزية تجاه النساء وتسهل العنف ضدهن وعلى رأسها مدونة الأسرة والقانون الجنائي إضافة لإصدار قوانين تمثل انقلابا على الدستور كالقانون المنظم لهيئة المناصفة ومحاربة التمييز الذي كان من المفروض أن يشكل هيئة وطنية تعنى بحماية حقوق النساء والنهوض بها لاتزال لحد الآن لم تهيكل رغم مرور حوالي ثمان سنوات على صدور دستور 2011 . أما مجال السياسات العمومية المتعلقة بمناهضة العنف ضد النساء فلا نلمسها على المستوى العملي وفي الواقع المعيش للنساء، فتقارير مراكز الجمعيات وتقارير المندوبية السامية للتخطيط ووزارة الصحة والعدل ووزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، وكذا التقارير والروبورتاجات الصحفية كلها تفيد بارتفاع العنف ضد النساء ووحشيته وتغوله واستعراضه علانية على الملأ إضافة لهذا فتكلفته الاقتصادية باهظة، سواء بالنسبة للدولة ومرافقتها (صحة،عدل… إلخ) أو بالنسبة للضحية . أما الميزانيات المخصصة لمحاربته فغير مرئية ضمن الميزانية العامة أو ميزانية القطاع الحكومي المعني باستثناء الدعم الذي يقدم للجمعيات التي تستقبل النساء ضحايا العنف. النساء الضحايا يشتكين من صعوبة الولوج للعدالة وصعوبة إثبات الجرائم التي يتعرضن لها، وهو ما يفسر ما ورد في بحث مندوبية التخطيط الذي ورد فيه أن3،8 في المئة فقط من الضحايا يلجأن للعدالة في قضايا العنف الزوجي . الفقر والأمية والهشاشة الاجتماعية تنهك النساء وتجعلهن ضحايا سهلة للعنف والتمييز . فمن أين يبدأ العنف ضد النساء ؟ العنف ضد النساء يبدأ حين نهمس في أذن الحامل التي يعلو الكلف وجهها بأنك حامل ببنت فهي التي تشوه وجه أمها . العنف يبدأ حين نقرأ في المطالعة “سعاد تساعد أمها في المطبخ وأحمد يشاهد مباراة كرة القدم مع أبيه في المقهى “. العنف يبدأ حين نقرأ في كتب التربية الإسلامية وباقي الكتب المدرسية الحاملة قيم التمييز والمس بكرامة النساء يبدأ العنف حين تستعمل المرأة أداة لتصريف السلع في الاشهارات. يبدأ العنف ضد النساء حين تحقر المرأة ويطلب منها في إذاعة أن تتابع برامج شميشة للطبخ وتترك كرة القدم لأصحابها . يبدأ ويبدأ ويمتد ويتسع حتى يقتل حنان وخديجة وأمينة وحسناء ووو……….. ولن يحده إلا عمل حقيقي وشامل يجعلنا جميعا لا نتسامح مطلقا مع العنف ضد النساء. المكتب الوطني لاتحاد العمل النسائي